إعداد/ ماجد كامل
منذ إعتلاء قداسة البابا المعظم البابا تواضروس الثاني كرسي البابوية في يوم الأحد 18 نوفمبر 2012 ، وقضية الرعاية لشعبه تشغل محور فكره واهتمامه . فلقد شعر منذ اليوم الأول لسيامته أنه أب ، والأب مسئول عن رعاية شعبه بكل أمانة وإخلاص . ومن هنا أهتم قداسته بكتابة وإلقاء الكثير من العظات التي تخص رعاية الأسقف والكاهن لشعبه ، وقام بجمع كل هذه العظات في مجلد واحد بعنوان " الأسقف والكاهن مفاهيم رعوية ". وفي هذا العرض المختصر للكتاب ، سوف نقسم العرض إلى قسمين رئيسين :
أولا -واجبات الرعاية للآباء الأساقفة .
ثانيا -واجبات الرعاية للآباء الكهنة .
أولا : واجبات الرعاية للآباء الأساقفة
وفي مقدمة الكتاب يؤكد قداسته أن الرعاية هي عمل الكنيسة الأول .ولقد قسم قداسته العظات إلى قسمين : القسم الأول خاص بالأساقفة ، والقسم الثاني خاص بالكهنة . وعن الأسقفية قال قداسته الأسقفية ليست إدارة أو رئاسة . بل أبوة شاملة ، فالأسقف يجب أن يكون أبا كبيرا ، والأب يجب أن يحتضن كل إيبارشيته ، ومن هنا قالأب الأسقف يجب أن يكون رحيما ، وأن يكون متواضعا ، وهذه نعمة خاصة تحتاج إلى معونة من ربنا . وعمل الأسقف الأول هو الرعاية والافتقاد ، خاصة في مناطق الفقر والعوز والاحتياج ، ومن هنا يجب أن يتواجد الأسقف دائما في أحضان الإيبارشية ، كما يجب على الأب الأسقف أن يهتم بالمشروعات التي تخدم المجتمع وفي مقدمتها إنشاء المدارس ، فمجتمعنا المصري يحتاج إلى إنشاء المدارس بكثرة ، والمدرسة تخدم أجيالا وأجيالا ، وتحمل أسم وعلم وشهرة طيبة ، وتستطيع أن تخدم كل أفراد المجتمع المصري ويكون تأثيرها على السلام المجتمعي كبيرا . والذي ينال نعمة الأسقفية ، فأنه ينال وزنة خطيرة جدا ، أمانة عظيمة جدا ، مسئولية خطيرة . فالأسقفية وزنة يمنحها الله للأسقف لكي يخدم ، ومن هنا فالأسقفية تحمل معنى التعب والألم والمجهود ، ولذا يجب على الأب الأسقف أن يحفظ كرامة هذه الوزنة ومهابتها ويتاجر بها جيدا .
أما الأمانة ، فهي التي قال عنها الكتاب المقدس " كن أمينا إلى الموت فسأعطيك أكليل الحياة " ( رؤ 2 : 10 ) . والأمانة تشمل : الأبوة ، الرعاية ، الإدارة . فالأبوة تعني أن يكون الأب الأسقف أبا للكل . وهذه الأبوة تشمل الكهنة وأسرهم ، والخدام والخادمات وأسرهم . وكل الشعب .
أما عن الرعاية ، الأب الأسقف يجب أن يرعى كل شئون إيبارشيته ، بحيث لا يدفعه في الخدمة إلا محبة المسيح التي انسكبت في قلبه .
أما عن الإدارة ن فهي تأتي في المرتبة الثالثة بعد الأبوة والرعاية . فالأب الأسقف هو مدير ينظم العمل ، الاحتياجات ، المسئوليات ، السيامات والشئون الإدارية والمالية . ومن هنا يجب ان يكون على الأب الأسقف أن يكون متخليا عن ذاته ، لأن الذات هي العدو الأول الذي يحارب كل من يكون في هذه المسئولية . وهذه المسئولية تكون على الأرض أو في السماء ، ومن هنا فأن كلمته يجب أن تكون دائما بحساب ، وأن يكون محافظا على هيبة رئاسة الكهنوت التي يحملها ، فهو يمثل الكنيسة إينما حل ،سواء في المعاملات مع المسئولين ، أو في القرارات التي يتخذها .
