ياسر أيوب

فشلت تمامًا رغم الإلحاح وأكثر من محاولة فى إقناع مايكل دوهان بأن موسيقى موتسارت أجمل وأرق من صوت مواتير الدراجات النارية.. وتذكرت هذه الحكاية بمناسبة سيول وفيضانات أغرقت مدينة فالنسيا الإسبانية ونقل سباق ختام بطولة العالم الحالية للدراجات النارية ليقام بعد عشرة أيام فى مدينة برشلونة.. فمنذ سنين طويلة كنت الصحفى العربى المرافق لفريق روثمانز هوندا فى بطولة العالم للدراجات النارية.. وحين استضافت مدينة سالزبورج فى النمسا إحدى جولات البطولة.. كانت فرصة لزيارة بيت الموسيقار الشهير والرقيق موتسارت فى وسط المدينة، وأيضًا استعادة حكاية وأغانى فيلم صوت الموسيقى الذى تم تصويره فى سالزبورج ١٩٦٥ وأصبح أشهر فيلم عن الموسيقى فى تاريخ السينما.

 

وكانت الأيام فى سالزبورج بداية اهتمامى بالعلاقة بين الرياضة والموسيقى.. وأثبتت دراسة كبرى لليونسكو أن المصريين القدماء أول من مزج الرياضة بالموسيقى فى احتفالاتهم على ضفاف النيل.. وحين بدأ الإغريق ألعابهم الأوليمبية القديمة أقاموا مسابقات موسيقية تمامًا مثل المسابقات الرياضية.. وكان تقليدًا تمت المحافظة عليه حين بدأت الألعاب الأوليمبية فى العصر الحديث.. واستمرت المسابقات الموسيقية الأوليمبية من دورة استكهولم ١٩١٢ حتى دورة لندن ١٩٤٨ واختفت بعدها.. وأكد المعهد الأمريكى للموسيقى العلاقة الوثيقة بين الموسيقى والرياضة وكيف تساعد الموسيقى الرياضيين على الوصول إلى قمة التوافق الجسدى النفسى.. وكانت تجربتى الشخصية الممتعة فى سالزبورج هى المزج بين موسيقى موتسارت وصخب مواتير الدراجات النارية.. أو الموسيقى وسط عالم غريب عاشق للسرعة والإثارة ومحاولة التوازن بعجلتين فقط والاندفاع المجنون ضد عقارب الساعة واحتمالات الموت القائمة فى كل لحظة وكل سباق.. وكان الأسترالى مايك دوهان هو نجم فريق روثمانز هوندا وأحد أبطال العالم.. وكان مايك مثل باقى الآخرين.. حياتهم دائمًا على سفر.

 

 

سباق بعد سباق ومدينة بعد أخرى.. ويعرفون أن أى أحد منهم قد يموت فى أى سباق نتيجة حادث أو سقوط.. وقد حاولت إقناع مايك بأن الموسيقى أجمل وأرق من صوت موتور دراجته.. ورغم أننى نجحت فى إقناعه بالإصغاء لإحدى سيمفونيات موتسارت، إلا أنه لم يقتنع.. وظل يرى أن صخب المواتير أجمل من أى سيمفونية، سواء موتسارت أو أى موسيقار آخر.. ولم يكن وحده الذى يرى ذلك.. أبطال آخرون كثيرون فى بقية الفريق كان لهم نفس الرأى حين سألتهم.. واحتجت بعدها لوقت طويل لأعرف أن أبطال الدراجات النارية لا يكرهون موسيقى موتسارت.. لكنهم يفضلون موسيقاهم الخاصة، حتى إن كان هناك من يراها صخبًا وضجيجًا.. فلكل إنسان موسيقاه الخاصة جدًا وليس من الصواب أن يفرض أحد ذوقه الموسيقى أو آراءه وأفكاره على الآخرين.