في تذكار زواجنا الثامن والعشرين:

القمص يوحنا نصيف
    من أجمل الفضائل التي كانت موجودة في الكنيسة المسيحيّة الأولى، واستمرّت حتّى وقت قريب وسط عائلاتنا القبطيّة، فضيلة "إضافة الغرباء".

    بالطبع هذه الفضيلة هي من ثمار المحبّة التي سكبها الله في قلوبنا بالروح القدس (رو5:5).

    هناك العديد من الشواهد الإنجيليّة التي تُشجِّع المسيحيّين على مُمارسة إضافة الغرباء، مثل: "مُشْتَرِكِينَ فِي احْتِيَاجَاتِ الْقِدِّيسِينَ، عَاكِفِينَ عَلَى إِضَافَةِ الْغُرَبَاءِ" (رو12: 13)، وشواهد أخرى في (1تي5: 10، عب13: 2، 3يو5).

    ربّما الآن توجَد بعض التحدّيّات التي تواجه ممارسة هذه الفضيلة، وأهمّها السلامة وحماية الأُسَر من أيّ خطورة يمكن أن تَحدُث من أشخاص غير معروفين يتمّ استضافتهم.. ولكن بالطبع يوجَد بعض الحلول من أجل تأمين العمل بهذه الفضيلة المسيحيّة الجميلة، كما يمكن الاهتمام بتجهيز بيوت للضيافة ملحقة ببعض الكنائس، مع وضع نظام مُحكَم لإدارتها، وكيفيّة استقبال الغرباء بها.

    ما أودّ التركيز عليه -بنعمة المسيح- في هذا المقال، هو بُعدٌ آخَر لموضوع إضافة الغرباء.. فعندما نقرأ هذه الآية:
    "لاَ تَنْسَوْا إِضَافَةَ الْغُرَبَاءِ، لأَنْ بِهَا أَضَافَ أُنَاسٌ مَلاَئِكَةً وَهُمْ لاَ يَدْرُونَ" (عب13: 2)،

    سنفهم من المعنى المباشر أنّ القدّيس بولس الرسول يتكلّم عن أبينا إبراهيم، الذي استضاف الله ومعه ملاكَين.. وهو لم يكُن يدري في البداية أنّه يستضيف الله وملائكته..

    لكنّنا يمكن أيضًا أن نذهب في تأمُّل لطيف مع هذه الآية، إذا أخذناها من منظور الحياة الزوجيّة..

    ففي الزواج يستضيف الإنسان شخصًا غريبًا عنه إلى داخل حياته، لكي يشاركه في كلّ شيء.. بمعنى أنّ الزوج يستضيف زوجته في حياته، والزوجة تستضيف أيضًا زوجها ليشاركها كلّ شيء في حياتها!

    لقد كانا قبل الزواج غرباء عن بعضهما البعض، وكانت بينهما حواجز كثيرة. أمّا بعد الزواج فقد أُزِيلَتْ هذه الحواجز وانفتحا بالكامل على بعضهما البعض، أو بمعنى آخَر قد صارا كيانًا واحدًا بعد أن أُضِيفَا إلى بعضهما البعض.. وهذا أحد معاني "إضافة الغرباء"!

    قبل الزواج كان الزوجان غريبين عن بعضهما، فلم يكُونا يعرفان بعضهما البعض المعرفة الكاملة؛ وبالطبع لم يكونا نُسخةً من بعضهما البعض، حتى لو كانت هناك بعض صفات مشتركة.. أمّا بعد الزواج فإنّهما ينفتحان على بعضهما، وينموان في معرفة عميقة ببعضهما، إذ يستضيفان بحُبٍّ أحدهما الآخَر استضافة دائمة، وكأنّهما يقولان بصِدقٍ لبعضهما: كلّ ما لي فهو قد صار لك أيضًا!

    من هنا نفهم أنّه عندما يستضيف الإنسانُ شريكَ حياتِه في قلبه، بحبّ ومودّة واحترامٍ، وقبول غير مشروط كقبول هديّة من الله، واستعداد حقيقي للبذل والمشاركة في كلّ شيء، فإنّ النتيجة أنّه يجد نفسه وكأنّه يستضيف ملاكًا في حياته؛ فيرى الزوج زوجته كملاكٍ حارس أرسله الله له، وهكذا ترى الزوجة زوجها كملاك الله، وكأجمل هديّة موهوبة لها منه!

    هكذا تكون استضافة الغرباء في حياتنا الزوجيّة، سبب سعادة مستمرّة في القلوب، إذ أنّنا بها نستضيف ملائكة، ونفرح بصُحبتهم، ومشاركتهم لحياتنا!
    الحُبّ المُخلِص من قلوب مُطيعة لوصيّة "إضافة الغُرَباء"، يجعل الزوجين يريان بعضهما كملائكة الله!

القمص يوحنا نصيف
نوفمبر 2024م