صفات الأب الأسقف
الصفة الأولى : راهب تقي :
الأسقف هو الأساس راهب ، لذا يجب عليه أن يحافظ على نذوره الرهبانية بعد الأسقفية . وهي بالترتيب :
+ الطاعة : والطاعة تعني أن يتخلى الإنسان عن هواه الشخصي ويتخلى عن ذاته .
+ التبتل : والمقصود به حياة الطهارة والنقاوة ، 0وهو أن يحفظ نفسه طاهرا كقول معلمنا القديس بولس الرسول " احفظ نفسك طاهرا "( 1 تي 5 : 22 ) .
+ الفقر الاختياري : فالأسقف مال الإيبارشية كله تحت يده ، والفقر هنا اختبار له ، كيف يكون زاهدا ؟ ويعيش فقيرا ، والمال الذي بين يديه هو أمانة من الله يضعها وينظر كيف سيستخدمها .
الصفة الثانية : أنه راهب مكلف :
الخدمة تكليف وليست تشريف ، والأسقف مكلف في كنيسته وأمام شعبه بمهمة محددة . يجب أن يكون أمينا فيها ، ومسئوليات الأب الأسقف معروفة في كتب التاريخ ( المسئوليات التقديسية ، التعليمية ، التكريسية ) .
الصفة الثالثة : أن يكون أب حكيم :
فالأبوة هي محور حياتنا جميعا ، وهي صفة شاملة وجامعة وتتحقق بشيئين مهمين : الرحمة والحكمة ، وعمل الرحمة هو عمل متسع في كل ركن في الكنيسة ، أما الحكمة فهي التي تجعله صانع محبة وسلام في الكنيسة ،
أوجه الأبوة الاسقفية السابعة :
حدد قداسته أوجه الأبوة في سبعة أوجه هي :
1-الأبوة الرعوية :
فالاسقف راعي ، وقيل عن السيد المسيح أنه "الراعي الصالح " (يو 10 :11 ) . ومن هنا فالرعاية يجب أن تصل إلى كل إنسان ويشعر بها . للبعيد والقريب ، للأفراد والأسر ، والراعي يتواصل مع الناس ويفكر باستمرار كيف يغذي شعبه ، كما يفعل الراعي بالخراف .
2- الأبوة التعليمية :
والتعليم لا يكون بالفم او بالعقل فقط ، ولكن من قلبه واختباراته وحياته ، وكل أب يريد لأبنه أن يكون أفضل وأعظم منه ، والتعليم أيضا يشمل نقاوة التعليم وسلامته واستقامته . وكنيستنا ليست كنيسة حديثة ولكنها كنيسة عريقة ممتدة لأكثر 2000 سنة .منذ أن آتي مارمرقس الرسول إلى مصر ، أمامنا الكتاب المقدس وحياة الآباء ومؤلفاتهم والليتورجيات المحفوظة في الكنيسة .
3-الأبوة التدبيرية :
فالأسقف مسئول عن تدبير المكان الذي يوجد به التعليم ،سواء ماديا أو إداريا او روحيا . وكما قال الكتاب المقدس " المدبر فباجتهاد " ( رو 12 :8 ) .والسيد المسيح في حياته كان مدبرا جدا ، ففي معجزة إشباع الجموع قال " أتكئوهم فرقا خمسين خمسين " ( لو 9 : 14 ) ، فالخدمة تقوم على النظام ، كما أوصى السيد المسيح التلاميذ أن يرفعوا الكسر ، لأنها تصلح أن تشبع آخرين ، ومن هنا فالأسقف يجب ان يكون مدبرا في المال ،ولا يكون مبذرا .
4-الأبوة المتضعة :
فلقد قال السيد المسيح عن نفسه " تعلموا مني فأني وديع ومتواضع القلب " ( مت 11 : 29 ) . فالسيد المسيح أنحنى وغسل أرجل التلاميذ ، ليعلمنا ويقدم لنا النموذج والقدوة ، وهذه هي الدرجة العليا في كل الخدام من أول الأب البطريرك للمطارنة للأساقفة للكهنة . والإتضاع يتطلب ان يتخلى الإنسان عن ذاته ، وهذه هي الحرب الكبرى التي تحارب من يتقلد منصبا رفيعا .
