( ؟ - 1950 )

إعداد/ ماجد كامل
ميلاده ونشأته :
ولد "سيداروس مرقس جرجس " في بلدة النغاميش مركز البلينا ، تاريخ ميلاده غير معروف على وجه الدقة ، ولقد رباه والده بكل الآداب  المسيحية ، فنشأ محبا للكنيسة بكل علومها ، فحفظ بسرعة الألحان الكنسية والمزامير ، وكان يجتهد أن يضع لنفسه تداريب روحية من صلاة وصوم واعتكاف .

رهبنته فى دير الأنبا أنطونيوس :
أشتاقت نفسه لحياة الرهبنة ، فتوجه إلى دير الانبا أنطونيوس بالبحر الأحمر ، وكان لا يزال شابا صغيرا ، وهناك أحبه الجميع من رئيس الدير إلى كل رهبان المجمع . فتمت سيامته فى رتبة القسيسة ،وكان موضع إعجاب من الجميع ، فلقد أعجبوا كثيرا بهدوئه ودماثة خليقه ، فكان يعمل كل ما يوكل  إليه من أعمال بحب وشغف .

دراسته فى  مدرسة الدير :
ومن شدة عشقه للعلم ، درس فى المدرسة اللاهوتية الملحقة بالدير ، حيث تعمق فى العلوم اللاهوتية واللغات الأجنبية .

رحلته إلى الأراضي المقدسة :
ولم تمضى إلا أيام قليلة حتى تمت  ترقيته إلى درجة القمصية ، وأوكل إليه أن يشرف على دير السلطان بالقدس ، فتوجه إلى  هناك  ،وظل يخدم هناك خلال الفترة من ( 1903- 1907 ) . .فاحبه الجميع نظرا لما تميز به من محبة وإتضاع . ولكن الحال لم يدم طويلا ، إذ ساءت صحته جدا وأشتد به المرض  ، فقرر العودة  إلى أرض الوطن وإلى ديره بالبحر الأحمر .

خدمته فى بهجورة :
وما أن استراح قليلا  بالدير ، ودرس فى مدرسة الرهبان بالإسكندرية ، انتدب  للخدمة فى بهجورة لمباشرة وقف دير الأنبا أنطونيوس هناك ، فسكن فى قلاية هادئة فوق كنيسة السيدة العذراء ، وهناك عرفه الجميع فكانوا يقصدون إليه من كل جانب طلبا للبركات والصلوات  . وأجرى الرب على يديه عجائب كثيرة .

سيامته مطرانا  على أثيوبيا :
بعد أن تنيح الأنبا متاؤس  مطران أثيوبيا ، أرسل الملك تفري  والإمبراطورة زوديتو  رسالة إلى البابا يؤانس التاسع ، يطلبون فيه رسامة مطرانا قبطيا بديلا للأنبا متاؤس . فوقع إختيار البابا على القمص سيداروس الأنطوني ليكون مطرانا  لأثيوبيا ، وأرسل فى طلبه ، ولكن القمص سيداروس اعتذر متعللا بجهله وعدم معرفته شيئا عن الطقوس الكنيسة ، وإزاء إلحاح البابا هرب  وأختفى فلم يعرف أحد مكانه ، فأرسل البابا مجموعة من الأراخنة ،وكان على رأسهم "توفيق باشا دوس " فوجدوه بعد مشقة ، طلب القمص سيداروس من توفيق باشا أن يتوسط لدى البابا لكي يعفيه من هذا المنصب  ،فوعده بذلك ، وبينما وصل الوفد إلى الدار البطريركية ، أغلق توفيق دوس باب السيارة على أصبعه ، فجرح وأضطر أن يتخلف عن الصعود مع الوفد حتى يعالج أصبعه . وبمجرد دخولهم إلى البابا ،  أحنى القمص سيداروس رأسه لنوال بركة قداسة البابا ، ففوجيء برقع البابا لعلامة الصليب التى فى يده  ،وبدأ فى تلاوة الصلوات الخاصة بطقوس سيامة الأساقفة ، ودعاه باسم " الأنبا كيرلس " فما كان من القمص سيداروس إلا الخضوع والأذعان موقنا أن هذه هي أرادة الرب أن يصير مطرانا على أثيوبيا . وكان ذلك فى عام 1929 .

