كتب - محرر الاقباط متحدون
يسعى قداسة البابا تواضروس الثاني ، بابا الاسكندرية بطريرك الكرازة المرقسية لإقامة علاقات طيبة مع مختلف الكنائس بمصر وخارجها، وذلك منذ تجليسه ليصبح البطريرك الـ 118 من بطاركة الكنيسة القبطية الأرثوذكسية.
كما يواصل قداسته ترسيخ مفهوم المحبة وعاملًا بها قولًا وفعلًا، فوضع البابا تواضروس في نصب عينيه العمل المسكوني بين الكنائس والسعي إلى الوحدة، والوحدة هنا هى وحدة في الرؤية وليست وحدة إدارية؛ وحدة هدفها نبذ التعصب وبث المحبة والتعاون بين الكنائس وبعضها ومناقشة كافة القضايا التي تشغل المجتمع الفكري المسيحي.
ولنعرف قيمة ما يفعله البابا نسترد ذكرى تكريم البابا تواضروس الثاني في عام 2017م من قبل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حيث منحه جائزة دولية بعنوان "تعزيز الوحدة بين الأرثوذكس"، وأتت الجائزة نظرًا للنشاط المتميز الذى يقوم به فى تعزيز وحدة الشعوب المسيحية الأرثوذكسية ولتوطيد وتعزيز القيم المسيحية فى حياة المجتمع.
وتسلط «البوابة نيوز» الضوء على أحد أهم مجهوداته وهى العمل المسكوني، ودوره في ترسيخ المحبة بينه وبين الكنائس في مصر والعالم.
المسكونية
كلمة «المسكونية» هى ترجمة للكلمة اليونانية ”ايكونوميني” وهي من المصطلحات التي بدأ استخدامها بكثرة منذ بداية النصف الثاني من القرن العشرين، وتعنى أمرًا يخص المسيحيين بأجمعهم فى كل مكان، وتطلق صفة المسكونية على كل ما هو مسكوني سواء مجمعًا، أو قانونًا، أو إيمانًا، أو لاهوتًا، أو هيئة، أو عمل.
بينما المراد بمعنى العمل المسكوني هو الجهود المبذولة لجمع شمل المسيحيين في المسكونة كلها، فى شركة تامة على أساس الإيمان الواحد (أف 4: 5) دون ذوبان كنيسة في أخرى، وأما المجالس المسكونية فهى مجالس تضم ممثلين عن العائلات الكنسية، وتجتمع معًا من أجل التشاور والحوار اللاهوتي والعمل المشترك سعيًا لتحقيق الوحدة الكنسية وهذه المجالس ليست لها سلطة على أي كنيسة، كما أن قراراتها تعد كتوصيات واقتراحات.
وأخيرًا المجامع المسكونية وهى المجامع التي عُقدت بسبب بدعة أو انشقاق، وبدعوة من الإمبراطور المسيحى، ويحضرها غالبية أساقفة الكنيسة– أو مندوبون عنهم– شرقًا وغربًا لتتمثل فيها المسكونية. وقرارات هذه المجامع تلتزم بها كل كنائس المسكونة.وحتى تتسع الصورة نوضح أن الكنائس خلال القرون الأولى كانت واحدة الفكر والعقيدة وعند ظهور أي بدعة كانت تقام المجامع بين الكنائس وتضع الأزمة الفكرية على الطاولة وتخرج بمفهوم فكري واحد يعبر عن عقيدة تلك الكنائس، وظل ذلك على مدار ثلاثة مجامع مسكونية وهم الثلاثة الأوائل (مجمع نيقية 325 م، مجمع القسطنطينية 381م، مجمع أفسس 431 م) ومن بعد ذلك ظهر الانشقاق بين الكنائس، والكنيسة القبطية الأرثوذكسية مع عائلتها الأرثوذكسية الشرقية هنا يؤمنون بهذه المجامع فقط، أما الكنيسة الكاثوليكية فتعترف بواحد وعشرين مجمعًا مسكونيًا.
التقارب
وبداية من القرن الماضي ظهر العديد من المجالس التي تسعى للتقارب بين الكنائس الشرقية والغربية، فظهر في 1948م مجلس الكنائس العالمي، لتمثل المحاولة الأولى لهذا الأمر، وتوالت بعد ذلك المجالس، مجلس كنائس الشرق الأوسط، وأخيرًا، مجلس كنائس مصر.
ويقول البابا تواضروس الثاني في هذا السياق خلال حديث تلفزيوني له أن المسيحية بدأت في القرن الأول الميلادي، وبدأت في مراكز تسمى «الكراسي الرسولية»، وهي الأساسيات في أورشليم والإسكندرية وروما وأنطاكيا وانضمت إليها القسطنطينية، وعندما بدأ في الظهور بعض الأفكار المتطرفة والهرطقة، تعالجها الكنيسة وتوقفها عند حدها وتسير المسيرة.
وأشار إلى أن الثلاثة عوامل هذه داخلة في مناقشات المسائل اللاهوتية، وكانت النتيجة انقسام المسيحية إلى اثنين، شرقًا في الإسكندرية وأنطاكية، وغربا في روما والقسطنطينية، ومنذ هذا التاريخ بدأت تتوالى مجموعة من الانقسامات والانشقاقات كثيرة.
ولفت إلى أن العالم اليوم به 4 جهات مسيحية كبيرة هي الكاثوليك والبروتستانت والأرثوذكس والأسقفيين، ومن هذه الجهات بعض التشعبات الأخرى، في الأصل الكنيسة واحدة لكن مع الزمن والانقسامات كانت النتيجة هذه الجهات.
