بقلم الراهب القمص يسطس الأورشليمى
كتاب وباحث في التاريخ المسيحى والتراث المصرى
وعضو إتحاد كتاب مصر
فى مزمور السابع والثمانون إذ يتطلع المرتل إلى مجيء المسيا مخلص العالم، وقد بسط يديه على الصليب ليحتضن العالم، يموت عنهم ويقوم، فيقيمهم معه، تنفتح أبواب أورشليم مدينة الله على كل الشعوب. تتهلل نفس المرتل إذ يرى المدينة التي كانت مغلقة على شعب معين.
“أَسَاسُهُ فِي الْجِبَالِ الْمُقَدَّسَةِ” مز 87 : 1.
إذ يقارن المرتل بين خيمة الاجتماع وهيكل سليمان، فالأولى بلا أساسات، إنما خيمة متحركة، أما الهيكل فوضعت أساساته على الجبال المقدسة.
أما كنيسة العهد الجديد فأساساتها هي الأنبياء والرسل، وحجر الزاوية هو ربنا يسوع المسيح. يعلن بولس: "كبناءٍ حكيم قد وضعت أساسًا" (1 كو 3: 10)، أي الإيمان بالثالوث.
عندئذ يقول في موضع آخر: "لأنه كان ينتظر المدينة التي لها الأساسات التي صانعها وبارئها الله" (عب 11: 10)... يَّعين المرتل الجبال المقدسة، لأنه توجد جبال أخرى غير مقدسة. بجانب هذا يقول إشعياء: "أقيموا راية على جبال مظلمة" (راجع إش 13: 2). نجد في الكتاب المقدس عبارة أخرى: "من أنت أيها الجبل العنيد" (راجع زك 4: 7). وفي إرميا: "أعطوا الرب إلهكم مجدًا قبل أن يجعل ظلامًا، وقبلما تعثر أرجلكم على جبال العتمة" (إر 13: 16)... من هم الذين ندعوهم أساسات؟ الرسل. عليهم قام إيمان الكنيسة وتأسس.
القديس جيروم أساسات أورشليم أسسها الله، والجبال المؤسسة عليها جبال مقدسة، لأن الله القدوس قد أظهر سكناه فيها...
مدينة الله تُقال عن سيرة العبادة المستقيمة التي أساساتها هي التعاليم الإلهية المقدسة.
وأما جبالها المقدسة التي عليها قائم بناؤها فهي الرسل والأنبياء، وقبلهم ربنا له المجد كما كتب بولس الرسول في الفصل الثاني للرسالة إلى أهل أفسس: "مبنين على أساس الرسل والأنبياء ويسوع المسيح نفسه حجر الزاوية" (أف: 20)
الأب أنثيموس الأورشليمي أعتقد أنه لهذا السبب يسوع نفسه عندما تجلى لم يحدث هذا في السهل، إنما صعدعلى جبل، وهناك تجلى. لتفهموا من هذا أنه دائمًا يظهر على الجبال أو التلال، ليعلمكم أنتم أيضًا، فلا تجثوا عنه في أي موضع وإنما على جبال الشريعة والأنبياء
الرَّبُّ أَحَبَّ أَبْوَابَ صِهْيَوْنَ، أَكْثَرَ مِنْ جَمِيعِ مَسَاكِنِ يَعْقُوبَ.
العلامة أوريجينوس: لا يكف الكتاب المقدس بعهديه عن الكشف بكل وسيلة عن حب الله للإنسان والبشرية، فاختياره لصهيون ومحبته لأبوابها لا يعني حاجته إليها، ولا اهتمامه بأمور مادية، فهو خالق السماء والأرض، لكنه يحب الإنسان، ويريد أن يضم البشرية إلى أحضانه، ويسكب بهاءه عليها.
القديس جيروم يبدو لي أن أبواب صهيون هي الفضائل. كما أن الرذيلة والخطية هما بابا الموت، أظن أن أبواب صهيون هي الفضائل.
لا يقصد الأبواب التي نراها اليوم في التراب والرماد، وإنما يقصد الأبواب التي لا يقوى عليها الجحيم (مت 16: 18)، والتي تدخل منها جموع الذين يؤمنون بالمسيح.
