أحمد الخميسي  
 في الرابع من نوفمبر ولدت الوردة، قبلها كانت قد استقرت الجبال والأنهار والسماء لكن العالم لم يكن جميلا، كان ثمة ما ينقصه ولهذا ولدت الوردة، فصار للدنيا لون ومغزى وظهرت القصائد والألوان، الأغنيات وانفعالات القلب العميقة، الفرح والشوق الذي يحفر مجراه بحد السكين، ثم المكابدة لأنك لا ترى المحبوب، والتعب من غيابك، والتعب من حضورك في الغياب، كأنك قمر لا أراه لكن أمشي على نوره، أمشي من الرابع من نوفمبر إلى الآن، وأشعر كل يوم أنني أطلقك من صدري مع كل زفير، وأشدك إلى مع كل شهيق. 
 
تمسك بك عيناي في أحلامي. أغمض جفني على وجهك، أفتحهما بعد قليل، اراك ترفرفين في الهواء ثم تعودين إلى قلبي تتأرجحين بين النبضة والأخرى، بين اندفاع الدم وانحساره، تجلسين ركبتاك لأعلى، وقد عقدت يديك فوقهما، تشيحين بوجهك عني، ثمة شوق في روحك، لكنك لا تتكلمين، فقط تتطلعين بعيدا، وأجدك ملء روحي كل لحظة، وأجدك لست معي. قولي لي:  أي عذاب تكتبينه برقتك؟ وأي هلاك يطل من عينيك الجميلتين؟ 
 
     قدماك الأرض وعيناك السماء، قمر أنت في الليل وشمس في النهار. النسيم انفاسك والحقول خطوك، ما من شيء في الدنيا ليس أنت، كيف إذن لا أجدك؟ والزمن كله شوق أقوم فيه بالأشياء الأخرى؟ أحاول أن أحرر نفسي، فأمد يدي لانتزعك من روحي، فإذا بقلبي يخرج في يدي مندفعا إليك، يبقى تحت خيوط البرق والمطر يتصيد خيالك وراء ستار نافدتك وأنت تتحركين بهدوء وصمت، كأنما لم تسمعي رفة قلبي وهي تدوي ما بين السماء والأرض مثل طائر جريح. أحببتك في ما مضى عندما لم أكن أعرفك، عندما كانت الجبال والأنهار والسماء قد ظهرت، وأنت لم تولدي بعد، وأحببتك عندما عرفتك، لأن الله جعلك في زمني من بين مليارات السنين، لأنك مقسومة لي منذ الرابع من نوفمبر، مثل العطر ومثل الخنجر، مجذوب إليك و رأسي يدور من عينيك. 
 
     إلى متى تظل يداك معقودتين فوق ركبتيك، تتأرجحين بدمي وتتطلعين بعيدا ؟ إلى متى تظلين حلالا على خيالي حراما على قلبي؟. إن الذي كتب علينا المحبة كتب علينا الفراق، فراق الوردة عن الغصن، فيبقى عطرها فيه، ويبقى دمه في أوراقها.
 
وها نحن نطارد العطر الضائع، وأقف وحدي على الشاطئ كأن العالم سفينة أبحرت من دوني وتركتني وحدي. أمضي راجعا وأنا أتلفت من وقت إلى آخر بأمل أن تكون كفك قد استقرت على كتفي، بأمل أن أسمع صوتك. لكني لا أشعر بكفك، يتلفت قلبي ولا يجدك ويرتج كياني كله لأني لا أرى سوى دخان يعلو من قلب يحترق، وأقول لنفسي وأنا أواصل السير" مازال المدى كله لا يتسع لشعوري"، تغمرني الخيالات، كل خيال أنت فيه جميلة، وكل خفقة أنت فيها، تلوحين بيديك، تصيحين، تنظرين إلى، ثم تشيحين ببصرك بعيدا. فيم تفكرين وأنت تبسطين جناحيك وتحلقين عاليا؟ أي انفعال يعتصر قلبك؟.
 
في الرابع من نوفمبر ولدت الوردة، وظهرت القصائد والألوان وترسخ الشوق الذي لم يكن معروفا، واللهفة، وانفعالات القلب العميقة، والأمل. ظهرت انت وحدك ولا شيء سواك.