أهم اعماله في أثيوبيا :
1--تفاوض وزير المعارف الأثيوبية مع البابا يؤانس التاسع عشر  على سيامة أربعة  من العلماء الأثيوبين برتبة أساقفة لمساعدة المطران الجديد فى أعمال الخدمة ،فوافق البابا ،و تحدد يوم 2 يونيو 1929 لإتمام طقوس الرسامة ، وبدأت الصلاة من الساعة السابعة صباحا ، حضرها وزير الزراعة المصري مندوبا عن جلالة الملك .وأصدر المجمع المقدس بيانا بشأن العلاقة بين الكنيسة القبطية والكنيسة الأثيوبية  .

3-سافر المطران القبطي مع  الأساقفة الأثيوبين حتى يوم 19 يونيو 1929 بمبنى الكلية الإكليركية بمهمشة ، ثم أقلعت الباخرة فى نقس اليوم ، لتصل إلى أثيوبيا يوم 26 يونيو 1929 ، وكان فى أستقبالهم وفدا كبيرا نيابة  عن الملك تفري والإمبراطورة .

3- بعد أن أستلم مهام منصبه ، أكتشف أن الدولة كانت قد أستولت على  غالبية أوقاف المطرانية ، فطلب من الحكومة تسليم هذه الأوقاف للكنيسة ، ولكهنا رفضت ، حاول المطران معهم كثيرا دون جدوى ، فقرر العودة إلى مصر  احتجاجا على هذا الوضع ، فلما شعر الشعب الأثيوبي بغياب راعيه ، فجاءت  إليه الأمبرطورة "زوديتو " ووعدته بتلبية طلبه ،ورد الأوقاف غلى الكنيسة ، فسافر معها إلى اثيوبيا ، وهناك أستقبله الشعب استقبالا حافلا ، وبالفعل أعطته الدولة جزء من الأوقاف لإدارتها واحتفظت بالباقي ، فأضطر إلي قبول هذا الوضع كحل وسط  . وذلك منعا لمزيد من المشاكل .

4-حارب نيافته عادة سيئة كانت منتشرة في أثيوبيا في تلك الفترة ، وهي عادة (تعدد الزوجات والطلاق ) ، فاخذ المطران يحارب هذه العادة السيئة بكل الطرق والوسائل ، منها  بالوعظ والإرشاد وإلقاء العظات وكتابة المقالات ...... الخ .  

5-حارب نيافته أيضا عادة شرب الخمر التي كانت منتشرة بين الشعب الأثيوبي ، وبالفعل أستطاع أن يقلل منها نسبيا .

6- لم يمر عام على توليه مهام منصبة ، حتى توفت الإمبراطورة "زوديتؤ " وأرتقي العرش الأمير تفري  ولي العهد ، وأتخذ لنفسه أسم " هيلاسلاسي الأول " ، فقام الأنبا كيرلس بتتويجه .بعد أن أخذ عليه التعهد بالحفاظ على العقيدة الأرثوذكسية .

7-قام نيافته بتشييد أول كنيسة قبطية في أثيوبيا ، بنيت على أسم السيدة العذراء ، وصممت  على الطراز القبطي الأصيل ،  ولكن الإحتلال الإيطالي للبلاد عطل المشروع قليلا .

الغزو الإيطالي لأثيوبيا :
بدأت الحرب الإيطالية – الأثيوبية عام 1935  ، فاحتلت إيطاليا اليلاد ، فلما شعر الإمبراطور بالهزيمة ، طلب من الأنبا كيرلس إلا يغادر البلاد ، ويبقى مقيما فى أثيوبيا لرفع حالة الشعب المعنوية  ،فوافق الأنبا كيرلس على طلبه ووعده بعدم مغادرة البلاد .

زيارة رئيس الجالية الإيطالية للمطران :
بعد أيام قام رئيس الجالية الإيطالية بمقابلة المطران  ومعه كبار رجال الجيش الإيطالي ، ووعده بعدم التدخل فى شئون الكنيسة وتلبية مطالبها .

