يترقب العديد من المتسوقين عروض البلاك فرايدي" أو "الجمعة البيضاء" لشراء احتياجاتهم بأسعار مناسبة في التخفيضات السنوية التي تبدأ عادة في أواخر نوفمبر، لكن كيف يختلف استعدادهم من عام إلى آخر؟ وكيف تبدو تجربتهم في عالم أصبحت فيه العروض تتسابق لتصل إلى شاشاتهم؟

"قبل أي حاجة المفروض أكون مستعدة وأحوش فلوس"، هكذا تقول ريم توفيق، التي تعمل في إحدى الشركات الخاصة بالقاهرة، والتي بدأت تتجول في مواقع المولات الإلكترونية قبل أسابيع من موعد "البلاك فرايدي".

وعلى الرغم من أنّ "ريم" لم تشترِ سوى بضعة منتجات في السنوات الماضية، إلا أن حماسها في البحث عن التخفيضات يكون في أوجه: "في الأول كنت بروح المحلات البراند والمولات الكبيرة عشان بحس أسعارهم حقيقية، لكن دلوقتي بقيت بتابع العروض على الإنترنت، وبحدد قبلها اللي عاوزة اشتريه".

"البلاك فرايدي" في بيتك
بات "البلاك فرايدي" أكثر من مجرد حدث يومي عابر في المحال التجارية، بل تحول إلى مهرجان تسوق رقمي يدخل إلى كل بيت ويجذب المتسوقين في أي مكان، لكن هل أصبح هذا البحث عن التخفيضات أكثر سهولة أم تعقيدًا مع تطور التكنولوجيا؟ للإجابة على هذا السؤال، تحدثنا مع عماد الشيخ، خبير التسويق الرقمي، الذي يرى أنّ التخفيضات "أصبحت أكثر استهدافًا ودقة مع تزايد عدد المتاجر الإلكترونية على الإنترنت".

يضيف الشيخ لـ"مصراوي": "الآن تستطيع أن تجد عروضًا على سلع معينة بناءً على سجل بحثك واهتماماتك السابقة، كما أنّ المحال التجارية العالمية التي لها فروع في مصر، تعتمد على الذكاء الاصطناعي للتنبؤ بما ستشتريه".

تجربة خالد مراد (32 عامًا)، مهندس كهرباء من الإسكندرية، تكشف عن طبيعة مزيج المشاعر التي يمر بها معظم المتسوقين في هذا اليوم: "في بداية اليوم، السنة اللي فاتت، كنت متحمس جدًا وفتحت المواقع من الساعة 12:00 بعد منتصف الليل، كنت براقب العروض المتوفرة على السلع اللي بحبها، وكنت بأعتقد إني هاخد حاجة معتبرة"، ولكن بعد مرور بعض الوقت، بدأ يشعر بشيء من الإحباط: "الحاجات اللي كنت فاكر أنها عروض رائعة، اكتشفت أنها كانت متوفرة بأسعار مشابهة على مدار السنة، ولا تساوي الزحام والانتظار".

"تخفيضات وهمية"
السبب في ذلك ربما يعود إلى ظاهرة أطلق عليها البعض "التخفيضات الوهمية"، التي تشير إلى العروض المبالغ فيها أو الأسعار التي كانت مُعروضة في الأساس بأسعار أعلى ثم خُفضت بشكل مصطنع، وهنا تبرز النقطة الأكثر حساسية في "البلاك فرايدي"؛ وهي أنّ توقعات المتسوقين قد تتعرض للتحطيم عند اكتشاف أن بعض العروض لم تكن كما تبدو عليه، حسبما أوضح الخبير الاقتصادي ورئيس مركز المصريين للدراسات السياسية والاجتماعية الدكتور عادل عامر.

