هاني لبيب
كالعادة بين الحين والآخر، أثار مشروع تلميع أسود كوبرى قصر النيل جدلًا واسعًا على السوشيال ميديا. تعود هذه الأسود إلى نهاية القرن التاسع عشر.. حينما قرر الخديو توفيق تجميل الكوبرى الذى أنشأه والده الخديو إسماعيل بوضع أسدين عند كل مدخل.. بعد وصولها من فرنسا. ومع مرور الوقت أصبح كوبرى قصر النيل بأسوده الأربعة من أهم المعالم التراثية والثقافية للقاهرة.
خلال الأسبوع الماضى، تداول البعض على الفيسبوك ما أثار (اللغط) حول قرار صيانة الأسود بعد أن كتب أحدهم نقلًا عن أحد المتخصصين أن (تلميعها لا يحتاج إلا لعملية غسل بمواد تنظيف بسيطة، وليس برولة وبمادة لاكيه أشبه بالبلك الأسود.. واستخدام أدوات غير مناسبة) فى انتقاد لأسلوب الطلاء الذى أدى إلى تحويلها من اللون البرونزى إلى اللون الأسود، وما يترتب على ذلك من طمس القيمة الفنية للتماثيل العريقة.
تعمل محافظة القاهرة بالتعاون مع وزارة السياحة والآثار.. على صيانة ٢١ تمثالًا تاريخيًّا فى الميادين العامة، من ضمنها «أسود قصر النيل». ولذا كان من الطبيعى أن يؤكد شريف فتحى، «وزير السياحة والآثار»، فى ٢٩ أكتوبر ٢٠٢٤، فى تصريحات رسمية منشورة، أن أعمال تنظيف وصيانة أسود كوبرى قصر النيل تأتى ضمن خطة شاملة للعناية بالمعالم الأثرية من خلال خبراء فى الترميم. كما أكد على أنها تتم بدقة وحرص شديد.. وفقًا للقواعد العلمية والفنية المتبعة والمتعارف عليها.. لضمان عدم الإضرار بها. وأنها قد اقتصرت على إزالة الأتربة والاتساخات الملتصقة وغازات التلوث الجوى فقط، بالإضافة إلى وضع طبقة عزل شفافة لحماية التماثيل من العوامل الجوية.
ما تم من أعمال تنظيف وصيانة هو من صميم عمل وزارة السياحة والآثار، وهى تستهدف الحفاظ عليها من التأثيرات المتراكمة بسبب عوامل الطقس والمناخ المتغير على مدار سنوات طويلة من أجل إعادة بريق جمالها مرة أخرى، خاصة أنها أصبحت ضمن المعالم السياحية التى جعلتها ضمن أهم أماكن التقاط الصور التذكارية للشعب المصرى قبل غيره.
ما حدث هو حالة من التشكيك والترقب من المواطنين تجاه الثقة فى قدرة الحكومة على إدارة المشروعات الثقافية والتراثية بشكل فعال.. لدرجة أن البعض قد وظف آليات نظرية المؤامرة الكونية فى تفسير تنظيف وصيانة أسود كوبرى قصر النيل.. بأنها حملة ترويجية منظمة وموجهة لمحاولة (تلميع) الحكومة بالحديث عن إنجازاتها فى مواجهة التحديات الاجتماعية والاقتصادية الضخمة.
التوظيف السابق من شأنه أن يؤدى إلى خلق حركات احتجاجية واسعة، ينظم فيها المواطنون أنفسهم حول قضايا معينة، ويستخدمون وسائل التواصل الاجتماعى لتنسيق تحركاتهم، مما يعكس عدم رضاهم وثقتهم المتآكلة فى المؤسسات الرسمية. هذه الديناميكية تخلق حلقة مفرغة من الشك والاحتجاج.
نقطة ومن أول السطر..
مازلنا نستخدم وسائل السوشيال ميديا فى التشكيك بالشكل الذى يؤدى إلى زعزعة الثقة بشكل كبير، حيث تتيح مثل تلك المنصات سرعة تبادل الأخبار.. مما يعزز من قدرة الشائعات والمعلومات المغلوطة على الانتشار. والتجربة العملية أثبتت أنه يمكن لمستخدم واحد فقط أن ينشر بوست أو تغريدة مناقضة للحقيقة.. بشكل شبه منطقى، بحيث يتضمن نشر اتهامات لتأكيد رواية محددة.. ليبدأ بعدها سيل جارف من التعليقات والمشاركات التى تدعم هذا الرأى، مما يخلق بيئة تسهم فى المزيد من الانقسام وزيادة الشكوك وعدم الثقة فى النوايا.. بغض النظر عن صحة المعلومات ودقتها.
نقلا عن المصري اليوم