د. أمير فهمى زخارى المنيا
هلم نتحاجج يقول الرب (إش 1: 18)..
هل هو زكريّا بن يهوياداع (بن براخيا)، أم زكريّا بن عِدُّو النبي, أم زكريّا والد يوحنا المعمدان..
تعالوا معى فى هذا المقال نرى محاججه (حجج) بعض المفسرين...
اولا: القمص يوحنا نصيف ) 19 سبتمبر 2024م)
مَن هو زكريّا الذي قُتِل بين المذبح والهيكل؟!
جاء في قراءات سنكسار الأمس (8 توت)، عن استشهاد زكريا الكاهن والد يوحنّا المعمدان. ومع الأسف هذه القصّة غير سليمة تاريخيًّا، والأفضل حذفها من السنكسار؛ ولا يصحّ أيضًا ربطها بكلام السيّد المسيح الذي قاله في توبيخه للكتبة والفرّيسيين، أنّه ستأتي عليهم عقوبة الدماء الزّكيّة التي سُفِكَت من دم "هابيل الصِّدِّيق" إلى دم "زكريا بن براخيا" الذي قُتِل بين الهيكل والمذبح (مت23، لو11).
سؤالنا الأوّل هو: هل زكريّا الذي أشار له الربّ يسوع هو والد يوحنا المعمدان؟ أم هو زكريا النبيّ صاحب السِفر المعروف باسمه؟ أَم هو شخص آخر؟!
لكي نجيب على هذا السؤال، ينبغي أن نعرف أنّ هناك حوالي 32 شخصًا في الكتاب المقدّس حملوا اسم "زكريا".. أشهرهم ثلاثة، هم:
1- زكريّا بن يهوياداع الكاهن (القرن 8 قبل الميلاد)، الذي عاش في عصر يوآش ملك يهوذا، وقد رجمه الشّعب بالحجارة في دار بيت الرب بين المذبح والهيكل، بعد أن وبّخهم على خطاياهم، وقال وهو يموت: "الرب ينظر ويطالب" (2أخبار24: 20-22).
2- زكريّا بن براخيا بن عِدُّو النبي (القرن 5 قبل الميلاد)، وهو كاتب سِفر زكريّا، وأحد الأنبياء الصغار، ولكن لم يَذكُر الكتاب المقدَّس شيئًا عن سفك دمه بين الهيكل والمذبح، خاصّةً أنّ الهيكل في عصره كان مجرّد حطام.. وقد عاش طويلاً، ومات ودُفِن بجوار حَجَّي النبي صديقه ورفيق خدمته..
3- زكريّا الكاهن والد يوحنّا المعمدان.. وهو من فِرقة أبيّا (لو1: 5)، وتنبّأ عن المسيح المُخَلِّص نبوّة جميلة بعد مولِد ابنه يوحنا (لو1: 67-79)، ولم يذكر الكتاب المقدّس شيئًا عن ظروف وفاته.. إلاّ أنّه كان شيخًا متقدِّمًا في الأيام وقت ميلاد ابنه (لو1: 18).
+ يُجمِع معظم آباء الكنيسة والمفسِّرين أنّ زكريّا الذي أشار السيِّد المسيح في حديثه إلى مقتله بين المذبح والهيكل، هو زكريّا بن يهوياداع (بن براخيا)، وليس زكريّا بن عِدُّو النبي ولا زكريّا والد يوحنا المعمدان.. وقد أكّد هذا القدّيس جيروم بعد أن بحَثَ الموضوع بكلّ تفاصيله.
