بقلم: جيهان خضير
قراءة في التأثيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية
يبدو للمتأمل في الجغرافيا الإثنية، بما يشمل السكان الأصليين وغيرهم، ويشمل حملة جنسيات دول منطقة الخليج العربي والأجانب.. يبدو أن الأغلبية في المنطقة تتكون من العرب المسلمين بمذهبهم السني، أما كل الجماعات الأخرى، فتندرج تحت ما يمكن وصفه بـ"الأقليات". وبصفة عامة تتسم المنطقة بتباين شديد في هيكلة السكان، حيث توجد ثلاث دول هي الإمارات والكويت وقطر تزيد فيها نسبة السكان الأجانب عن السكان الأصليين، حيث تقدر نسبتهم بـ (81% ،51.5%، 75% ) على الترتيب، في حين أن الدول الثلاث الأخرى وهي السعودية والبحرين وسلطنة عمان تتميز بتواجد سكاني محلي أكبر، وإن كان ذلك لا ينفي وجود نسبة ليست بالقليلة من الجنسيات الأخرى تمثل (20.2% و33% و18%) على الترتيب في تلك الدول.
التعددية المذهبية والدينية
وتنتشر الأقليات في المنطقة على أساس الدين والعِرق، فعلى أساس الدين يأتي الشيعة في المقدمة، حيث يشكلون 12 % من إجمالي السكان الأصليين، وتختلف نسبتهم من دولة لأخرى، ففي البحرين تتراوح نسبتهم بين 60 و 65%، تليها الكويت بنسبة 30%، ثم السعودية بنسبة تتراوح بين 15 و20%، وتبلغ نسبتهم في قطر 16%، ويشكلون نفس النسبة بدولة الإمارات، ولا تتعدى نسبتهم 10% في سلطنة عمان.
ويأتي المسيحيون في المرتبة الثانية، فعلى الرغم من عدم وجودهم ببعض دول المنطقة كما هو الحال في السعودية وسلطنة عمان، فإنه توجد أقلية مسيحية في باقي دول المنطقة، وفي المقدمة مملكة البحرين بنسبة 9%، تليها قطر بنسبة 8.5%، ثم كل من الكويت والإمارات بنسبة لا تتجاوز 5%..
وجديرٌ بالذكر أن مصدر الوجود المسيحي بالمنطقة يعود لوجود أعداد كبيرة من ذوي الجنسيات الأجنبية بتلك الدول، سواء للعمل، أو ضمن القوات الأجنبية الموجودة بالقواعد العسكرية بالمنطقة.
أما ثالث الفئات دينيًّا فهم اليهود، وعددهم قليلٌ جدًّا، وهم في مملكة البحرين فقط، ولا وجود لهم في بقية دول الخليج. وتشير المصادر إلى أن يهود البحرين بضع عائلات، وكان لهم ممثل يهودي في البرلمان، إلا أنه لا يوجد بيان رسمي دقيق بعددهم الفعلي.
التعددية العِرقية
على أساس العِرق توجد ثلاث أقليات رئيسة، أولها الإيرانيون الذين يشكلون نسبة قليلة من إجمالي السكان، ففي قطر يشكلون 10%، ونفس النسبة بمملكة البحرين، وفي الكويت تبلغ نسبتهم 4%، وفي الإمارات تبلغ 12%، بينما تقل نسبة تواجدهم في الدول الثلاث الأخرى، ففي السعودية هم دون 4% من إجمالي السكان، أما في سلطنة عمان فلا يوجد تحديد دقيق لنسبة الوجود الإيراني بها.
أما الآسيويون فيشكلون الأقلية الأكبر عددًا بدول الخليج وهم من الهنود والترك والصينيون والأفغان والبنجال والباكستانيون والبلوش والمالاويون، وتختلف نسبة وجودهم من دولة لأخرى، ففي سلطنة عمان تبلغ 17%، وفي الكويت 9%، وفي السعودية حوالي 4%، وفي البحرين 17%، وترتفع هذه النسبة في كلٍّ مِن قطر والإمارات، فتبلغ في قطر 40% من إجمالي عدد السكان، وتزيد في الإمارات على 50%، وهي نسبةٌ مرتفعة للغاية.
وفي المرتبة الثالثة يأتي الأفارقة من جنسيات وأعراق مختلفة، مثل النوبيين والكنوز والزنج والزغاوة والهوسا وغيرهم، ففي السعودية لا تتعدى نسبتهم 5% من إجمالي عدد السكان، وفي سلطنة عمان 2%، أما في باقي الدول فتتراوح بين 1 و 2%..