 مطالبة الإيطاليون للمطران بالإنفصال عن كنيسة الإسكندرية والإنضمام إلى روما :
عرض عليه الأيطاليون أن ينفصل عن كنيسة الإسكندرية ، ليكون أول بطريرك لأثيوبيا ، فرفض نيافته بشدة هذا الطلب ، ومن هنا بدأت العلاقات تسوء ، حتى وصلت إلى مصادرة أملاك الكنيسة التي كانت قد تسلمتها من الحكومة الأثيوبية ، وحبسوه فى دار المطرانية لكي يثنوا من عزمه ، غير أنه رد عليهم بكل شجاعة " أني لن أخون الإمانة التي في عنقي نحو  كنيستي ، وليس لكم سلطان على روحي ، قال ربي لا تخافوا من الذين يقتلون الجسد  ...... الني لا أستطيع أن أخون أمانة   حافظ عليها 114 مطرانا من قبلي " .

إضطراره للسفر  إيطاليا ثم  العودة إلى مصر :
وحدث بعد ذلك أن أقام الإيطاليون استعراضا عسكريا ضخما بهدف إدخال الرهبة فى القلوب ، فقام الأثيوبييين بإلقاء بعض القنابل اليدوية على الحاضرين ، فأصابت أحدي شظايها الأنبا كيرلس  ، مما أدي إلى أصابته ، فطالب الأيطاليون بوجوب علاجه فى روما ،  وبالفعل حكموا عليه بالسفر ، وهناك أعادوا الكرة معه في محاولة دفعه للخروج من حضن الكنيسة القبطية ، فلما فشلت جميع جهودهم ، ولقد رفع نيافته تقريرا إلى البابا يؤانس التاسع عشر يعرض فيه محاولات ضمه إلى الكنيسة الرومانية جاء فيه " وصار الدوتشي يرسل لنا رسله لمفاوضتنا في أمر انفصال الكنيسة الحبشية عن أمها القبطية .  فكنت أقرر لهمك في تأكيد استحالة الانفصال وعدم استطاعتي الإقدام عليه  . وعندما دعاه رئيس المجلس الفاشتشي الأعلى إلى حفل عنده في القصر ، كرر عرض الأمر عليه ، فما كان من المطران إلا أن رد عليه قائلا " لا يمكنني أن أوافق على انفصال  كنيسة أثيوبيا عن الكنيسة المصرية ، لأن اتصالهما قديم العهد ، و إنني أقرر الآن ما  سبق أن قلته لنائب وزير المستعمرات في أديس ابابا وهو أنني لن أخون الأمانة التي أودعت إلي من قبل رئاسة الكنيسة القبطية ، وانني ما زلت متمسكا بهذه العلاقة الوطيدة التي ظلت ثابة منذ العصور الغابرة " . ( لمزيد من الشرح والتفصيل راجع  نص التقرير الذي قدمه الأنبا كيرلس إلى البابا يؤانس التاسع عشر عام 1937 بعد عودته من مفاوصضاته مع عاهل أيطاليا في : زاهر رياض : تاريخ أثيوبيا ،  الصفحات من 257 – 265 ).

 ثم منعوه من العودة إلى أثيوبيا ، وأجبروه على العودة إلى مصر ، وبالفعل أضطر للعودة إلى مصر ، وأقام فيها خلال الفترة من ( 1936- 1942 ) فى شقة بمهمشة إلى جوار  مبنى الكلية الإكليركية .