+ كان زكريّا بن يهوياداع (بن براخيا) رئيسًا للكهنة في زمانه، وكان نبيًّا أيضًا يعظّ بالروح القدس عن البِرّ والتوبة.. وقد أمَرَ الملكُ يوآش برجمه بالحجارة في داخل بيت الرب. وهذه الجريمة يَذكرها السيِّد المسيح لِشِدّة بشاعتها، وقد ذُكِرَت في التلمود اليهودي يحوطها الحزن والفزع. وهذه الحادثة كانت أحد أسباب السّبي الذي قام به نبوخذنصّر بعد ذلك.. والرب يسوع كان يقصد –على الأرجح- أن يَذكُر أول شهيد بار في الكتاب المقدّس الذي هو "هابيل" (تك4: 8)، وآخِر شهيد ذُكِر في آخِر الأسفار التاريخيّة، وهو سِفر أخبار الأيّام الثاني.. وجدير بالذِّكر أنّ هذا السِّفر هو آخِر سِفر في الكتاب المقدّس العِبري بحسب الترتيب اليهودي الذي يختلف عن ترتيبنا نحن المسيحيين لأسفار العهد القديم.
+ كانت الشخصيّتان "هابيل" و"زكريّا" معروفتين تمامًا كشخصيَّات تاريخيّة، لكل الكتبة والفرّيسيين الذين كانوا يسمعون الرب يسوع.. أمّا "زكريا" أبو يوحنّا فلم يكُن مشهورًا ولا معروفًا عند السّامعين حتّى يذكره السيِّد المسيح في حديثه، بل كان مجرّد كاهن وسط الآلاف من الكهنة.. كما أنّه إذا كان يقصد "زكريّا" والد يوحنا، فبحسب القصّة المزعومة فإنّ اليهود لم يقتلوه بل جند هيرودس، وبالتالي لا يمكن تحميل اليهود مسئوليّة سفك دمه...!!
هكذا يمكننا تأكيد أنّ "زكريّا" الذي قُتِلَ بين المذبح والهيكل، ليس هو "زكريّا" والد يوحنا المعمدان.
هُنا يظهر التساؤل الثاني: ما مدى حقيقة القصّة المتداولة عن زكريا الكاهن والد يوحنا وهو يحاول إنقاذ ابنه من مذبحة أطفال بيت لحم؟!
القصّة المذكورة في بعض الكتب المزيّفة (مثل ما يُسمَّى بإنجيل يعقوب الصغير) يقول ملخّصها:
[أنّ زكريا الكاهن عندما فاجأه جنود هيرودس في بيته، طالبين قتل طفله يوحنا، حمل الطفل على يديه وهرب به إلى أورشليم، وكان جنود هيرودس يطاردونه.. فأسرع زكريّا إلى الهيكل، ووضع يوحنّا على المذبح قائلاً: من هنا استلمته وهنا أتركه.. وفي خروجه لاقاه الجنود الذين كانوا يركضون بسرعة وراءه، فعندما لم يجدوا الطفل معه قتلوه بين الهيكل والمذبح.. أمّا يوحنا فقد حمله ملاك الرب إلى البرّيّة؛ حيث عاش هناك إلى يوم ظهوره وبداية خدمته لشعب إسرائيل].
هذه القصّة في الحقيقة هي قصّة خياليّة تمامًا، وبها الكثير من التلفيق، وتخلو تمامًا من المَنطِق، لأسباب كثيرة، منها:
1- زكريا وأليصابات لم يكونا يسكنان في "بيت لحم" جنوب أورشليم، ولا في تخومها، بل كانا يقطنان في قرية تبعد حوالي 7 كيلومتر عن أورشليم ناحية الغرب -وسط الجبال- وتُسَمّى حاليًا "عين كارم". (انظر الخريطة المرفقة)
2- كيف يمكن لزكريّا الكاهن الشيخ، المتقدِّم في الأيام، أن يركض مُسرِعًا من "بيت لحم" (المزعوم إقامته فيها)، ويسبق الجنود وهو يجري حاملاً ابنه لعِدّة كيلومترات متواصلة، عبر الجبال والمنحنيات في المنطقة، حتّى يصل إلى الهيكل بأورشليم.. وفي كلّ هذه المسافة لا يَلحَق به الجنود؟!!
