[1] تقديمٌ وقراءةٌ في الفصل الأوّل
(د. أشرف ناجح إبراهيم)
أوّلًا: صدورُ الرّسالة العامّة الرّابعة
لقد أصدر اليوم في الـ24 من أكتوبر/تشرين الأوّل لعام 2024، البابا فرنسيس، في السَّنة الثَّانية عشرة من حبريَّته، الرّسالةَ العامّة الرّابعة بعنوان «لقد أحَبَّنا». وجديرٌ بالذّكر أنّ الرّسائل العامّة الثّالثة التي صدرت قبل هذه الرّسالة العامّة الأخيرة كانت كالتّالي:
• 1) الرّسالةُ العامّة الأولى «نورُ الإيمان» (2013)؛ وكان موضوعها هو قضيّة "الإيمان" كمعنى ونور في عصرنا الحالي، مع التّأكيد على أنّ "الإيمان يثري الوجود الإنساني في كل أبعاده".
• 2) الرّسالةُ العامّة الثّانية «كُنْ مُسَبَّحًا» (2015)؛ وكانت تدور حول "العناية بالبيت المشترك". وقد شجّع البابا فرنسيس جميعَ الأديان، ومن بينها المسيحيّة والإسلام، إلى الحوار فيما بينها في ما يتعلّق بـ"الإيكولوجيّة المتكاملة الشّاملة" و"الأزمة الإيكولوجيّة"؛ وطالب بالتّجاوب مع المشاكل البيئيّة، والتّعاون مع العلوم والحركات الإيكولوجيّة في البحث عن حلول لها، وكذلك على تربيّة وروحانيّة إيكولوجيتيْن أيضًا. ولذلك أُطلِق عليها وثيقة البابا "الخضراء".
• 3) الرّسالةُ العامّة الثّالثة «جميعُنا-كلُّنا إخوة» (2020)؛ وقد تناولت مفهوم "الأخوّة المنفتحة" و"الأخوّة العالميّة الشّاملة"، في رباطٍ وطيدٍ بـ«وثيقة "الأخوّة الإنسانيّة" من أجل السّلام العالمي والعيش المشترك»، الّتي وقّع عليها قداسة البابا فرنسيس وشيخ الأزهَر أحمد الطيب، في العاصمة الإماراتيّة أبوظبي، في فبراير 2019.
ثانيًا: عرضٌ موجزٌ للرّسالة العامّة الرّابعة في فصلها الأوّل
جاءت الرّسالةُ العامّة الرّابعة للبابا فرنسيس تحت عنوان «لقد أحَبَّنا»؛ وهي عبارة مأخوذة من رسالة القدّيس بولس إلى أهل رومية (8/ 37)، وتشير بدورها إلى محبّة السّيّد المسيح لنا نحن أصدقاءه (يوحنّا 15/ 15). وتدور هذه الرّسالة العامّة الأخيرة حول "الحبّ الإنسانيّ والحبّ الإلهيّ في قلب يسوع المسيح"؛ وتشمل على خمسة أجزاء أو فصول سأتناولها تبعًا على حلقات:
1) أهمّيّة القلب؛
2) أعمالُ وكلماتُ محبّة؛
3) هذا هو القلب الذي أحبَّ كثيرًا؛
4) الحبُّ الذي يعطيك لتشرب؛
5) الحبُّ بالحبّ.
• الفصل الأوّل: "أهمّيّة القلب" (بنود 2-31)
في هذا الفصل، نجد شرحًا لمعنى "القلب" (أعمق جزء في الكائنات البشريّة، وفي الحيوانات والنّباتات)، ورمزيته (شخص يسوع ومحبّته لنا)، والمطالبة بالعودة إلى "القلب". ويقودنا هذا الفصل إلى طرح تساؤلات حول أنفسنا وحياتنا: «بدل البحث عن الرّضا السّطحيّ، وتمثيل دور أمام الآخرين، من الأفضل أن نطرح الأسئلة المهمّة: من أنا حقًّا، ما الذي أبحث عنه، أيّ معنى أريد لحياتي، وخياراتي أو أعمالي، لماذا ولأيّ هدف أنا في هذا العالم، كيف سأقيِّم وجودي عندما ينتهي، ما المعنى الذي أريد أن يكون لكلّ ما أختبره، ماذا أريد أن أكون أمام الآخرين، ومَن أنا أمام الله؟ هذه الأسئلة تقودني إلى قلبي» (بند ٨).
وبالعودة إلى القلب نكتشف أنّه هو المكان الذي يلخِّص ويكَوِّن ذاوتنا: «يمكن القول: أنا قلبي، لأنّه هو الذي يميّزني، ويصوغني في هويّتي الرّوحيّة، ويجعلني في تواصل مع الآخرين. يبيِّن نظام الخوارزميّات العاملة في العالم الرّقمي أنّ أفكارنا وقرارات إرادتنا نمطيّة تسير بموجب نمط محدَّد، أكثر ممـَّا كنّا نعتقد. يمكن التّنبّؤ بها بسهولة والتّلاعب بها. ليس كذلك القلب» (بند 14). «إن كان ”القلب“ يقودنا إلى المركز الحميم في شخصنا، فهو الذي يسمح لنا أيضًا بأن نعرف أنفسنا في كمال ذاتنا، وليس فقط في بعض الجوانب المنفصلة» (بند 15).
وعلى غرار أمّنا العذراء مريم في الإنجيل، «القلب قادر أيضًا على توحيد وتنسيق التّاريخ الشّخصيّ للإنسان، والذي يبدو مجزّأً إلى ألف قطعة وقطعة، ولكن حيث يمكن لكلّ شيء أن يكون له معنى» (بند 19). ومن جهة أخرى، إنّ الواقع الحالي (بحروبه وصراعاته)، يُظهِر لنا أنّنا نعيش في مجتمعٍ عالميّ "يفقد قلبه"، وفي "عالم بلا قلب" (بند 22).
وعلى المستوى الشخصيّ، «عندما يواجه المرء سرَّ ذاته، ربما يكون السّؤال الأكثر حسمًا الذييمكن للمرء أن يطرحه على نفسه هو: هل لدَيّ قلب؟» (بند 23).
وأمّا على المستوى الجماعيّ والاجتماعيّ، ومن أجل إصلاح العالم وتغييره إلى عالم أفضل، «انطلاقًا من القلب فقط، تقدر جماعاتنا أن توحِّد الأذهان والإرادات المختلفة وتهدئتها، وسيُرشدنا الرّوح القدس مثل شبكة من الإخوة، لأنّ التّهدئة هي أيضًا مهمّة القلب. قلب المسيح هو نشوة، إنّه طريق للخروج، إنّه عطيّة، إنّه لقاء. فيه نصبح قادرين على التّواصل بطريقة سليمة وموفّقة، وبناء ملكوت المحبّة والعدل في هذا العالم. قلبُنا المتّحد بقلب المسيح قادر على هذه المعجزة الاجتماعيّة» (بند 28).
الخُلاصة أنّ قلب المسيح الأقدس «هو المبدأ الموحِّد للواقع، لأنّ "المسيح هو قلب العالم، والفصح الذي هو موته وقيامته هو مركز التّاريخ، وهو تاريخ الخلاص"» (بند 31).
[يُتبَع]