سمير مرقص
(١) «الانفتاح على جديد العالم»
قبل عشرة أعوام، كنت عائدًا من إحدى السفرات الطويلة الحافلة بالندوات واللقاءات، وكالعادة أيضًا، المحملة بالكثير من الكتب والدوريات التى كان من ضمنها كتاب أو بالأحرى مجلد المفكر الاقتصادى توماس بيكيتى المعنون: «رأس المال فى القرن الواحد والعشرين»، وكنا، فيما أظن، أول من أشار إلى أهمية هذا الكتاب فى «المصرى اليوم»، آنذاك، أوصيت بترجمة هذا المرجع العمدة الذى طرح أسئلة جديدة واستطاع أن يقدم إجابات جديدة حول أسباب اللامساواة التاريخية بين البشر (قام الباحثان المتميزان سلمى حسين ووائل جمال بترجمته عام ٢٠١٦). كذلك أشرت إلى كثيرين من عينة «بيكيتى» الذين يستحقون الترجمة فى أكثر من حقل معرفى. ففى مجال الاقتصاد، على سبيل المثال، لفتنا النظر إلى أهمية ترجمة هؤلاء الذين لهم رؤية نقدية للنظام الاقتصادى العالمى بتجليه النيوليبرالى الجديد وأثره السياسى على المنظومة الدولية، ويدعون لنظام اقتصادى/ مالى جديد مثل: يانيس فاروفاكيس، وأمارتيا سن، وجوزيف استيجليتز، وبول كروجمان... وغيرهم. ودعوت إلى استضافتهم فى مصر للاستفادة من أفكارهم حول ما يطرأ على العالم من تحولات وما يتهدده من أخطار، ومن ثم كيفية الخروج من المأزق التاريخى للاقتصاد العالمى. فى هذا السياق، سعدت بدعوة «المصرى اليوم» للاقتصادى الأمريكى البارز «جيفرى دافيد ساكس» الذى عرفت وطالعت الكثير من أعماله، التى وجدتها تعكس فى مجموعها قدرة تحليلية ونقدية للسياسات العامة التى تتعلق بالتقاطعات بين الاقتصاد والسياسة والواقع الاجتماعى لعموم المواطنين، خاصة الفقراء، وحولها تبلور مشروعه الفكرى.

(٢) «المشروع الفكرى لـ(ساكس)»
عرفت «جيفرى ساكس» عن طريق السياسى الديمقراطى- الاشتراكى بالمعايير الأمريكية- «بيرنى ساندرز»، أثناء دراسة حول أفكار الأخير وما يمكن أن نطلق عليه اليسار الأمريكى. فلقد قام «ساندرز» بكتابة مقدمة لكتاب من تأليف «جيفرى ساكس»، الصادر عام ٢٠١٧، والمعنون: «بناء الاقتصاد الأمريكى الجديد: ذكى، منصف، ومستدام» Building The New American Economy: Smart، Fair، & Sustainable؛ أجرى فيه «ساكس» مراجعة شاملة للاقتصاد الأمريكى يراعى الطبقة الوسطى الأمريكية، وأسر الطبقة العاملة وعلاج ما يعانونه من متاعب، ولا يعود يركز فقط على «طبقة البليونيرات». وحاول «ساكس» فى كتابه أن يقدم روشتة اقتصادية تجدد بنية الاقتصاد الأمريكى بمراعاة الثالوث التالى: النمو الاقتصادى، والإنصاف الاقتصادى، والاستدامة البيئية. وناقش تفصيلًا ملفات تتعلق بالدخول المنصفة، وقواعد العمل، والميزانية الفيدرالية، وسياسات «طاقاوية» أمريكية جديدة، والتغير المناخى، والرعاية الصحية، والبحث عن نوع جديد من السياسات العامة، والسياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية. فتح