ويرى "عامر" خلال حديثه مع "مصرواي" أنّ "البلاك فرايدي" جاء ليواجه مشكلة الموضة التي فرضت على التاجر تحديث بضاعته أولا بأول لمواكبتها وتلبية احتياجات الزبائن، وبذلك أصبح لازمًا عليه التخلص من المنتجات التي مرّ عام عليها بأقل الخسائر، وهو ما دفع أصحاب المحال إلى تحديد يوم "الجمعة البيضاء" لتصفية المنتجات، لكن بعضهم يلجأ إلى حيل مختلفة للبيع بالسعر العادي دون تخفيض.

عروض مغرية
رغم ذلك، لا يزال الكثير من الأشخاص يواصلون الترقب ليوم ""الجمعة البيضاء"، فهالة الإثارة التي تحيط بـ"البلاك فرايدي" تجعل الجميع يسعى للانقضاض على العروض بأسرع ما يمكن، "اللي بيعجبني في البلاك فرايدي أنه بيخليني أشعر وكأنني أشارك في حدث كبير"، تقول "ندى"، ربة منزل من المنصورة، التي تبدأ استعداداتها قبل أيام بالبحث في المواقع والمحال والمولات والمقارنة بين العروض المختلفة: "بحب فكرة إني قادرة اشتري الحاجات اللي أحتاجها بأسعار أرخص بكتير".

التجربة بالنسبة لـ"ندى" تتخلص في سد احتياجاتها من المتطلبات بأقل الأسعار، فتقول لـ"مصرواي": "عند بدء التخفيضات، بكون حريصة على الدخول إلى الموقع الإلكتروني للمحل اللي بشتري منه في العادة في أول لحظة، لأن العروض الكويسة بتخلص بسرعة"، مشيرة إلى أنّ العروض على المنتجات الإلكترونية أو الأجهزة الحديثة، بل تشمل ملابس، أثاث، وأدوات منزلية، ما يجعل البعض يشعر أن اليوم نفسه أصبح بمثابة مناسبة للتسوق والاستفادة من العروض المتنوعة.

"أنا شخصيًا، معتقدش إني ممكن أفوت بلاك فرايدي حتى لو كانت العروض مقبقتش زي زمان"، هكذا يقول عماد مبتسمًا، موضحًا أنًها "تجربة متكاملة، من الحماس إلى البحث المكثف عن أفضل الصفقات، وحتى الاحتفاظ بالأشياء التي اشتريتها كأنها إنجاز شخصي، حتى لو لم تحصل على صفقة رائعة، تبقى الإثارة ومتعة التسوق هي الأساس".

اللعب على الأعصاب
من الناحية النفسية، يشعر الشخص بمتعة في التسوق بشكل عام، ويميل إلى الإنفاق على شراء أشياء قد لا يحتاجها، لمجرد إحساسه بأنها تتميز عن غيرها بانخفاض سعرها، وهذا ما يدفع بعض أصحاب المحال التجارية والمتاجر الإلكترونية إلى طرح تخفيضات وهمية تتجاوز 60% باستخدام استمالات عاطفية لجذب الزبائن وحثهم على الشراء، كما أوضحت الدكتورة أماني عبد العزيز، أستاذة علم الاجتماع بجامعة السويس."

وترى "أماني" أن "البلاك فرايدي" يتحول أحيانًا من يوم لــ"حرق أسعار" المنتجات المختلفة وبيعها بأسعار مخفضة، إلى موسم لــ"حرق الأعصاب"، لأن الشخص الذي يكتشف تعرضه للخداع عند شراء سلعة لم يكن بحاجة إليها، يكون في حالة نفسية سيئة.

ولمواجهة هذا السلوك يشير الدكتور عادل عامر إلى ضرورة تفعيل القانون الذي ينص على ضرورة قيام المحال والمتاجر الإلكتنونية التابعة لها بإبلاغ جهاز حماية المستهلك باليوم المخصص للتخفيضات وطبيعتها والنسبة التي ينوي التاجر تخفيضها، للحصول على الموافقة اللازمة، والتي تضمن عدم التلاعب بالأسعار.