5-الأبوة المحبة :
التي لها القلب المتسع لكل أحد ، فيقابل الجميع بالبشاشة والابتسامة الهادئة ، " لأان محبة الله قد انسكبت في قبوبنا بالروح القدس " ( رو 5 : 5 ) . والأب الأسقف قلبه مفتوح للكل ، ويقبل كل أحد ، والعالم يحتاج إلى هذا الحب .
6-الأبوة الساترة :
نحن نصلي كل يوم في صلوات الشكر ونقول " نشكرك يا رب لأنك سترتنا " ولذا يجب أن تكون هذه الكلمة ماثلة أمام عيوننا باستمرار ولولا ستر بنا ما كنا نستطيع أن نعيش . وكلمة أسقف أصلها اليوناني " إبيسكوبوس " وترجمت كذلك لأنها من كلمة "سقف " والسقف هو الذي يستر ، والأب الأسقف يجب أن يكون ساترا لكل أحد ، ليس في الاعتراف فقط ، ولكن في الضعفات البشرية ، وكلنا كبشر تحت الضعف ، ونحتاج إلى من يستر علينا .
7-الأبوة الحامية :
الأسقف مسئول أن يحمي كل إنسان ، ولا يحمل قلبا سيئا ، لكن قلب ممتليء بالمحبة والرحمة ، وفي الكنيسة توجد قطاعات ضعيفة كالأرامل والأيتام ومنكسري القلوب والذين ليس لهم أحد يذكرهم ، والذين لديهم إعاقات مختلفة سواء جسدية ، أو نفسية ،او ذهنية . ومن هنا فالأسقف من واجبه أن يساعدهم في حل مشاكلهم سواء بالمال أو الأفكار أو المساعدات .
والأسقف يجب أن يكون مصدر فرح وحب ، وهو ينبغي أن يكون مصدرا للفرح ،ويكون الدافع الوحيد لخدمته هو الحب ، يقدم المحبة الحقيقية على مثال سيده لكل إنسان ، وتقديم المحبة يختلف من إنسان لإنسان ، فقد يكتفى إنسان بكلمة ، أو مكالمة تليفونية ، أو برسالة ، أو بفعل ، فالأب الأسقف يجب يعرف كل لغات المحبة ، لذا لا أتصور أن الأب الأسقف يمكن أن يرتاح إذا وجد إنسانا في حالة غضب منه ، فيجب عليه أن يسعى جاهدا لضم هذا الإنسان الذي غضب لشيء ما ، فكل إنسان دمه مطلوب منه ، والأب الأسقف يعمل مع الجميع وبالجميع فالجميع كالأوتار في القيثارة الواحدة .
والأب الأسقف يجب أن يزرع في خدمته أربع زراعات متتالية هي :
1-زراعة الوصية :
وصية ربنا يسوع المسيح ، ويزرع معرفة الله في قلوبنا ، لكل الفئات ( أطفال صغار ، شباب ، أسر ، مسنين ومسنات ، أصحاء ، مرضى ، تعليم عالي أو متوسط أو محدود الثقافة والتعليم .... الخ " ) ، والأسقف لا يجب أن يمل من زرع الكلمة ، سواء باجتماعات تعليمية ، أو مؤتمرات ،حلقات دراسية ، فترات خلوة .
2-المذبح والكنيسة :
الأسقف يجب أن لا يترك مكانا دون أن يزرع فيه مذبحا أو كنيسة ، والمذبح ليس فقط المباني ، ولكن يزرع الوعي بالأسرار ، ويطمئن أن لكل إنسان أب اعتراف ، ويمارس سر التوبة والاعتراف بتوبة حقيقية ، وممارسة الأسرار يجب أن تكون بوعي وليس ممارسة شكلية . والأسقف لا يعمل بمفرده ، إنما يعمل بواسطة عدد كبير من الآباء والخدام والخادمات ، كل في مجاله وتخصصه .