وأوضح أنه منذ 70 عاما بدأت تنشأ حركة في العالم تدعى الحركة المسكونية لفهم بعض على أساس الحوار، ومن هنا حدثت بين الكنيسة المصرية والكنائس الأخرى حوارات لاهوتية كثيرة، لكن لم تصل هذه الحوارات لدرجة يصبحون واحدًا، فأساس الوحدة هو فهم الإيمان الواحد، وهذه النقطة ما زالت بعيدة.
مجلس كنائس مصر
يُعد مجلس كنائس مصر أحد أبرز الهيئات التي شيدت لتحقيق طموح وتطلعات البابا؛ فبعد ثلاثة شهور من تولي البابا تواضروس الثاني من مهام البطريركية اجتمع البابا في المركز الثقافي القبطي مع رؤساء الكنائس المصرية الأربع الأخري ـ كنيسة الروم الأرثوذكس، الكنيسة القبطية الكاثوليكية، الكنيسة الإنجيلية، الكنيسة الأسقفيةـ ووقعوا علي قرار إنشاء مجلس كنائس مصر وأعلنوا نظام العمل بالمجلس وهدفه التعاون بين الكنائس الأعضاء في المجالات المشتركة والقضايا المسيحية والوطنية مع استمرار الحوارات بين الكنائس حول الأمور اللاهوتية والعقائدية من أجل وحدة الإيمان وتدعيم المحبة من خلال 13 لجنة منبثقة منه تغطي كل المجالات.
وبدأ المجلس برئاسة البابا تواضروس الثاني بشكل شرفي كتكريم له في البداية؛ ثم تولي بعدها ممثلو الكنائس، ويُعد المجلس هيئة كنسية وطنية لا تعمل بالسياسة، ويهدف المجلس إلي حياة الشركة والتعاون بين الكنائس المسيحية بكل مذاهبها في مصر، والسعي نحو وحدتها ونبذ أية أشكال من التعصب والتطرف بين المسيحيين بعضهم البعض.
ولم يكن هدف المجلس لاهوتيا فقط، فقد تم تدشينه في مرحلة خطيرة وهى ذروة الأحداث وحالة الغليان التي شهدها الشارع المصري؛ تحت حكم تنظيم "الإخوان المسلمون"؛ فلم يكن حكمًا للمصريين بل كان حكما يرعي فصيلًا معينًا لا غير؛ مما دفع إلي التفاف رؤساء الكنائس الخمس على طاولة واحدة خماسية الأضلاع بالكاتدرائية المرقسية، ليوقعوا على إنشاء هذا المجلس.
وبشكل عام فكرة المجلس لم تكن بالجديدة، بل ترجع الفكرة إلي عام 2008، حيث طرحت الفكرة التأسيس خلال مشاركة الكنائس المصرية، في أعمال واجتماعات مجلس كنائس الشرق الأوسط، والذى يجمع كافة الأسر المسيحية بالمنطقة كاملة، وحينها اقترح رئيس الطائفة الإنجيلية السابق، الدكتور القس صفوت البياضى، الأمر على البابا شنودة الثالث ورحب بالأمر وهذا ما أكده لنا أيضا القس رفعت فتحي حيث كان حاضرًا هذه الواقعة.. وظل الأمر عالقًا لسنوات عديدة؛ نظرًا لمرض البابا شنودة آنذاك.
عودة الحوار مع الفاتيكان
استكمال مسيرة الحوار مع الفاتيكان كانت أحد أهم المجهودات المسكونية التي قام به البابا تواضروس الثاني، فقد انقطعت علاقة الكنيسة القبطية مع الكاثوليكية لقرون عديدة وذلك بعد انشقاق الكنائس في مجمع خلقيدونية (عام 451 م.)، ليتجدد التواصل مع الفاتيكان من جديد في عهد البابا شنودة الثالث ويسافر لأول مرة في التاريخ إلى الفاتيكان فى زيارة تاريخية تدفع جهود التواصل بين الكنيستين، ووقع البابا شنودة اتفاقًا يقر باتفاق الكنيستين فى العديد من القضايا اللاهوتية التي كانت محل خلاف بينهما، وعاد البابا الى مصر ومعه الرفات يوم ١٠ مايو ١٩٧٣م.
وبعد مرور ٤٠ عاما على هذه الزيارة يكمل البابا تواضروس مسيرة المحبة بزيارته إلى الفاتيكان فى ١٠ مايو ٢٠١٣م، واتفقت الكنيستان على أن يكون يوم 10 مايو من كل عام يومًا للمحبة والصداقة بين الكنيستين، ليرد بعدها البابا فرنسيس بزيارة تاريخية أخرى لمصر في ٢٠١٧م وعقد اتفاقا مع البابا تواضروس يؤكد على ما سبق إعلانه، واتفقا على عدم إعادة معمودية كلاهما عند الأخرى، وهى جزئية قوبلت برفض عنيف من قبل الأصوليين فتم حذف هذه الفقرة وصدر الاتفاق بدونها.وأخيرًا، عاود البابا تواضروس الثاني زيارته إلى الفاتيكان في مايو العام الماضي محتفلًا بمرور 50 عامًا على عودة العلاقات بين الكنيستين في عام 1973م بعد لقاء البابا شنوده الثالث بابا الكنيسة الـ 117 بالبابا بولس السادس بابا الفاتيكان، وأيضًا بمناسبة الذكرى العاشرة على لقاء البابا تواضروس الثاني والبابا فرانسيس في الفاتيكان.