بقلم الراهب القمص يسطس الأورشليمى
كتاب وباحث في التاريخ المسيحى والتراث المصرى
وعضو إتحاد كتاب مصر
في تذكار نياحة القديس إيلاريون أبو رهبان فلسطين 2 نوفمبر 24 بابه
يعتبر القديس إيلاريون هو أبو الرهبان ومنشئ الأديرة في بلاد فلسطين، ولد في سنة 291م بقرية تدعى طيبات بالقرب من غزة من والدين وثنيين، ثم أرسل إلى الإسكندرية في صباه ليتعلم الصرف والنحو. كان وقتئذ القديس بطرس الذي أستشهد سنة 311م ومعلم المدرسة المسيحية كان القديس اكيلاس الشهير فهذا لما رأى تلميذه حسن الأخلاق علمه قواعد المسيحية فآمن التلميذ وأعتمد سنة 302م .
وتتلمذ على يد القديس أنطونيوس الكبير أبو الرهبان في البرية الشرقية في مصر, وصار ايلاريون بكر الرهبنة في الاراضى المقدسة ومؤسسها وإلى حد كبير تأثر ايلاريون بمعلمه وأبيه الروحي القديس أنطونيوس الكبير, فنجد أنه بينما عاش القديس أنطونيوس عشرين عاماً متوحدا في مغارته هكذا عاش القديس ايلاريون متوحدا أثنين وعشرين عاماً لم يتخذ فيها تلميذا، وقد سكن فى البرية بجنوب غزة مع أنه كان عارفاً بأنها مكمن لكثير من اللصوص، وكان القديس يحفظ الاسفار المقدسة عن ظهر قلب وكان يردد الصلوات والمزامير كمن هو في حضرة اللـه ولم يشرع في إتخاذ تلاميذ إلا بعد 22 سنة أي في عام 330م وهو عام بدء إنتشار الرهبنة في الأراضي المقدسة .
وكان ذلك عام 337م ورام كثير من المؤمنين أن يتتلمذوا له وطلب الجميع أن يكون رئيسا عليهم، فوضع قوانين وقام على رعيتهم ودبرهم بجزيل الحكمة والوداعة والمحبة، ومن ثم زهت قداسته جداً في الأديرة وكانت عدة رهبانه زهاء أربعة ألاف، ( ).
وأيضا قد تدرج في النسك مثل معلمه طيلة فترة حياته, وتأثر أيضا بمعلمه فلم يكسر نذر توحده إلا حين رأى العقيدة الإيمانية في خطر, أن الغلبة التي تمكن ايلاريون من إحرازها على نفسه ساعدت في هداية أهل غزة الوثنيين، وإلي ايلاريون يعود الفضل في نشر التبشير في المدن النبطية أنذاك( ).
وقد جاء جماعة من الأخوة وقالوا للأنبا إيلاريون: " ما هي علامات الراهب، فقال لهم: ( كثرة الحب والإتضاع يزينان الراهب ويشرفانه في الدنيا والآخرة، فيجب أن تكون له هذه الخصال: رحيماً، وقوراً، كتوماً، شكوراً، مطيعاً ، مداوماً الصمت ، متوفراً على الصلاة )، قالوا له: إذا إجتمعت هذه الخصال في إنسان فهل يسمى راهباً؟ قال: " نعم أنه راهب إذا تعب كذلك وشقي بمقدار ما تصل إليه قوته "( ).
أراد اللـه أن يظهر للناس بر عبده بالعجائب فأتفق وقتئذ أن كان البيدوس رجل ذا سطوة راجعا من مصر حيث زار القديس أنطونيوس هو وامرأته وأولاده ووصل إلى غزة فرأى بنيه الثلاثة قد أشرفوا على الموت، فأرسل وأستدعى القديس ايلاريون فأتى وصلى على أولئك المرضى، فنهضوا حالاً بكمال الصحة وقد شاع خبر هذه الأية في الأفاق، فأقبل الناس عليه بالمرضى من كل ناحية ولم يكونوا يرجعون إلا معافين، وبهذه المعجزات أجتذب إلى الإيمان المسيحي كثيراً من الوثنيين في مدينة غزة.
وأتفق أنه خرج يوما مع جماعة من رهبانه لزيارة الأديرة، ولما قرب من مدينة الوز بأرض الأدوميين كان الوثنيين قد التأموا ليقربوا ذبيحة لصنم من اصنامهم، إلا أنهم لما شعروا بقدوم القديس الذي كان قد شفى كثيرين من مرضاهم وأخرج منهم الشيطان خرجوا لإستقباله مع كاهنهم لابساً حلة رتبته، فلما رأهم القديس مقبلين عليه بإبتهاج وأكرام تأوه وشرع يبكي أمامهم ثم أتقدت به الغيرة لخلاصهم وطفق يبين لهم أن عبادة الأوثان ضرب من الغباوة، ويظهر لهم صحة الديانة المسيحية فصرخ الشعب جميعهم أننا نرذل عبادة الأوثان ونؤمن بإنجيل ابن اللـه، ثم هدموا هيكل الصنم وبنوا في مكانه كنيسة فعلمهم من قواعد المسيحية ما يكفي للخلاص ثم عمدهم، ( وسرعان ما أخذ كاهن لوسيفر (أبليس) يخدم المصلوب في كنيسة حديثة البناء وفي مجمع أفسس المنعقد عام 431م، كان من جملة الحضور أسقف الوسا عبداللـه (ثيودولوس) وفي خلقيدونية كان يدعى اريتاس (الحارث)( ).
