عادل نعمان

لم نسمع صوتًا أو اعتراضًا بإصبع واحد عن مهرجانات وفعاليات فنية، بل لم نسمع من المشايخ احتجاجًا على مواكب الفتنة والإثارة على الريد كاربت، أو رفع أحدهم الكارت الأحمر أو حتى الأصفر منذرًا ومحذرًا من المخالفة أو مستقبحًا ما يراه الناس أمام أعينهم فى مهرجاناتهم المتتالية وكأن على رؤوسهم الطير، لكن الطير قد طار وحط على الريد كاربت فى الجونة واستقبحوه واستهجنوه وقد كان أكثر تواضعًا منه وخجلًا، ولمَ لا؟ فهؤلاء أنفسهم قد بدلوا وغيروا فى وجهتهم حين أصبحت قيادة المرأة للسيارة أمرًا مباحًا وميسورًا بل محمودًا فعله بعد أن كان مكرهًا وضارًا بصحة المرأة بين ليلة وضحاها، بل من كانوا يومًا يتوعدون المرأة بالويل والثبور وعظائم الأمور إذا أقدمت على هذا الفعل، إذ بهم يتسابقون ويدعون لها بالسلامة فى القيادة إذا خرجت، والنجاة من المصادمات والحوادث، ويطيبون للناس العفو عنها وعن سيارتها إذا تسببت فى حادث أو تصادم، وجزاهم الله خير الجزاء وبدل سيئاتهم حسنات.

 

إلا أننا فى بلادنا مازلنا على العهد سائرين ومؤيدين، حتى وإن أغلقت مصانعه، وبارت أراضيه، وكسدت بضاعته، وجفت ينابيعه، وتجاوز الزمن فاعليته فى بلد المنشأ، إلا أننا دائمًا أصحاب عهد ووعد لمن كان يومًا زائرًا للديار، أو كان يومًا مارًا وسائرًا بحدودها، فنكره ما كنا نحبه، ونجيز ما كنا نرفضه كرامة لهذا الوافد الذى تملك وهيمن، فإذا مرت الفاتنات الجميلات على الريد كاربت فى مهرجان الجونة أو القاهرة السينمائيين انتفخت أوداجهم غضبًا، وانتفضت عروقهم غيظًا، واحمرت عيونهم سخطًا، واشرأبت أعناقهم سخطًا، وهالهم ما ينظرون، إلا أنهم حين مروا على الريد كاربت فى دول أخرى مروا مرور الكرام المطمئنين المهللين الحامدين الشاكرين خوفًا وطمعًا.

 

وأتعجب كيف لانت عزيمتهم واستهانت عليهم معتقداتهم وشرائعهم، وخضعوا واستسلموا بجرة قلم، وخرجت المرأة من بيتها بغير ضرورة، وقادت سيارتها وسافرت دون محرم، وخلعت النقاب ولم يكن من الإسلام، فما هانت عليهم قرونًا، وما استكانوا لحظة فى الدفاع عنها، وما فتحت المرأة بابًا من أبواب الحرية إلا أغلقوه بالضبة والمفتاح، وما وجدوا سبيلًا من سبل الفقهاء يقيدون بها خروج المرأة من بيتها إلا وأغلقوا الأبواب وصدوها عن غيرها صدودًا، وما سنحت لهم فرصة لعدم تعليمها حتى لو كانت مقولة لعمر بن الخطاب لم يقلها، أو تقوّل أحدهم عليه إلا وأوقفوها عليها، وطابت لهم مستقرًا ومقامًا، وما تقلدت منصبًا إلا وطاردوها وأبخسوها حقها لقلة عقلها وضعف إيمانها، ماذا دهاكم؟ وكيف أزحتم هذا الهرم الثقيل والقرون الخوالى من طريقها؟ وقبلتم واستسلمتم دون قتال وقد كانت سيوفكم مشهرة ومسلولة على طول الخط.

 

أما عن القاهرة، فقد كانت القاهرة يومًا من أجمل مدن العالم وأنظفها وأعرقها، سماؤها مفتوحة لكل الحضارات فرعونية ويونانية ورومانية وقبطية وإسلامية دون تضييق أو تشدد أو تعقيد، وملتقى الثقافات بأنواعها والفنون والسينما والمسرح والموسيقى والغناء والرقص وكافة الفنون، ومركزًا تنطلق منه الموضة إلى باريس ولندن ودول العالم، وكانت يومًا هدفًا يتوق ويتلهف عليه أصحاب الحرف والمهن من كل حدب وصوب، حتى كان جنود الحدود يطاردون من يحاول الدخول للالتحاق بالعمل بطريقة غير شرعية، وليس كما نرى أصبحت مركزًا طاردًا للعمالة المهرة والحرف والتخصصات العلمية النادرة، فما هذا السهم الذى أصابنا؟ وكيف نبرأ منه كما برئ هؤلاء؟.

 

 

أيها السادة الأفاضل من المتشددين، هذه صناعة لها قواعد ومقومات وركائز، لا تحيد ولا تتغافل عنها، فمن اراد الدخول فى مجال السياحة مثلًا فعليه الالتزام بقواعد وأدوات العمل فيها أو يتركها وشأنها، السياحة الدينية مثلًا لها أدواتها ووسائلها من أشكال التدين والمغالاة والإفراط فى إقامة الشعائر لتفوح وتنتشر رائحة التقوى فى كل مكان فيطمئن من أتى زائرًا إلى وجهته!!، وكذلك السياحة الشاطئية وسياحة المؤتمرات، والسياحة العلاجية والثقافية والترفيهية، فلا سياحة شاطئية دون تجهيز الشواطى للسباحة والغوص، ولا سياحة مؤتمرات دون تجهيز الفنادق لقاعات المؤتمرات وإعدادها إعدادًا متطورًا وعلميًّا، ولا سياحة علاجية دون التوسع فى إنشاء المستشفيات المتخصصة بأحدث طرق العلاج، ولا سياحة ترفيهية وثقافية دون إعداد المزارات جميعها تلبى احتياجات ورغبات الزوار، ولا تغيب السينما والفنون عن هذه الأدوات مهما بالغ الكثير منهم فى عرض مفاتنه، فهو مجتمع له خصوصية فى التسويق والعرض وجذب الانتباه، وما نراه على الريد كاربت نراه فى الأفراح والمناسبات قل أو كثر، وليست الفتنة تتمدد فقط على الريد كاربت هنا أو هناك بل كل شىء متاح وتحت أصابعنا، والأولى بالاعتراض والرفض ما يدور من موبقات على شبكة التواصل الاجتماعى والتى أصبحت خطرًا يجب التصدى له.

نقلا عن المصرى اليوم