القمص اثناسيوس فهمي جورج
يقول القدّيس أمبروسيوس أسقف ميلانو في كتابه ( واجبات duties of the clergy الاكليروس ) ، إنّ للشيطان ثلاثة رماح أساسيّة يتسلّح بها عادةً ليجرح النفس البشريّة، هي رمح البطنة والشراهة، ورمح الكبرياء والمجد الباطل ، ورمح الطمع . وفي فقرة أخرى يتابع أمبروسيوس قائلًا إنّ التجارب تصيب الإنسان وتهلكه عندما يخضع لملذّات الجسد، ووهم المجد، وجشع السلطة. القدّيس يوحنّا الذهبيّ الفم يذهب الي نفس الفكر ذاته حين يقول إنّ الخطايا الرئيسة هي العبوديّة للشهوة، والتصرّف لأجل المجد الباطل، والرضوخ للمال والمقتنيات .
الخطيئة هي تحديدًا العصيان و التعدي وكسر الوصايا ، وكذلك حين يجعل المرء الإنسان الآخر مجرّد شيء قابل للمتعة والمصلحة والاستهلاك... " التشييء " . أمّا ذروة الخطيئة وبلا شكّ، فهي عدم الإحساس بوجود الله ( غياب المخافة ) ، و بأنّ الإنسان الآخر هو إنسان لكنه لا يملك روحًا وقلبًا وعقلًا ، فيتم التعامل معه كأنّه شيء ، الامر الذي هو قتل ل "الإنسانية " التي في الإنسان، واعتباره شيئًا نتعامل معه لاجل إشباع رغباتنا وشهواتنا والتخديم علي مانشتهيه من نهم بالي وبائد . ( تشييء الإنسان واستعماله ) .
تاريخ الكنيسة ايضا ، يذكر أنّ لا احد معصوما من الوقوع في التجارب كالباقين . فالعديد سقطوا منا ومن الاكليروس ايضا ، بسبب انحرافاتهم التعليميّة أو الأخلاقيّة السلوكية ، وكانوا السبب في الانشقاقات والخصومات ، التي ضربت الكنيسة سواء في القديم وحتي يومنا الحاضر . وجرّوا معهم جموعًا من المسيحيّين الذين وثقوا بهم وتأثّروا بأقوالهم وبسحر أشخاصهم ( غسيل الادمغة - وعبادة الاشخاص ) . فذلك امر واقع في حالات هالات التاله الكاذب التي تسرق مجد المسيح وتحول دون رؤيته كونه وحده المعبود والمكروز به . وهو رئيس كهنة جميع الطغمات الناطقة αρχιερια πάντων των λογικών ταγματων . الذي ينبغي ان يزيد وحده والجميع ينقصون .
لذلك ايضا يسعنا التأكيد دائما على أنّ المكان المقدّس لا يقدّس الجالسين فيه بصورة آليّة أو ميكانيكية ، كما أنّ الثياب والاسماء والأزياء والرتب لاتخلص الإنسان، ولا تقدّس مَن يرتادها بصورة آليّة. هم يقدّسوا فقط مَن يخضعون لكلمة الله، التائبين المتواضعين والمساكين بالروح . ولا يسكن الروح القدس في إنسان فيقدّسه، إذا لم يكن ثمّة تناغم ما بين مشيئة هذا الإنسان ومشيئة الله في هارموني وسينرجيا ( قبول عمل النعمة والتجاوب معها ) . الروح القدس يحترم حرّيّة مَن لا يريد أن يتجاوب معه ، فلا يسكن في احد على الرغم من رفضه إيّاه، بل ينطفيء ويحزن منتظرًا توبته ليعود عاملا ويحل ليقدس الحواس المضيئة والارادة . ؛ لان الهنا الذي غرس فينا صورته اعطانا حرية مجد البنوة عاملين اعمال البنين لا الاجراء ، وهو لايعبد بالقهر .
يدعو القدّيس كبريانوس أسقف قرطاجة ( ٢٥٨) إلى ضرورة التصدي لكلّ مَن تسوّل له نفسه استغلال موقعه في الكنيسة لإشباع شهواته بكلّ أصنافها، فيقول: ان الخصم ( الشيطان ) كلما اهتاج يحارب في الداخل كي تفتر المحبة وتنتشر الحماقة والتحزب ، ويصير الخصام والحسد εριδι και ξηλψ و الطمع الاعمي والمظهرية طريقة موت . اذ ان الكرم تفسد بالاثم والشجار . ايضا العقول تذهب بالزهو والغضب والادانات .. التي وجب الاحتراس منها ومقاوماتها حتي الدم .
