محرر الأقباط متحدون
ترأس قداسة البابا فرنسيس صباح الأحد القداس الإلهي في بازيليك القديس بطرس اختتم فيه أعمال الجمعية العامة العادية السادسة عشرة لسينودس الأساقفة.

جاء ذلك بمشاركة غبطة البطريرك الأنبا إبراهيم إسحق، بطريرك الإسكندرية وسائر الكرازة المرقسية للأقباط الكاثوليك، ورئيس مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك بمصر.

وألقى الأب الأقدس عظة قال فيها يقدم لنا الإنجيل بارتيماوس، رجل أعمى يُجبر على التسوّل على جانب الطريق، شخص مُهمّش بدون رجاء، ولكن عندما سمع أن يسوع مارٌّ بالقرب منه، بدأ بالصراخ نحوه. كل ما تبقى له هو هذا: أن يصرخ ألمه ويحمل ليسوع رغبته في استعادة بصره. وبينما كان الجميع ينتهرونه لأن صوته كان يُزعجهم، توقف يسوع. لأن الله يصغي دائمًا إلى صرخة الفقراء، ولا تبقى أي صرخة ألم بدون أن يستجيب لها.

تابع البابا فرنسيس يقول في ختام الجمعية العامة لسينودس الأساقفة، وإذ نحمل في قلوبنا الكثير من الامتنان لما تمكنا من مشاركته، نتوقف عند ما يحدث لهذا الرجل: في البداية، كان "جالِسًا عَلى جانِبِ الطَّريقِ يَستَعطي"، أما في النهاية، بعد أن دعاه يسوع واستعاد بصره، قام "وتبعه في الطريق". أول شيء يقوله لنا الإنجيل عن بارتيماوس هو أنه كان جالِسًا يَستَعطي. إن موقعه هو موقف شخص مُنغلق في ألمه، يجلس على جانب الطريق كما لو لم يكن هناك شيء آخر يفعله سوى أن ينال شيئًا من الحجاج الذين كانوا يعبرون في مدينة أريحا بمناسبة عيد الفصح. ولكن، كما نعلم، لكي نعيش حقًا لا يمكننا أن نبقى جالسين: لأنَّ الحياة هي على الدوام حركة، ومسيرة، وأحلام، وتخطيط، وانفتاح على المستقبل. وبالتالي فإن الأعمى بارتيماوس يمثل أيضًا ذلك العمى الداخلي الذي يوقفنا، ويبقينا جالسين، ويجعلنا جامدين وراكدين على هامش الحياة بدون رجاء.

أضاف الحبر الأعظم يقول وهذا الأمر قد يدعونا للتفكير، ليس فقط في حياتنا الشخصية، وإنما أيضًا في كوننا كنيسة الرب. هناك أشياء كثيرة على طول الطريق يمكنها أن تجعلنا عميانًا، غير قادرين على التعرف على حضور الرب، وغير مستعدين لمواجهة تحديات الواقع، وأحيانًا غير كفوئين للإجابة على العديد من الأسئلة التي تصرخ نحونا كما فعل بارتيماوس مع يسوع. ومع ذلك، أمام أسئلة نساء ورجال اليوم، وأمام تحديات زمننا، ومتطلبات البشارة والجراح الكثيرة التي تؤلم البشرية، لا يمكننا أن نبقى جالسين. إن الكنيسة الجالسة، التي تكاد دون أن تدرك، أن تنسحب من الحياة وتقيد نفسها على هامش الواقع، هي كنيسة تخاطر في أن تبقى في العمى وأن تسترخيَ في بؤسها. وإذا بقينا جالسين في عمانا، فسنستمر في عدم رؤية احتياجاتنا الرعوية المُلحّة والمشاكل الكثيرة في العالم الذي نعيش فيه.

