فاطمة ناعوت
وقف «روميو» تحت بلكونة «جولييت»، فسمعها تتساءلُ فى حسرة: (لماذا اسمُك «روميو مونتيجيو»؟! ولماذا اسمى «جولييت كابيوليت»؟!) هى تظنُّ أن الأسماء مجرد كلمات، لو تبدّلت لاكتملت قصة حبهما وكُلّلت بالزواج. لكن أسماء العائلات تحول دون ذلك الحلم بسبب العداء التاريخى بين العائلتين. (يا روميو، تخلَّ عن اسمك، أو دعنى أتخلى عن اسمى. اسمُك عدوّى. وأنت هو أنت لو لم يكن هذا اسمك. الاسمُ ليس يدًا ولا قدمًا، ولا ذراعًا ولا وجهًا. فكن بأى اسم آخر. الزهرةُ سوف يظلُّ شذاها حلوًا لو كان لها أى اسم آخر. كذلك «روميو» سوف يظلُّ الإنسانَ الفائقَ لو كان له أى اسم آخر. انزع عنك اسمك، وفى مقابل هذا الشىء القشرىّ، خذنى كُلّى)...
تذكّرتُ هذا الحوار الشكسبيرى الخالد من مسرحية «روميو وجولييت» حين قرأتُ خبرًا يقول «إن اللجنة المشكّلة لإبداء الرأى فى فيلم (الملحد)، قد طالبت بتغيير اسمه شرطًا لإجازته»!!!!! وخذ عندك مليون علامة تعجب!!!!!
ما رأيكم فى اسم «المؤمن» بدلًا من «الملحد»؟ هل يُجاز؟ طبعًا يُجاز ويا مليون مرحبا! طيب ما رأيكم فى اسم «الشيطان»؟ هل يُجاز؟ وقبل أن تتسرع عزيزى القارئ فى الإجابة بـ«لا»، دعنى أُذكّرك بأن أفلامًا لا حصر لها مُجازة، يحمل عنوانها كلمة «الشيطان»، منها على سبيل المثال لا الحصر: «الشيطان»/ مصرى 1969، «الشيطان الرجيم»/ تركى 2013، «الشيطان الصغير»/ مصرى 1963، «محامى الشيطان»/ أمريكى 1997، «شيطان الصحراء»/ مصرى 1954، «الشيطان امرأة»/ مصرى 1972، «ملاك وشيطان»/ مصرى 1960، «الشيطان يعظ»/ مصرى 1970، «جنة الشياطين»/ مصرى 1999، «فى حضرة الشيطان»/ ألمانى 2019، «شيطان الجنة»/ إندونيسى 2011، «شيطان فى الجوار»/ إسبانى 1995... والقائمة لا تنتهى. - ها يا فندم... هل يُجاز الفيلمُ لو جعلنا اسمَه «الشيطان» بدلًا من «الملحد»؟ - نعم، يُجاز، لا بأس. - يُجاز ولا بأس؟!! الاثنين سوا؟!!! كيف هذا؟! إذا كان «الشيطان» هو الذى يُغوى «الملحدَ» حتى يُلحدَ! هل تجيزون «المجرمَ»، وترفضون «الضحية»؟!!! هل تمجدون «القاتل» وتجلدون «القتيل»؟!!! ما أعجبكم! وما أضيعنا معكم!
تخيلوا معى فيلمًا يناقشُ ظاهرة «الإدمان»، عافانا اللهُ وإياكم. وطبيعى يكون عنوانه: «المدمن». وتخيلوا معى أن لجنةَ المشاهدة تعسّفت ورفضت اسم الفيلم، وأصرت على تغييره، وتم الاتفاق على اسم أنيق مهذب ابن ناس، وليكن: «لاعب الكرة». على أساس أن نقيض «المدمن» الوِحِش، هو «لعب الكرة» الرياضى الجميل. هل سيدخله أحد؟ هل سيدخل الفيلمَ الشابُّ المدمن الذى يحاول أن ينجو ونحاول نحن إنقاذه، وهو المستهدف الأصلى من هذا الفيلم الذى يناقش كارثة مجتمعية خطيرة، علينا مواجهتها ككارثة «الإدمان»؟!!! اسم الفيلم «الصادم» هو وحده مفتاحُ جذب الفئة المستهدَفة. وتغيير هذا الاسم من شأنه أن يُفوّت الفرصة على متعافين محتملين قد يساعدهم الفيلم.
الشىء نفسه تفعلونه الآن مع فيلم «الملحد» الذى يناقش ظاهرة مجتمعية نغض الطرف عنها بالتعمية والإخفاء والتورية والطناش والاستعباط. الفيلم يود تفكيك ظاهرة «الإلحاد» وتشريح أوصالها وتتبع أسبابها من أجل مواجهتها ودراستها والوقوف على حل لها. ولا سبيل إلى كل ذلك إلا بالمواجهة لا بالمواربة. بالعنوان الصريح الصادم للفيلم، حتى يدخله المشاهدُ «الملحد»، وهو المستهدف من الدراما. لماذا وكيف ترتعبون من أسماء الأشياء ولا ترتعبون من جسد الأشياء؟!!! ما أعجبكم! تغضّون الطرفَ عن المشكلة حتى تتفاقم وتغدو ظاهرة، وبدلًا من محاولة تفكيك أسبابها، وتكريم من يتطوع بتشريحها وتفكيكها نيابة عنكم، تقومون بجلده وبهدلته وتمزيق إبداعه ومصادرة فكره وهدم محاولاته!!!! وبعد جهد جهيد إذا أجزتم، تقصون وتلصقون وتغيرون الاسم وتطمسون الهوية؛ حتى يفقد العمل مغزاه؟!!!! ألا حنانيكم... ألا حنانيكم!!!! أنتم غيرُ باكين على شبابنا، أنتم باكون على مناصبكم ومقاعدكم، وفقط.
ارفعوا أياديكم عن الإبداع، فهو أقدر منكم على حل مشاكل شبابنا. مادمتم غير قادرين على الإبداع، اتركوا المبدعين يبدعون بعيدًا عن سيوفكم الطولى التى لا تجيد الإشارة إلى العطب، فضلًا عن معالجته، لكنها فقط تجيد قطع الألسن وتمزيق أوراق المفكرين والأدباء، وهذا إثمٌ لو تعلمون عظيم.
هل يجرح مشاعركم فيلمٌ بعنوان «الملحد»، ولم تجرح مشاعرَ البشرية بأسرها رواية «فيكتور هيجو» «البؤساء»؟! رغم أن وجود «بؤساء» بين البشر هو إهانة لجميع البشر، الذين تركوا أشقاء لهم يعاينون البؤس والفقر حتى يتحولوا إلى لصوص من فرط الجوع والعوز. لو كان الفيلم بعنوان «اللص»، فلا مشكلة لديكم، بما أنكم لا ترفضون وجود لصوص بيننا! ولو كان الفيلم بعنوان «الجائع»، «الحافية»، «المتسول»، فلا بأس؛ إذ أهلًا بالجوعى والحُفاة والمعوزين!!!! لكن مأساتكم مع اسم «الملحد»، فى فيلم يحاول تفكيك سبب إلحاده!!.. ارفعوا رؤوسكم من الرمالِ، فقد اشتكت الرمالُ.
نقلا عن المصري اليوم