القمص اثناسيوس فهمي جورج
هناك دراسات أَجْرَتْها معاهد لاهوتية؛ حول تزايد عدد المسيحين السوسيولوجيين، أﻱ الذين ليس لهم من المسيحية سوى الاسم. تلك الظاهرة التي أُجريت عليها دراسات إحصائية قياسية ، لدراستها وهي خاصة بالمسيحيين الذين لا يشتركون في العبادة والقداسات والخِدَم الإلهية... المسيحي السوسيولوجي هو الذﻱ يدخل الكنيسة في المعموديات والأكاليل (الأعراس) والجنازات ، وأحيانًا في مناسبات موسمية ؛ كالأعياد والطقوس التي لا يمكن التنصل منها في أﻱ مجتمع مسيحي.
رأيَ الباحثون هذه الظاهرة ضمن عِلم الاجتماع المسيحي ؛ كأحد فروع علم اللاهوت الرعوﻱ ؛ حتى لا تكتفي الكنيسة بالكرازة للوثنيين ، بل تهتم أولاً بهؤلاء المسيحين الإسميين ؛ الذين مع كونهم مؤمنين نالوا نعمة استنارة المعمودية ، إلا أنهم مازالوا في طور الموعوظين وما أبعد... لقد ذكرهم ربنا يسوع عندما قال : ”كَيْفَ تَدْعُونَنِي يا رَبُّ يا رَبُّ ؛ ولا تَعْمَلُونَ بِمَا أَقُولُ؟!“ (لو ٦ : ٤٦).. وأن لهم صورة التقوى ؛ لكنهم منكرون قوتها.. لهم اسم ”أَنَا عَارِفٌ أَعْمَالَكَ ؛ أَنَّ لَكَ اسمًا ؛ أنَّكَ حَيٌّ ؛ وأَنْتَ مَيِّتٌ“ (رؤ ٣ : ١).
لقد تزايدت أعداد المسيحيين السوسيولوجيين ؛ حتى صارت ظاهرة ليست غربية فقط؛ لكنها منتشرة في قارات أخرى... حيث سطحية المعرفة الإيمانية وضعف الانخراط بمواظبة في وسائط نعمة حياة الكنيسة ، وكثرة أعداد الذين لا يمارسون الإيمان وينتمون بالاسم للكنيسة ؛ غير عارفين شمالهم من يمينهم ، ويحيون (أُمِّية) مسيحية أدَّت بهم للجفاء والميوعة والإنكار.( ما اصطلح عليه = مسيحي غير ممارس مسيحية )
أسباب كثيرة أدت إلى تزايد هذه الظاهرة ؛ لعل من أهمها تأثير العولمة العقلانية السلبية ؛ وموجات المادية والدهرية واللامبالاة بكل ما هو إلهي.. كذلك هناك مسببات أخرى تتعلق بضعف الرعاية والافتقاد ؛ وتسطيح التعليم اللاهوتي وفقدان القدوة والتأثير ، مع تكرار العثرات التي يضخِّمها إبليس ؛ ويتخذها ضمن موضات محارباته في هذا الشأن... لكن الكنائس الناهضة تَعِي التحولات التي يعيشها عالمها ؛ وتكيِّف برامجها ودروسها لتخاطب احتياجات شعبها ، وتخصص اجتماعات صلاة دائمة ومكثفة ، تتزامن مع التعليم الدسم والوعظ الحي وافتقاد العمل الفردي والمواظبة علي تثبيت الأركان الضعيفة والتنقية الملازمة لكل ترقية نحو الأفضل الي ما هو قدام في عمل النعمة ونمو القامة
عاملة بحرارة وإلتهاب ؛ لتنفض عنها الغبار وتخرج خارج المحلة باحثة عن هؤلاء ، لتقدم لهم مسيح السامرية والابن الضال وزكا العشار.. كذلك تقوم بإعداد الخدام المناسب والكافي لكل فئات العمر ؛ من أجل جذب الذين تركوا كنيستهم وابتعدوا في الكورة البعيدة... تعمل عمل غرس وزرع وسقي في حصاد كثير ؛ لأن الله يقدِّر الذين يركضون لنوال جُعالة السباق ويفوزون بالجائزة إلى المنتهى.