3-الخدمات والأنشطة :
الأب الأسقف مسئول عن زرع خدمات وأنشطة تتناسب مع هذا الزمان ، وتتناسب مع احتياجات الشعب ، والكنيسة عندما تقيم فصول محو الأمية ، أو تعليم كمبيوتر ، فهذا يدخل في صميم عملها ، وتختلف هذه الخدمات والأنشطة من منطقة لمنطقة ، ويجب أن تمتد هذه الأنشطة لكل فئات المجتمع ، فالمستشفى أو المستوصف يجب أن يخدم الجميع .
4-السلام :
السلام بين كل صفوف الشعب ،في المجتمع ، في الوطن ، والكتاب المقدس يقول " طوبى لصانعي السلام ، لأنهم أبناء يدعون " ( مت 5 :9 ) .
وزرع السلام يحتاج لكل الصفات التي تساعده في ذلك ، مثل " الأبوة ، الصبر ، الاحتمال وطول الأناة ، الحكمة، وزرع السلام يساعد الإنسان على التوبة ، فالخطية هي التي تمنعه من زرع السلام .
ملامح العمل الأسقفي
وقد وضع لنا قداسته بعض ملامح عامة للعمل الأسقفي تتلخص في النقاط التاية :
1-الأبوة قبل السلطة .: فالأسقف أب ، والأب هو الذي يحب ويستر ، وهو الذي يصون ، والله يفرح جدا بروح الأبوة التي نأخذها منه ونقدمها لمن فداهم على الصليب .
2-الاستقامة قبل الإدارة : والاستقامة تعني حياة التوبة الداخلية ، وكلنا نحتاج إلى هذه التوبة . فالأسقف لا يخدم لمجد نفسه ، وإلا تضيع أكاليله . وهذا لا ينفي أمور الإدارة والتدبير ، تدبير الأسقفية ، تدبير قطاعات الخدمة ... الخ .
3- الإنسان قبل البنيان : فالإنسان أولا من خلال الرعاية والافتقاد ، فالله سيسألنا أولا عن الذين نرعاهم ويطلب دمهم ، والأسقف يجب أن تكون الأبوة واضحة في حياته قبل السلطة . إن الأب الأسقف خادم يغسل أرجل الجميع .
والأب الأسقف عليه مسئوليات متعددة منها المسئولية الصحية ، فالصحة خير من كل الذهب ، وهي وزنة ضرورية وهامة للخدمة . ومن هنا من واجبات الأسقف الاهتمام بصحته الجسدية والنفسية لكل القطاعات سواء ( أطفال ، رجال ، مسنين ، ذوي القدرات الخاصة ... الخ ) وذلك من خلال مستشفيات وعيادات وبيوت رعاية ، أو من خلال تشجيع الناس على الالتحاق بالمبادرات الصحية التي تقدمه الدولة في مواقع عديدة .
والأسقف يجب أن يتحلى بالمعرفة ، سواء المعرفة اللاهوتية أو المعرفة الثقافية الحضارية ، وهو موضوع يحتاج إلى قراءات واسعة ومتعددة ، ومنها المعرفة النفسية – الاجتماعية ، ومشكلات ( المرأة – الرجل – الأسرة – الشباب - ) كذلك ضرورة معرفة مجتمع الإيبارشية من حيث جغرافيته وتاريخه ، كذلك المعرفة القانونية والوطنية . وهذا كله لن يأتي إلا بالقراءة والمناقشة والملاحظة ....... الخ .
ومن أمانة الأب الأسقف صيانة خصوصية المجمع ، وبالتالي لا ينبغي لنا ان ندخل الغرباء إلى هذا الأمر ، ونطلعهم على خصوصياتنا ، والكتاب يقول " لا تدخل كل إنسان إلى بيتك ، فإن مكايد الغشاش كثيرة ( يشوع بن سيراخ 11 : 31 ) .
أما عن واجبات الرعاية للآباء الكهنة ، فهذا هو موضوع الجزء الثاني من هذا العرض لهذا الكتاب القيم ، فإلي لقاء قريب مع الجزء الثاني قريبا بنعمة ربنا .