مع استمرار التصعيد العسكري في لبنان وتوسّع الجانب الإسرائيلي لنطاق ضرباته الجوية، يواصل الرئيس السوري بشار الأسد ما يطلق عليه محللون سياسية "النأي بالنفس"، إذ لم يصدر عنه أي تعليق يذكر بشأن التطورات في لبنان عقب رسالة التعزية التي أرسلها لحزب الله اللبناني بعد مقتل أمينه العام حسن نصرالله نهاية شهر سبتمبر/أيلول الماضي.
إلا أن تحرّكات عديدة جرت مؤخراً عادت ولفتت الأنظار، وأنذرت باحتمال وجود تغيير معين بالموقف السوري، بينها ما فعلته إسرائيل خلال الأيام القليلة الماضية في هضبة الجولان، من إزالة ألغام أرضية وإقامة حواجز على الحدود بين الهضبة المحتلة وشريط منزوع السلاح على الحدود مع سوريا، وسط صمت تام من الأخيرة.
وأشارت وكالة رويترز حينها إلى احتمال أن تكون إسرائيل ربما توسع عملياتها البرية ضد حزب الله اللبناني مع تعزيز دفاعاتها انطلاقاً من أراض سورية.
كما أفاد المرصد السوري بأن قوات للجيش السوري صادرت مستودعي ذخيرة لحزب الله في منطقة ريف دمشق.
فماذا يجري في سوريا وهل تخلّت عن حليفها الأهم؟
للإجابة على هذا السؤال، رأى الكاتب الصحافي السوري عبد الحميد توفيق، أن المنطقة برمتها باتت مقبلة على شكل مختلف عما هي عليه الآن.
وأضاف في تصريح لـ"العربية.نت"، أن هذا التغيير آت بالتأكيد، لكنه بحاجة إلى الوقت كي يتبلور.
كما شدد على أن الحسابات كثيرة بشأن الأحداث في لبنان، لافتاً إلى أن ما يجري يؤكد أن التغيير جزء من النهج العام المرتبط بنأي سوريا عن ساحات الحرب أو الدعم حتى لحلفائها.
كذلك أوضح أن دمشق اليوم ليست بوارد أن تكون جزءاً من هذه الحسابات جميعها، وذلك لأنها غير قادرة على فعل شيء بحكم 15 عاماً من حرب طاحنة مرّت عليها وعقوبات خانقة.
بالمقابل، لفت إلى أن هذا يدلل ويبرهن على أهمية سوريا في المنطقة، وعلى دورها كبيضة قبان في جميع المصالح بالمنطقة.
ورأى أن المنطقة المعنية بـ"حلف الممانعة أو المقاومة" كما يسمونها، ذاهبة نحو التغيير الفعلي، وفق قوله. وأشار إلى أن أمام سوريا واحد من طريقين، فإما كسب ثمار موقفها وتعميق العلاقة مع العرب والمملكة العربية السعودية تحديداً، معتبراً أن ذلك مفتاح عودة السلام إليها تدريجياً بما فيه مع تركيا.
أو الطريق الثاني، وهو تحديد الصراع فيها، لافتاً إلى أنه يميل للطريق الأول نظراً للمعطيات الأخيرة.
كذلك رأى أن أحد التحولات التي يتوقع حدوثها هو إعادة ترتيب العلاقات السورية الإيرانية بشكل مغاير لما كانت عليه، بمعنى أن السياق السوري مع العرب والعالم الغربي يفرض تقليص العلاقة.
من ناحية أخرى ما تتعرض له إيران بشكل مباشر خصوصا بعد تدمير الجماعات الموالية لها في غزة بشكل تام، وفي لبنان بشكل كبير جداً، يضاف إلى ذلك تمنّع سوريا عن إنجادها ودعم حزب الله.
وشدد على أن كل ما مضى وقائع وحقائق جديدة سيترتب عليها سلوكٌ سياسي مختلف عما كان عليه سابقاً.
وختم على ألا عداوات دائمة في السياسة ولا صداقات دائمة، بل المصالح هي التي توجه بوصلة السياسيين، بحسب تعبيره.
صمت إسرائيلي
يشار إلى أن إسرائيل غالباً ما تستهدف مناطق لإيران وجماعاتها وتلتزم الصمت حول ضرباتها في سوريا، علماً أنها كثفت غاراتها خلال السنوات الماضية، على ما تصفها بأهداف مرتبطة بإيران.
كما تصاعد عدد تلك الغارات منذ الهجوم الذي شنته حركة حماس على مستوطنات وقواعد عسكرية إسرائيلية بغلاف غزة في السابع من أكتوبر 2023.
أما أبرز هجوم على الأراضي السورية منذ الحرب على غزة، فكان قصف السفارة الإيرانية بدمشق في أبريل 2024، الذي أدى حسب طهران إلى مقتل 7 مستشارين عسكريين، بينهم 3 من كبار القادة.
وعن الجولان، فكانت شرعت خلال الأشهر الفائتة بفتح ممرات في الجولان السوري المحتل، وتفجير حقول ألغام بمحاذاة خط وقف إطلاق النار عدة مرات، بالتوازي مع تصاعد الاستهدافات ووصول قوات نخبة من الميليشيات الإيرانية إلى الجنوب السوري.
كذلك استهدفت باستمرار تجمعات ومقرات لميليشيات مدعومة إيرانياً، علاوة على أماكن أخرى يتمركز فيها الجيش السوري.
مع كل هذا، تصدر عادة الحكومة السورية بيانات تنديد بما يجري، ورغم استمرار التصعيد العسكري في لبنان وتوسّع الجانب الإسرائيلي لنطاق ضرباته الجوية، واصل الرئيس السوري الاستراتيجية ذاتها، دون أي تصريحات رسمية تدل عن موقف جديد واضح.