صهيون هي أورشليم التي كانت عاصمة أمة اليهود، إذ كان الهيكل مبنيًا فيها. ومن أبوابها كانت تدخل الفرائض المؤدية إلى عبادتهم الموسوية. لهذا كانت أفضل من سائر مساكن الإسرائيليين...
الأب أنثيموس الأورشليمي يقول: بولس الرسول في الأصحاح 12 من رسالته إلى العبرانيين عن صهيون وأورشليم أنهما كنيسة المسيح: "قد أتيتم إلى جبل صهيون وإلى مدينة الله الحي أورشليم السماوية، وإلى ربوات هم محفل ملائكة، وكنيسة أبكار مكتوبين في السماوات" (عب 12: 22-23).
وأيضًا في الأصحاح الرابع من رسالته إلى أهل غلاطية: "وأما أورشليم العليا التي هي أمنا جميعًا فهي حرة" (غل 4: 26). هذه الكنيسة أبوابها هي فواتح تعليمها، يحبها الرب أفضل من جميع مساكن يعقوب، أي من سنن الشريعة الموسوية (في حرفيتها) التي كان إسرائيل ساكنًا فيها؛ يدعوها مساكن لأجل سرعة زوالها.
قَدْ قِيلَ بِكِ أَمْجَادٌ يَا مَدِينَةَ اللهِ. سِلاَهْ .
يقول العلامة أوريجينوس: جاء في الترجمة السبعينية: "وهو العلي الذي أسسها إلى الأبد". وكأن الإنسان المولود فيها بالحقيقة هو العلي الأبدي، الذي يؤسس كنيسته.
يرى الأب أنثيمُوس الأورشليمي: أن كلمة الله الذي يهب المؤمن التبني أو الولادة الروحية قد وُلد فيها وتأنس لأجلنا؛ بهذا كل من يعترف بلاهوته يقبل صهيون أمًا روحية لنا، كقول الرسول إنها أمنا جميعًا (غل 4: 26).
يرى البعض أن القول "إن إنسانًا، وإنسانًا صار فيها" يشير إلى أن كثيرين يتمتعون بالولادة الجديدة، يأتون من كل الأمم، ويصيرون سكان صهيون الجديدة أو أعضاء في كنيسة العهد الجديد.
القديس جيروم إن كانت هذه رغبتنا، فإن المسيح يُولد يوميًا، خلال كل فضيلة يُولد المسيح.
القديس غريغوريوس أسقف نيصص نظر داود إلى العلا وبدهشة شاهد منظر المدينة المدهش (مز 87: 5) الى مدينة الله التي قيل عنها أمور مجيدة؛ ذكرت راحاب الزانية والقبائل الأممية وصور وأثيوبيا أيضًا في أورشليم السمائية. لن يقترب أحد بعد من أهل هذه المدينة المهجورين البؤساء، قائلًا: "ولصهيون يقال هذا الإنسان وهذا الإنسان وُلد فيها" (مز 87: 5). صار البابليون من أهل أورشليم، والزانية صارت عذراء، الأثيوبيون صار لونهم أبيض عوض السواد، وصارت صور المدينة العليا. وهكذا فإن العروس تشجع بنات أورشليم بحماسٍ، إذ تصف لهم صلاح العريس الذي يستلم النفس السوداء ويردها إلى صورة الجمال الأول بالشركة معه. إذن من كان "كخيام قيدار" يصير مسكنًا مضيئًا لسليمان الحقيقي، أي يسكن فيه ملك السلام. لذلك يقول النص: "أنا سوداء وجميلة يا بنات أورشليم". وجميعكم الذين تنظرونني تصيرون كشقق سليمان حتى وإن كنتم قبلًا "كخيام قيدار"نش 1: 5.
القديس جيروم بمعنى: لا يقدر إنسان مجرد أن يكون له القدرة أن يعلن لصهيون أنها ستخلص بالإنسان الذي يُولد فيها... يُقال عنه إنه الرب العلي، فكم بالأكثر يُقال عنه إنه كلمة الله؟
الرَّبُّ يَعُدُّ فِي كِتَابَةِ الشُّعُوبِ، هَذَا وُلِدَ هُنَاكَ. سِلاَهْ .