تأثير الأقليات
لوجود هذه الأقليات، بالمنظورين الديني والعِرقي، تأثيرات سياسية على دول المنطقة، فعلى صعيد الأقليات الدينية المذهبية، يبرز أمر الشيعة كقوة شعبية تسعى للتأثير على السياسة العامة للدول الخليجية، ولتكون لهم مكانة أهم وأكبر في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وتسعى للاستفادة من كل ما يمكن أن يتاح لها، كما في الوضع البحريني الجديد، حيث سمحت "الإصلاحات" لهم بأخذ مكانة كبرى في مجمل نواحي الحياة العامة، كما استفاد الشيعة في الكويت من حالة "الانفتاح السياسي"، فأصبح لهم ممثلون في البرلمان الكويتي، حيث توجد خمسة مقاعد في مجلس الأمة الكويتي للشيعة.
وعلى الجانب الاقتصادي، سعى الشيعة إلى لعب دور مهم في الاستحواذ على مشاريع اقتصادية وتكنولوجية غاية في الأهمية داخل دول الخليج، كما يحتل تجار الشيعة مكانة كبيرة ومهمة في تجارة بعض أنواع البضائع في المنطقة.
وعلى صعيد الأقليات العِرقية مثل الآسيويين والأفارقة والإيرانيين، تظهر الآثار على كافة سياسات دول الخليج، فعلى المستوى السياسي، أصبحت هناك إمكانية لتدويل قضايا العمالة في الخليج، بل وتسييسها في إطار العولمة واتفاقيات العمل الدولية التي تتجه نحو توطين العمالة الأجنبية الوافدة، ومساواتها مع العمالة الوطنية في كافة الحقوق، الأمر الذي يحمل معه تحوّل مواطني هذه الدول إلى أقليات في غضون عقدين من الزمن، في حال تصديق حكوماتها على اتفاقيات العمل الدولية.
والأخطر أن تتحول تلك العمالة إلى قوى سياسية ضاغطة في المستقبل، وقد بدأ كثيرٌ من المراقبين الخليجيين يحذرون مما سموه "تهنيد" الخليج خلال العقود المقبلة، ومن أن شبه القارة الهندية باتت قادرة على أن تضغط على صانع القرار السياسي الخليجي لصالح الجالية الهندية الكبيرة.
وعلى مستوى السياسات الاقتصادية، أدّى وجود الأقليات إلى استنزاف الموارد الاقتصادية عبر التحويلات المالية، فخلال الفترة من 1995 إلى 2000 كان متوسط حجم التحويلات حوالي 24.3 مليار دولار في السنة بمعدل 1.2%، أما في الفترة من 2001 إلى 2004 فارتفع إلى حوالي 27 مليار دولار في السنة.
كما تأثرت الأوضاع الاجتماعية نتيجة وجود هذه الأقليات، فلا يمكن إغفال أثر المدارس الأجنبية على الرغم من أنها أنشئت في البداية لتعليم أبناء الجاليات الأجنبية، فالواقع أن خطرها امتد إلى أبناء الخليج الأصليين وبدأت تؤثر في هويتهم العربية.
وفي إطار "التعددية الثقافية" عبر مدارس ونوادٍ وجرائد وبرامج تلفزيونية خاصة للأقليات الأجنبية، ازداد الخطر على مستقبل اللغة العربية، وعلى الانسجام التعليمي والثقافي بين أبناء المنطقة الخليجية، ويتوقع في المستقبل القريب أن تفرز هذه المدارس الخاصة أجيالاً من أبناء المِنطقة نفسها لا ينتمون إلى النسيج الثقافي والتعليمي واللُّغوي لها، كما أن لبعض الأقليات دورًا اجتماعيًّا خطيرًا على صعيد التبشير الديني والانتشار الثقافي، إضافـة إلى التأثير الصادر عن العمالة في قطاعات معينة (خدمة المنازل، وقيادة السيارات، وتربية الأطفال...)، وهو ما يؤثر على العادات والتقاليد والقيم، خاصة فيما يتعلق بالشعائر الدينية والعلاقات وأنماط السلوك وكذلك الثقافة والتآلف الاجتماعي.
رئيس مؤسسة "اللوتس للتنمية وحقوق الإنسان"