فلنقدم أنّاتنا من أجل (قتلىَ بنت شعبي) ونسعى نحوهم يالحاح وتجديد متواتر لايكل ؛ حتى نوفر على أنفسنا أنّات الدهر الآتي... إذ أن الكنيسة هي سامرﻱ هذا الجيل الصالح ؛ تخرج خارج المحلة وتبحث في خارج السياجات ؛ ولا تعبر طريقها قط ؛ دون أن تبحث ماذا تعمل مع ملايين النفوس؟! فإذا كانت أوروبا تقيم جمعيات للعناية بالطيور والنباتات ، فكم بالأحرى النفس التي اقتناها واشتراها مسيح الكنيسة.. إنه يأتي ولا يتركها للصوص بين الحياة والموت ؛ بحيث يتعين على الجسد كله أن يتحرك ليستدرك ؛ جامعًا كل البعيدين والإسميين ،وما لايمكننا عمله نستودعه بغيرة أكله لمن هم أقدر منا ؛ لأن هذه هي إرادة الرب التي تتحدى المستحيلات ؛ بالسلطة التي منحها للرسل والخدام ليعملوا بإسمه وقوته ؛ بل يعملون أعمالاً أعظم منها ، لهم إيمان كحبات الخردل الناقل لجبال الفتور والبرودة والجفاء الروحي. خشية أن يأتي أب عائلتنا الإلهية الذﻱ زرع شجرة تينة كرمه ؛ ليحاسب الكرّامين ؛ إذا وجدها غير مثمرة ولا نامية فيقول: ”أَقْلَعُهَا ؛ لِمَاذَا تُعَطِّلُ الأَرْضَ؟!“ (لو ١٣ : ٧).
والآن وقت عمل وصلاة : اذهبْ اليوم يا ابني ؛ اعمل اليوم في كرمي ، طالبين من الرب أن يتركها هذه السنة أيضًا ؛ حتى نحفر حولها ونضع زبلاً ؛ غير مكترثين بجذب الأمواج ، ولا نتلكّأ بتراخٍ في حَلَبة السباق ؛ بل ننزل من أورشليم إلى أريحا لنجاهد جهاد الكرازة والشهادة وبنيان كنيستنا القبطية ؛ مفتدين النفوس من النار... اذهبوا أنتم أيضًا واصنعوا كما صنع السامرﻱ ؛ وقدموا رحمة بإستعداد إنجيل السلام ولجام الفطنة ؛ مسنودين بمعونة الأعمال الصالحة ؛ التي تغطي تقصيرنا وضعفنا ، حتى نوفي أولاً ما هو واجب علينا ؛ لنستطيع أن نتحصل على ما نترجَّى.
إنَّ إدانة الخطأ تصبح بصورة ما مدرسة للبراءة.. لذلك على الخدام أن يتنقوا وينسكبوا بأنّات وتنهدات ويخدموا في أمانة ولياقة ارثوذكسية بعيدا عن التحزب والانقسام والانحياز المتلف ، ليمتلئوا وتتجدد أذهانهم واهتماماتهم ، مُقِرّين برخاوتهم وانتقائيتهم للخدمات السهلة ؛ لأن إلهنا تقدم وغسل أرجلنا كذلك رسل الكنيسة جالوا وسافروا وجاهدوا واجتازوا حتي الدم ؛ ولم يصدّوا الخطاة ولا العشارين ؛ ولا المدن التي رفضتهم ؛ بل شفوا وعلموا وأطعموا وحاججوا الجاحدين ، وسيدنا ومخلصنا بنفسه أبقىَ معه ذاك الذﻱ كان مزمعًا أن يسلمه ؛ ولم يوافق على سيف الانتقام من احد تلاميذه.
إنَّ تعاملنا اليوم مع إخوتنا في عضوية جسد الكنيسة ؛ يلزمها الصبر الكثير والمداومة والضم والوحدانية والرؤية ، محتملين الشتائم والبصاق واللعان والهُزْء والاستهزاء والتجاديف المهينة والظنون الخداعة ؛ ليأتي برهان القوة من عند رب الكرم... حيث أن أمور الله والشيطان مضادة ؛ بحيث أن أﻱ منها لا يخدم ابدا قضية الآخر... فبصبرنا ندخل إلى العمق كي نحصد خيرًا وفيرًا وسمكًا كثيرًا ؛ محمولين على الأذرع الأبدية ؛ بالصبر الذﻱ يتبع ويسبق الإيمان ؛ ويكون بمثابة سهام تصوَّب إلى القلوب الموصَدة والمتكلِّسة ؛ حتى تقبل صور منهج الخلاص كملاذ أخير لها ، على طريقة صيد الراعي الذﻱ يبحث ويفتش وسط الوعورة ؛ ليجد الخروف الضال ويحمله على منكبيه بإحتمال ؛ ويقبله ويُلبسه ويغذيه ويصنع له الوليمة ويلتمس له ، إذ كان مفقودًا وهالكًا ، وقد رجع إلى كنيسته التي لا تغلق بابها في وجه أحد ( ام الاولاد الفرحة ) ، إلى الحد الذﻱ عاش بدم المسيح ؛ ذاك الذﻱ سفك دمه.