لكن كيف ينبغي أن نتصرّف تجاه هذا الصنف من الخصومات؟ ينصحنا القديس كبريانوس بالقول: "تجنّبْ مثل هذه الطرق وأبعدْها عنك وعن أذنيك، واعتبر ان الأعمال والأحاديث الضارّة هي وباء عدوى الموت θανατος الروحي ... إنّها عدوّة المذبح، وعدوة الذبيحة . من يصنعها يختار لنفسه ان يكون خادم متمرّد، وابن إثم، وأخ معادٍ، ومزدرٍ بالأساقفة، ومتخلٍّ عن الشيوخ، ومتجاسر وكأنه يقيم مذبح آخر ليقيم صلاة أخرى مختلفة بكلام محرّم ، وبعمل مدنّس للتقدمة ، تقرب ذبائح نجسة وعبادة مرفوضة .
بيد أنّ القدّيس يوحنّا السلّميّ الدرجي ο της κλίμακας (القرن الثامن الميلاديّ) قد وضع كتابًه "السلّم إلى الله"، أو "سلّم الفردوس " κλιμαξ του παραδεισου ليتحدّث فيه عن سلّم مؤلّف من ثلاثين درجة تمثّل كلّ واحدة منها فضيلة من فضائل الساعين إلى الكمال كي يرتقوها واحدة فواحدة للوصول إلى الله. ويؤكّد السلّميّ على احتمال أن يسقط الإنسان حتّى وإن بلغ أعلى السلّم. فطالما هو على قيد الحياة، تبقى إمكانيّة سقوطه واردة ، مالم يتغيير شكل ذهنه μετανοια بالتوبة ومحاسبة النفس بمخافة الله وقدامه .
التجارب حاضرة في الحياة اليوميّة لكلّ منّا، وكلّ إنسان معرّض لغزو الافكار والهجوم علي ارض سبي القلب للسقوط فيها. لكنّ ذوي السلطة: الكنسية والروحية والخدمية مسؤوليّتهم أكبر عندما يستغلّون مواقعهم وسلطتهم في غير مكانها، ولأنّ خطاياهم وأخطاءهم ضحاياها أكثر، وتسيء إلى الدرجات التي يمثّلونها أو يشرفون عليها ويديرونها. خطيئتهم أكبر لأنّهم يعتقدون أنفسهم حماة الأخلاق بينما في الواقع هم عثرة كونهم لايعيشوها . خطيئتهم أكبر لأنّها تدكّ التربية الاخلاقية على مَن فيها بالعثرات ... ما لم يرجعوا و يتحصنوا بالصلاة الدائمة وسكون الهدوء ησυχία وايضا بذكر الموت ورفض الشهوات الباطلة المتتابعة τα πάθη. التي تأتي بخبل جنون العظمة والنجومية والشهرة والبروبجندا الشخصية .
وفي اواخر القرن الرابع اتي معلم كنيسة الاسكندرية " doctor ecclesiaeا " العظيم ايسيذروس الفرمي الذي اكد علي ان النصرة ليست كلام وان الرد علي الهرطقات لايتوقف فقط علي القناعات والبراهين ، لكنه بسلوك الحياة ، لان المسيح ملك المجد اتي وتجسد لافتقادنا ليس من أجل المظهريات والمظاهرات والجدران والحوائط ، بل من اجل خلاص وفداء النفوس . اذ ان " كهنوت المسيح " ليس تتويجا ، لكنه غسل للارجل واحتمال لصليب العار ، فهكذا عاش الفهماء وحدهم αλλα μονους τους ευγνώμονες وهكذا سلكوا . ايضا انتقد ابا ايسيذروس الفرمي ( البيلوزمي ) : - الفوضي والخصام والملاسنات الكنسية ، التي تؤدي الي التشرذم والتورط في المنازعات الخصوصية انتقاما من الأحياء والاموات باسم ولحساب " التقوي " . فمن اوتي السلطة لابد ان يكون هو نفسه اولا محكوما بالقوانين ، فإن ضرب عرض الحائط بالقوانين ، فكيف يكون حاكما قاضيا شرعيا .؟!
لقد ارد الربّ يسوع أنّ يجعل مملكته βασιλεια -الكنيسة - "كنيسة مجيدة لا دنس فيها ولا غضن أو شيء من مثل ذلك بل تكون مقدّسة وبلا عيب " (أفسس ٥: ٢٧). هذا الرجاء الأخرويّ هل يمكن تحقيقه اليوم؟ ! نعم بكل يقين الرجاء ، في حالة محاكمة لصوص الهياكل والمرتكبين المخالفات αθέτησης على أنواعها ، من أجل التقويم والتطهير والتنقية ، لكل من يزدري بروح النعمة ενυβρισας .وحتي لايتنجس كثيرون μιαν σινεμά . كذلك يتحقق اذا " عشنا مانقوله وما نعلم به " بتحول طوعي حر وبحسم ناحية الوحدانية الروحانية ، حسب رجاء دعوتنا ، لاننا جميعا حتما سنقف παραστησομεθα امام كرسي قضاء المسيح الديان العادل ، لنعطي حسابا عن وزناتنا واعمالنا وامانتنا الارثوذكسية وعن افعالنا واقوالنا وتعليمنا . .