لى هذا الكتاب أفقًا لمعرفة أكثر لأفكار الرجل إذ بدأت البحث عن مؤلفاته. وبالفعل حصلت على مجموعة من كتبه السابقة التى أنجزها قبل ٢٠١٧ وحتى كتابيه الأخيرين اللذين قام بتحريرهما: الأول الصادر عام ٢٠٢٢: ممارسة التنمية المستدامة من منظور أخلاقى، والثانى الصادر عام ٢٠٢٣: ضد السعادة، وهنا نشير إلى عدد من كتبه المهمة المبكرة: أولًا: نهاية الفقر- ٢٠٠٦، الذى يحاول فيه وضع روشتة عالمية للقضاء على الفقر، وذلك عبر رصد وضعية الفقر فى الأسرة الدولية، ودراسة الأسباب التى أدت للفقر عبر العالم، وبلوغ بعض الدول حالة الفشل الاقتصادى، وعرض دراسات حالة لأكثر من دولة تعانى الفقر، وأخيرًا كيف يمكن تخصيص استثمارات توجه لإنهاء الفقر. ثانيًا: كتاب ثمن الحضارة- ٢٠١١، الذى يتحدث فيه عن إعادة يقظة الفضيلة الأمريكية من أجل رخاء الجميع. وفيه يؤكد على أن بلوغ الحضارة إنما يحتاج إلى دفع أثمان. وحول ذلك قام بمهمتين بحثيتين: الأولى إجراء تشريح دقيق وتفصيلى لأزمة الاقتصاد الأمريكى البنيوية، كما قام بعمل تفنيد نقدى لاقتصاد السوق ومغالطاته، وحاول شرح ما أطلق عليه الرخاء المفقود والمجتمع المشتت من جراء الزيف، وأثر ما سبق على انقسام المجتمع الأمريكى. أما المهمة الثانية فلقد قام بطرح رؤية لكيفية العبور إلى الرخاء. ثالثًا: عصور العولمة- ٢٠٢٠، حيث قام بعمل رصد تاريخى لسبع مراحل مرت بها العولمة منذ سنة ٧٠٠٠٠ قبل الميلاد وحتى العصر الرقمى فى القرن الحادى والعشرين (مرورًا بالعصر الحجرى الحديث، عصر الزراعة، وعصر الفروسية، والعصر الكلاسيكى، وعصر المحيطات/ الإمبراطوريات، والعصر الصناعى)، وأخيرًا حاول تقديم تصور لكيفية إدارة العولمة فى الألفية الثالثة بما يضمن التنمية المستدامة ووفق قيم الاشتراكية- الديمقراطية التوفيق بين المنافع العامة والمصالح الخاصة، وإصلاح الأمم المتحدة ووضع خطط مشتركة كوكبية من منظور أخلاقى. إضافة إلى ما سبق قام «ساكس» بتحرير التقرير الدورى للأداء الاقتصادى والقروض للدول النامية. كما شارك فى إعداد دليل حول الاقتصاد الأخضر (عام ٢٠١٩ مع آخرين، وقد رجعت إليه فى دراستنا المعنونة: زمن التدهور المناخى.. الخطر الداهم منذ نصف قرن ١٩٧٢- ٢٠٢٢). ونشير أيضًا إلى أن للرجل كتابات حول تجربة كينيدى، والنظام الاقتصادى لروسيا.

(٣) «الخبير المثقف لا الخبير الموظف»
وبعد، لقد أحسن منتدى «المصرى اليوم» الاقتصادى بدعوة أحد المفكرين البارزين من الذين يجمعون بين التخصص والثقافة الواسعة أو من أطلقنا عليهم الخبراء المثقفين، تمييزًا عن الخبراء الموظفين، للاستفادة من علمه وخبرته، وهو ما تجلى فى مساهمته الثرية بالمنتدى، وقد أوفى صحفيو «المصرى اليوم» بتغطيتها.. وفى انتظار استضافات مميزة أخرى.
نقلا عن المصرى اليوم