3- ما هو المذبح الذي وضع زكريا يوحنا عليه؟ هل هو مذبح البخور.. وهو لم يكُن مُصَرَّحًا له بالدخول إليه إلاّ بالقُرعة فقط، في دوره وسط إخوته الكهنة (لو1: 9)؟!! أَم هو مذبح المحرقة الذي كانت النار ترتفع عليه بشكل متواصل ليلاً ونهارًا.. ولا يوضَع عليه إلاّ المحرقات اليوميّة والذبائح.. فإذا وُضِعَ عليه الطفل يوحنا فسوف يُشوَى بالنار في الحال، ويحترق ويموت في ثوانٍ قليلة...؟!!!
4- كيف يستطيع الطفل الرضيع يوحنا أن يعيش في البرّيّة، دون أيّة رعاية من أحد؟!! فإذا كان قد قيل عنه أنّه عاش في البراري (لو1: 80)، فهذا صحيح، ولكن ليس منذ تلك السِّن المبكّرة، التي لا يؤيِّدها المنطق العاقل، ولا تؤكِّدها أيّة شواهد إنجيليّة!!
في الختام، أكرّر مناشدتي لمراعاة تعديل المعلومات التي جاءت في قراءات السنكسار أيّام [8 توت - 3 طوبة – 15 أمشير – 30 بؤونة] إلى حين يتمّ إصدار طبعة مُنَقّحة جديدة لهذا الكتاب الكنسي الهام.
وبالمناسبة ما جاء اليوم (9 توت) في السنكسار (المُعَدّل دون دراسة وافية) عن أنّ "مِيصيل" هي "مليج" بمحافظة المنوفيّة، هو خطأ تمامًا. فمنطقة "ميصيل" هي إيبارشيّة قديمة في الوجه البحري، وكانت تقع بين مدينتيّ دمنهور والمحموديّة. واسم منطقة "ميصيل" موجود على الخرائط القديمة لمحافظة البحيرة. ونعرف أنّه قد خرج منها بعض القدّيسين المشهورين مثل أنبا بيجيمي السائح، وأنبا صموئيل المُعترف.
ثانيا : ابونا تكلا نجيب (خادم كنيسه السيده العذراء بنزله حرز – ايبارشيه ابو قرقاص ووكيل مركز كيمي للتاريخ واستاذ التاريخ بالكليه الاكيرليكيه ) مع القمص يوحنا نصيف وقال
(معلوماتك صحيحه جدا ياريت تتعدل في السنكسار).
ثالثا: الا ستاذ/ عماد حرز ( الباحث ) ذكر :
زكريا الذي قتله يوآش ملك يهوذا كما جاء في (2أي21:24). ولكن إسم أبيه يهوياداع
وهو زكريا الكاهن في ذلك الوقت..
ويرى القديس جيروم أن برخيا تعني بركة ويهوياداع تعني قداسة. وأن الشخص يحمل الإسمين. وهذا هو الرأي الأصوب. فالمسيح ذكر هابيل كأول شهيد يذكر في الكتاب المقدس بسبب بره. وزكريا هو آخر شهيد يذكر في الكتاب المقدس، في العهد القديم (ونلاحظ أن الكتاب المقدس اليهودي ينتهي بسفري أخبار الأيام.) ويكون قصد المسيح أنهم يتحملون دم كل الشهداء الأبرياء الذين إحتواهم الكتاب المقدس، فهم أشر من أبائهم لقتلهم المسيح.
وهذا رأي ابونا انطونيوس فكري وابونا تادرس يعقوب نقلا عن القديس جيروم..
والموضوع متروك للبحث وهذة من الأمور الرائعة بالمسيحية ، مرونة الذهن نحو الشخصيات وتتبع أنسابها والتفريق الدقيق بينهم ، وهذا يعتبر كإيجابية ومرونة فى الفهم والوعى... شكرا للاستاذ / عزيز ناشد لاثاره هذه المحاججه وشكرا لأبونا / تكلا نجيب والاستاذ / عماد حرز لاثراءها ...
د. أمير فهمى زخارى المنيا