تابع الأب الأقدس يقول لنتذكر هذا إذًا: إنَّ الرب يمرُّ، هو يمرُّ على الدوام ويتوقف لكي يعتني بعمى قلوبنا. ومن الجميل أن يدفعنا السينودس لكي نكون كنيسة مثل بارتيماوس: جماعة التلاميذ الذين، إذ يسمعون أنَّ الرب يمرُّ، يشعرون برعشة الخلاص، ويسمحون بأن توقظهم قوة الإنجيل ويبدؤون بالصراخ إليه. ويقومون بذلك من خلال جمعهم لصرخة جميع الرجال والنساء في الأرض: صرخة الذين يرغبون في اكتشاف فرح الإنجيل، والذين ابتعدوا عنه؛ والصرخة الصامتة لغير المبالين؛ وصرخة المتألمِّمين والفقراء والمهمشين؛ الصوت المكسور لمن لم يعد لديه حتى القوة لكي يصرخ إلى الله، إما لأنّ لا صوت له أو لأنه استسلم. نحن لسنا بحاجة إلى كنيسة تجلس وتستسلم، وإنما لكنيسة تجمع صرخة العالم وتلتزم في خدمة الرب.

أضاف الحبر الأعظم يقول ونصل هكذا إلى الجانب الثاني: إذا كان بارتيماوس جالسًا في البداية، نراه في النهاية يتبع يسوع في الطريق. إنها عبارة تقليدية في الإنجيل تعني أنه أصبح تلميذًا له، وبدأ يتبعه. بعد أن صرخ إليه، توقف يسوع وأمر بأن يدعوه إليه. فوثب بارتيماوس، الذي كان جالسًا، واستعاد بعد ذلك بصره على الفور. يمكنه الآن أن يرى الرب، ويمكنه أن يتعرف على عمل الله في حياته، ويمكنه أخيرًا أن يتبعه. وهكذا نحن أيضًا: عندما نكون جالسين ومسترخين، وعندما نعجز ككنيسة عن إيجاد القوة والشجاعة والجرأة الضروريّة للنهوض واستئناف المسيرة، لنتذكر أن نعود دائمًا إلى الرب وإلى إنجيله. وفي كلِّ مرّة يمرُّ فيها، علينا أن نضع أنفسنا في الإصغاء لدعوته، التي تُنهضنا وتخرجنا من العمى. فنبدأ مرة أخرى في اتباعه، والسير معه على الطريق.

تابع الأب الأقدس يقول أود أن أُكرر ذلك: يقول الإنجيل عن بارتيماوس إنه "تبعه في الطريق". إنها صورة للكنيسة السينودسيّة: إنَّ الرب يدعونا، وينهضنا عندما نكون جالسين أو مطروحين أرضًا، ويجعلنا نكتسب رؤية جديدة، لكي نرى بوضوح، في نور الإنجيل، قلق العالم وآلامه؛ وهكذا، إذ ينهضنا الرب، نختبر فرح اتباعه على الطريق. لنتذكر دومًا: ألا نسير بمفردنا أو وفق معايير العالم، وإنما أن نسير معًا خلفه ومعه. أيها الإخوة والأخوات: لا كنيسة جالسة، بل كنيسة قائمة. لا كنيسة صامتة، بل كنيسة تجمع صرخة البشرية. لا كنيسة عمياء، بل كنيسة ينيرها المسيح وتحمل نور الإنجيل للآخرين. لا كنيسة جامدة وراكدة، بل كنيسة إرسالية، تسير مع الرب على دروب العالم.

وختم البابا فرنسيس عظته بالقول واليوم، فيما نرفع الشكر للرب على المسيرة التي سرناها معًا، يمكننا أن نرى ونكرِّم ذخيرة كرسي القديس بطرس القديمة، التي تم ترميمها بعناية. وإذ نتأملها بدهشة الإيمان، لنتذكر أنه كرسي الحب والوحدة والرحمة، وفقًا للوصية التي أعطاها يسوع للرسول بطرس، بألا يتسلط على الآخرين، وإنما بأن يخدمهم في المحبة. وإذ نتأمّل بإعجاب بالبَلدَكِين الرائع، والذي يسطع الآن أكثر من أي وقت مضى، لنكتشف مجدّدًا أنه يشكّل الإطار للنقطة المحورية الحقيقية للبازيليك بأسرها، أي مجد الروح القدس. هذه هي الكنيسة السينودسية: جماعة أساسها في عطية الروح القدس، الذي يجعلنا جميعًا إخوة في المسيح ويرفعنا إليه. لنكمل إذًا مسيرتنا معًا بثقة. واليوم، كما لبَارتيماوس، تردد لنا كلمة الله: "تَشَدَّد وَقُم! فَإِنَّهُ يَدعوك". لنتخلَّ عن رداء الاستسلام، ونوكل للرب عمانا، ولننهض ونحمل فرح الإنجيل على دروب العالم.