د. منى نوال حلمى
«المرأة» منذ بدء الخليقة، تحمل آثام البشر ولعنات الطبيعة.. «المرأة» يُزج بها فى الصراعات السياسية المحلية والدولية، وفى المعارك الانتخابية، وفى ترويج الشامبوهات والزيوت الخالية من الكوليسترول، والأجنة الخالية من الكرامة.
دائمًا هى فى الصفوف الخلفية. تلبس الفضفاض الذى يخفى تضاريس الجسد. يضعونها أمام الكاميرات، شبه عارية تلبس الضيق المحزق، لكى تعلن عن منتجعات الأثرياء وأعشاب استعادة الذكور للفحولة المفقودة، وتصنع دعاية لفيديوهات غنائية، خالية من الألحان، مشوهة المعانى، تؤديها أصوات أكثر تشوها.
على مر العصور، المرأة «كبش فداء» للعُقد التى يرثها الذكور وللتعصبات الدينية من البعض مدعية الفضيلة والعفة، والحفاظ على الدين والدفاع عن شرع الله، واحترام وتبجيل أخلاق الرسل والأنبياء. هى «المذنبة» ولو كانت هى المقتولة، أو المذبوحة.
«المرأة» كائن تَحار فيه المجتمعات على مر الأزمنة، هل يتغطى أم يتعرى؟. هل يتكلم أم يُقطع لسانه؟. هل نتركها لشهوتها الجنسية، أم نقطعها ونبترها؟. هل يتعرض للشمس والهواء، أم لروائح الطبيخ، وبلل الأطفال، وشهوات ذكور حاضرة طوال الأربع والعشرين ساعة؟.
منظمات وجمعيات ومراكز، تتلقى المعونات، تحت اسم تنمية وتمكين المرأة، ولا تنال منها المرأة إلا المزيد من عدم التنمية، وعدم التمكين، والموت بسبب جرائم الشرف، معدومة الشرف.
«المرأة»، وهى جنين، تخاف مواجهة الناس، بأنها «أنثى». تخاف التحرش إذا خرجت من البيت، وتخاف نظرة البواب وهمسات الجيران، وضرب القوّام إذا تأخرت، وإذا ضحكت ومرحت تخاف إثارة الشكوك. وتخاف موت شخص فى الأسرة والعائلة، حتى لا ترث نصف مقدار الذكر.
تخاف من العنوسة، تخاف ألا ينزف غشاء البكارة، تخاف ألا تطيع الزوج فيضربها، أو يقطع المصروف عنها، أو يذهب إلى عشيقة خفية غير شرعية، غير مقننة غير محترمة، أو يلجأ إلى ثلاث نساء معلنات شرعيات، مقننات، محترمات. تخاف الطلاق، والترمل، وضياع الشباب.
فى جميع الأحوال تخاف ألا تكون محجبة أو منتقبة، حتى لا تثير حفيظة أب، له ميول إخوانية، أو زوج له وجدان سلفى، أو أخ له أصدقاء داعشيون، أو جيران يتعاطفون مع إقامة الخلافة. هذه الأفكار مرت بخاطرى، بعد قراءة فتوى أحد المشايخ، عندما سأله شاب، فى حيرة: هل يجوز للمرأة أن تخرج إلى الشارع وهى تلبس أثوابًا فاتحة الألوان؟. جاءت فتوى الشيخ: «الألوان الفاتحة غير مستحبة، لأنها تلفت الأنظار، ولفت الأنظار يثير الفتنة والشهوات، وإثارة الفتنة والشهوات تجر إلى المهالك والعياذ بالله.. الألوان القاتمة وقار وحشمة وزهد، يرفع من شأن المرأة.. والله أعلم».
إذا كان «الله أعلم» فلماذا إذن الفتاوى التى تنهمر علينا، ليل نهار، وتنفجر فى وجوهنا مثل القنابل وطلقات الرصاص؟. والنساء هن «الحيطة المايلة»، التى يتفق المزاج القبلى البدوى، السلفى والإخوانى، على تحقيرها، وصناعة الشبهات الأخلاقية، حول أبسط حقوقها. هى ليست فى نظرهم إنسانة. بل أداة بيولوجية، للإكثار من النسل.
يضيّقون علينا الدنيا، يجعلون الحياة ظلامًا وقيودًا تستعبدنا، يثيرون الفوضى واللخبطة والبلبلة وعقد الذنب، وتأنيب الضمير.. ثم يقولون «الله أعلم».
لا كهنوت فى الإسلام. وبالتالى، فإن الوسطاء بيننا وبين الله، وهم كثر، ينتهكون هذا المبدأ.
