كمال زاخر
الجمعة ٨ نوفمبر ٢٠٢٤
ضبط حياة الراهب والتزاماته ونذوره الرهبانية التقليدية (البتولية والعفة، العزلة، الفقر الاختيارى - عدم القنية. - الطاعة) كانت القضية لتى شغلت الكنيسة المعاصرة، وكانت عودة الرهبان المقيمين خارج الأديرة الى اديرتهم القرار الأول أو الرئيسى الذى اصدره الاباء البطاركة؛ البابا كيرلس السادس والبابا شنودة الثالث والبابا تواضروس الثانى، وشهد هذا الأمر مع ثلاثتهم صورا كثيرة للتحايل عليه وكسره حتى الآن.

وثمة ظاهرة. أخذة فى التوسع فى العصور الثلاثة، وهى منح الراهب رتبة كهنوتية (قس) والتى بدأت على استحياء مع حبرية البابا كيرلس، لتتفاقم حتى صارت الاديرة تضع قوائم انتظار لرسامة رهبانها كهنة، بعد ان كان الاسقيط بجملته يخدمه كاهن واحد عُرف فى ادبيات الرهبنة ب(قس الاسقيط).

ترتب على ذلك ان صار من حق الراهب القس تلقى اعترافات زوار الدير - أو من يزورهم خارجه - وينفتح اكبر باب للحرب الروحية على الراهب والمعترفين والمعترفات، وتختل منظومة الاعتراف بالتبعية فى الكنائس المحلية، حيث يفضل الشباب الاعتراف بعيدا عن كنيسته لاسباب متوهمة  وربما نفسية.

ومع التطور فى مشاريع الأديرة الانتاجية فى استصلاح الأراضى أو التنمية الحيوانية والداجنة وما استتبع ذلك من مشاريع التصنيع الزراعى، تحول الراهب الى ترس فى آلة الانتاج الكبيرة، لترتبك التزاماته الاساسية ونذوره وتغازله (القنية) وتطارده محبة المال.

ومن ضمن الضربات اليمينية التى حذر منها مؤسسو الرهبنة وأعلامها انشاء اكليريكيات للرهبان، داخل الأديرة، الأمر الذى يخلق داخل الراهب شعوراً يصل الى حد اليقين بأنه صار مؤهلاً ليكون معلماً، فتضيق عليه قلايته ويسعى للنزول لخدمة الكنيسة فى العالم، وهو امر يختلف عن الحرص على تعليم الراهب، اصول الرهبنة ونمو حياته الروحية والتتلمذ على فضائل الرهبنة وآبائها، ويتوجب التفريق هنا بين التعليم الاكليريكى والتعليم الرهبانى، وهو ما انتبهت اليه الكنيسة فى حبرية البابا يوأنس التاسع عشر الذى انشأ مدرسة الرهبان بحلوان لاعداد من يرشح من الرهبان لرتبة الأسقفية، وقدمت للكنيسة العديد من الاساقفة الاتقياء، حتى أُغلقت فى مطلع ستينيات القرن الماضى.

(ملاحظة : اكليريكية دير المحرق تقوم باعداد الكهنة من الشمامسة المدنيين.)

لذا وجب ان تدرس الكنيسة تفكيكاً لكل هذه المخاطر، وبشكل موضوعى انشاء نسق الرهبنة الخادمة أو العاملة، وترتب لها المهام والحياة الخاصة بها (بعيدا عن الرهبنة التقليدية التى لها دورها الروحى الداعم للكنيسة والحافظ لتراثها).

وقد سبقتنا كنائس تقليدية رسولية فى هذا الأمر، وقد شهدنا بمصر منذ القرن الثامن عشر هذه الرهبانيات الخادمة فيما عرف بالإرساليات، والتى اسست العديد من المدارس والمستشفيات ودور الايواء، ومازالت، وشرّعت ابواب خدماتها لكل المصريين، وكانت عنصرا مؤثراً فى دعم سلام المجتمع.
.