استقلال أثيوبييا وطلب العودة إلى أثيوبيا :
أستعادت أثيوبيا إستقلالها عام 1942  ، فخرجت قوات الإحتلال الإيطالي  ، فأرسل الإمبراطور هيلاسلاسي  بطلب   إلى الأنبا كيرلس للعودة إلى أثيوبيا ومباشرة خدمته هناك ، فسافر الأنبا  كيرلس إلى هناك . واقلعت الطائرة من مطار ألماظة في 1 يوننيو 1942 ، وسافر معه صادق باشا وهبة الوزير السابق وفرج بك موسى قنصل مصر في أثيوبيا ومريت بك غالي مزودين بدعوات البابا يؤانس ، غير أن المطران لم يستطع التأقلم مع التحرك الفكري الجديد الذي حدث في أثيوبيا بعد جلاء الأيطاليون عن  أثيوبيا ، فلقد نظر إليه البعض كرجل رجعي ، كما اجتمع المجمع المقدس الأثيوبي ، وطالب برسامة مطران أثيوبي ،فرفضت  الكنيسة القبطية رسامة مطران أثيوبي في حياة المطران القبطي ، مما اضطره للعودة إلى مصر ، وأقام فى مبني الكلية الإكليركية هناك ،واكرمه الأرشيدياكون القديس حبيب جرجس كثيرا  .

أيامه الأخيرة ونياحته :
أشتد عليه المرض في أيامه الأخيرة كثيرا ، فقرر الأطباء نقله المستشفى القبطي بالقاهرة  ، حتى فاضت روحه إلى السماء وتنيح  صباح يوم الأحد الموافق 22 أكتوبر 1950 .

كلمة الرثاء التي كتبها الأستاذ وهيب عطا الله فى مجلة مدارس الأحد :
ولقد كتب الأستاذ "وهيب عطا الله " ( المتنيح الأنبا غريغوريوس ) كلمة رثاء نشرت في مجلة " مدارس الأحد " بتاريخ  يناير 1952 ، جاء فيها من ضمن جاء " لقد رقد في الرب حبر أمثاله فى الدنيا قليل  ، تقى ،وطهرا ، ومبدأ ، وصلابة هو نيافة المغبوط والشيخ الروحاني الأنبا كيرلس  رئيس أساقفة أثيوبيا ،  وبناحته تنكسر آخر حلقة فى سلسلة الإتصال بين الكنيسة القبطية وربيبتها الأثيوبية ، طبقا لنصوص الإتفاق الذي زعم دعاته أنه الحل الذي وفقوا إليه في دعم الصلة بين الكنيستين ، ويعلم الله وحده  أي حل مشئوم هذا الحل الذي يعالج الأمور من طرف واحد ..... أن الناس لا يعرفون عن الأنبا كيرلس إلا أنه الرجل الذي أبعد عن أثيوبيا . ولكن العليم هو الله أنه الرجل المحبوب بين شعوب أثيوبيا جميعا ، والآمبرااطور هيلاسلاسي كان يعزه  ، وكان ولا زال قبل نياحته .  أليس هو بعينه الرجل الذي رفض أسخى العروض من رجال إيطاليا  الذين أرادوا أن يجعلوه بطريركا لأثييوبيا فأبى إباءا عجيبا ...... لقد أغروه بالإجلال وزاردوا له الاحترام ، فلم يجب لمطاليهم ...قالوا له ستكون تابعا لبابا الكنيسة الرومانية  أعظم باباوات العالم ، فاجاب " كلا  من قال هذا ؟ سلوا التاريخ . إن كنيستنا معلمة المسكونة ، حينما كان الغرب كله يغترف من نعمة الله على باباوات الإسكندرية علما وفضلا وحكمة " .

مراجع المقالة :

1- القمص صمويل تواضروس السرياني :-تاريخ البطاركة  ، الجزء الثالث ، مكتبة دير .

2- القمص تادرس يعقوب ملطي :- قاموس آباء الكنيسة وقديسيها مع بعض الشخصيات الكنسية  ، ( ض- م ) ، كنيسة مارمينا العجايبي ، نيوجرسي ، الصفحات من (331- 333 ) .

3- ساجي سليمان : الأنبا كيرلس رئيس أساقفة أثيوبيا ،  مكتبة كنيسة القديسين مارمرقس والبابا بطرس خاتم الشهداء ، الطبعة الأولى ، 1985 .
4- زاهر رياض : تاريخ أثيوبيا ، مكتبة الأنجلو المصرية ، 1966 ، الصفحات من 257- 265 .  

5- الأنبا غريغوريوس :  موضوعات روحية ، سلسلة مقالت وموضوعات متنوعة ، - الجزء الأول ، المجلد رقم 29 ، الصفحات من 345 ، 346 .