إن بيزنس الفتاوى عند البعض غير المختصين، الذى يكبر ويزدهر، على حساب إنسانية وكرامة النساء، دليل دامغ، يعاملنا كأننا أدمغة بلا عقول، أو أطفال قصّر، كائنات تحتاج إلى قوة أو سلطة خارجية، تميز لنا الخطأ من الصواب، ما القبيح، وما الحسن، وبدونه سوف نتوه، ونضيع، وتتحول حياتنا إلى فوضى أخلاقية، وشتى أنواع الانحرافات الجنسية.
قال ابن خلدون (٢٧ مايو ١٣٣٢ – ١٧ مارس ١٤٠٦): «فى فترات التراجع الحضارى، وانحدار وضعف الأمم ثقافيا وأخلاقيا، يصبح استغلال الدين، أكثر الموجات رواجا».
إن المرأة، تخوض حربا شاملة يومية، منذ الميلاد وحتى الموت، كل شىء فيها متاح، مثل كل الحروب التى تحتل وتستعمر وتخرب.
حرب تنهرها أن تكون إنسانة، تملك نفسها، وليست فى عهدة ذكر، أو على ذمة زوج، أو فى كنف مِحرم، أو «وراء ضل راجل». وأغلب الفقهاء الذين يقدسهم المسلمون والمسلمات شرعنوا هذه الحرب، وخططوا لها معاركها، وأسلحتها المتجددة.
حرب شرسة متنمرة، تأبى إلا أن ينتصر الذكور، خلفاء الله فى الأرض، حراس الفضيلة والشرف الذكورى الذى لا ينتفض إلا بسبب ممارسة المرأة، الجنس، خارج الكتالوج، المختوم برضا الذكور.
أقترح ندوات تثقيفية عاجلة مكثفة لمنْ يشتغل فى الإعلام، المرئى والمسموع والمقروء، عنوانها «نسف الذكورية». ليس من المعقول أو من المقبول، ونحن ننادى بالعدالة بين الجنسين، وعدم التمييز العنصرى ضد النساء فى جميع المجالات، وفى مؤسسات الدولة، وداخل البيوت من خلال تشريعات عادلة لقوانين الأحوال الشخصية، أن يطل علينا الإعلام الخاص فى غالبية الأحوال، بأفكار وحوارات ومقابلات، وتعليقات، وآراء، من إعلاميات وإعلاميين، غارقين فى الثقافة الذكورية، التى هى توأم الدولة الدينية. هما يأتيان معا، وينتهيان معا.
ليس من المعقول أن تضع الحكومة، بجانب كل شخص، شخصا يراقب عدم التمييز العنصرى، وخلو كلامه من الفكر الذكورى، الفاسد قلبا وقالبا، شكلا، وموضوعا.
الذكورية منفرة، تروجها النساء، أو الرجال. لكن إذا شاهدت أو سمعت أو قرأت لإعلامية تتبنى الثقافة الذكورية التى تقهرها وتهينها وتجعلها فى مرتبة العبيد والجوارى، وتقتل الأمل فى التغيير.
من الناحية النفسية، يتماهى المقهور مع القاهر، يتخذه قدوة، يستميت فى الدفاع عن أفكارها، وقوانينها. وفى أحيان كثيرة، يصبح البوق الدعائى، للمفاهيم التى تبقيه أدنى، أكثر من القاهر نفسه، ولا يفكر فى التغيير. وهذا يعرف بمتلازمة استوكهولم. وهنا يطمئن الطرف القاهر، فلم يعد محتاجا إلى بذل الجهد، لإعادة إنتاج شروط الاستعباد. فهى تنتج نفسها، من خلال المقهور شخصيا.
أنصح كل الذين يسعدون بالفكر القامع للمرأة، أن يهاجروا إلى أفغانستان. هناك سيجدون النساء وقد طبق عليهن، حرفيا وبكل دقة، شروط التوأم، الدولة الذكورية والدولة الدينية.
لا بد من تكثيف الوعى أن تأييد وترسيخ الدولة الذكورية، هو فى الوقت نفسه، وبالضرورة تأييد وترسيخ الدولة الدينية.
لا ينقصنا إلا فتوى تجيب عن التساؤل: «هل يجوز للمرأة أن تتنفس؟»؛ لكى نرضى الفرع المصرى لـ «طالبان».
■ ■ ■
خِتامه شِعر
احذر لا تقترب
خطوة أخرى وأحترق
لا أستطيع المقاومة
وسامتك حتما تنتصر
رفعت الراية البيضاء
اليك واثقة أمشى
على يدى كفنى
فقرر ما تشاء
مصيرى كله معلق
بكلمة من شفتيك
أحتاج اليك
من الألف إلى الياء
كلهم يتنبأون بنهايتى
يتسابقون لاعلان موتى
كأننى أسرق منهم
الماء والخبز والهواء
اخرجنى من هذا القبر
ولنرحل
حيث لا شئ يهم
الا أنت وعناق البحر
نقلا عن المصرى اليوم