وفي سنة 359م كان غلاء في تلك النواحي بسبب توقف سقوط المطر فالتجأ إليه الشعب، ولما صلى من أجلهم نزل مطر غزير، وإذ غدا عندهم مكرما فر هاربا أيضا إلى الإسكندرية ونزل بدار أحد المسيحيين، ورام الخروج مساء إلا أن صاحب الدار لم يطلقه، فقال له القديس دعني أنطلق لئلا يحدث لك ضرر إذا بقيت عندك في هذه الليلة فذهب، وإذا بجنود أتوا من قبل يوليانس الملحد ليمسكوا القديس، إذ قد آمن على يده خلق كثير من الوثنيين في غزة ونواحيها فلم يجدوه لأنه كان قد مضى وسكن برية تدعى واسيس حيث أمضي بها عاماً، وأيضا صار مكرما بها ومن ثم عزم على أن ينفرد في إحدى الجزائر .
فسافر ومعه تلميذه يدعي زانانس في آخر سنة 363م، وركبا سفينة كانت متجهه إلى جزيرة صقلية، وفيما كانا سائرين على البحر دخل الشيطان في ابن الربان فصرخ بفمه قائلا: " لم لا تدعنا يا ايلاريون نستريح قلما يكون على البحر، أرجوك أم أن تتركني حتى نبلغ البر لأنك أن أخرجتني هنا لا يبعد أن أهوي إلى عمق الهاوية"، فقال له القديس: " أن كان لك إذن من إلهي أن تقيم حيث أنت الأن فأقم، ولكن إذا أخرجك إلهي من جسد هذا الصبي فلا تشك من خاطئ مثلي كأني أنا هو السبب في طردك وأخراجك"، فخرج الشيطان حالا، ، فلما وصل إلى جزيرة صقلية أنفرد في برية مقفرة، إلا أن الشيطان أخبر أهل رومية بفم مجنون بوصوله فأخذ إلى القديس وبصلاته نجا من الشيطان، وحينئذ أتوه بالمرضى من كل جهة فشفاهم جميعهم، وفي غضون ذلك وصل إليه اسيكيوس تلميذه بعد أن نشده وتطلبه زمانا طويلا، ثم إنتقل القديس من صقلية إلى دلماسيا فراراً من الجموع وسكن بقرب مدينة ابيدورا وهي راغوزا.
روى القديس ايرونيموس أنه لما وصل إلى هناك وجد تنينا عظيما كان يقتل البهائم والناس فأماته وأحرقه بالنار، وفي سنة 365م كادت المدينة تهدم من قبل البحر الذي تجاوز حدوده بسبب زلزلة شديدة حدثت وقتئذ، فذهب الشعب إلى القديس ايلاريون وكلفوه بالمضي إلى شاطئ البحر، فذهب ورسم على الرمل ثلاثة صلبان وللوقت أنزجرت الأمواج ونضب الماء عن الساحل .
ذهابه لجزيرة قبرص :
وبعد هذه الإعجوبة خرج القديس من دلماسيا فركب سفينة وسافر إلى قبرص وفي صحبته تلميذه اسيكيوس، وشاع اسمه أيضا بأفواه المجانيين، فأقام بها سنتين يتنقل من موضع إلى آخر لأن اللـه تعالى قد شهر وجوده بالمعجزات فعزم لذلك أن يرجع إلى مصر، إلا أن تلميذه أقنعه بأن يختار مغارة في الجزيرة فيما بين الجبال الشامخة ففعل وبقى هناك خمس سنين، ومن المحقق أنه في مكان سكناه بقبرص تردد وتحادث مع القديس ابيفانيوس أسقف سالمينا.
نياحته ودفنه :
شعر القديس بقرب نياحته فكتب رسالة إلى تلميذه الذي كان حينئذ في الاراضى المقدسة تاركا له ثوبه وكتاب الإنجيل فعرف أهل الجزيرة أن القديس تنبأ بيوم وفاته، فإجتمع إليه جمع لا يحصى عددهم، ولما قرب من الموت أكتنف الخوف نفسه غير أنه قواها برجاء المراحم الإلهية بقوله لماذا تجزعين يا نفسي من الموت ولك في العبادة وخدمة المسيح نحو سبعين سنة، ففارقته روحه بهدوء في يوم 21 تشرين الأول سنة 371م، أي تنيح في 24 بابة بالغا من العمر الخامسة والثمانين، أما اسيكيوس تلميذه فلما عرف بنياحة معلمه سافر إلى قبرص وبعد دفنه بمدة من الزمان فتح قبره فوجد جسد القديس صحيحا تنبعث منه رائحة عطرة فنقله إلى ديره الأول ببلاد الاراضى المقدسة وكان ذلك في نفس العام ولازال اللـه تعإلى يشرف قبره بالمعجزات( ).