الراهب القمص يسطس الأورشليمى 
عضو اتحاد كتاب مصر
 تلقّب العذراء بحوّاء التي ولدت عمانوئيل، وأوجه الشبه عديدة: فمن جهة، كلمة حواء تعني "الحياة، أم كل حي" (تك 3: 20). وبذلك تكون العذراء أم يسوع الذي هو الحياة (يو 11: 25)، ومن جهة أخرى، فإن اقتران العذراء بآدم الجديد (1 كو 15: 45، 2 كور 11: 2ـ3)، يجعلها حواء الجديدة.
 
ويقول الآباء: كما وُلدت حواء من آدم وبقي جنبه مختوماً (تك 2: 21)، كذلك وُلد المسيح من العذراء وظلّت بكارتها محفوظة.
 
أن كلتيهما " أم كل حي " غير أن الفرق بينهما هو: أن الأولى سارت بملء حريتها من الصلاح إلى الخطيئة الجدية، أما الثانية فقد سارت من الخطيئة الجدية نحو الصلاح.
 
 الأولى قبلت الخطيئة وأشركت معها الجنس البشري، والثانية قبلت الخلاص وأشركت معها الجنس البشري.
 
وقد ركّز الآباء على دور مريم العذراء في قصد الله من خلال الكتاب المقدّس وقد عقدوا مقارنة بين حوّاء ومريم العذراء.
 
ويرى إيريناؤس أنّ الخلاص يقوم على العودة إلى بدء الكون لتحقيق قصد الله في الإنسان، ذاك القصد الذي لم يتحقق بسبب خطيئة آدم وحوّاء، وتتمّ تلك العودة إلى الجذور بإعادة تكوين الأدوار التي أفسدت قصد الله، فالمسيح يحلّ محلّ آدم، والصليب ينتصب عوضاً عن شجرة السقطة، ومريم تقوم من جديد بالدور الذي لم تستطع حوّاء القيام به.
 
"كما أنّ يد الله خلقت آدم من أرض عذراء، كذلك لمّا جمع كلمة الله الإنسان في شخصه، ولد من مريم العذراء. وهكذا إلى جانب حوّاء، ولكن على خلافها، قامت مريم بدور في عمل الجمع هذا الذي هو عمل خلاص الإنسان، لمّا حبلت بالمسيح. 
 
حوّاء أغواها الشرّ وعصت الله، أمّا مريم العذراء فاستسلمت لطاعة الله وصارت المحامية عن حوّاء. 
 
إنّ حوّاء وهي بعد عذراء، كانت سبب الموت لها وللجنس البشري بأسره، أمّا مريم العذراء فبطاعتها صارت لها وللجنس البشري بأسره سبب خلاص. 
ما عقدته حوّاء بعدم إيمانها حلّته مريم بإيمانها، لمحو الضلال الذي لحق بالتي كانت مخطوبة _العذراء مريم حوّاء_ حمل الملاك البشارة الجديدة الحقّة إلى التي كانت مخطوبة. 
 
العذراء حوّاء ضلّت بكلام الملاك واختبأت من وجه الله بعد أن عصت كلمته، أمّا مريم العذراء فبعد أن سمعت من الملاك البشرى الجديدة، حملت الله في أحشائها لأنّها أطاعت كلمته. 
 
يقول ثيودوتس أسقف أنقره سنة 303: عذراء ملتحفة بالنعمة الإلهيّة كرداء، مفعمة النفس حكمةً إلهيّة، عروس الله بالقلب. وهي "المغمورة بالنور"، بها تلاشت كآبة حوّاء، وبها حوّاء افتديت إذ "من القديسة ولد ابن قدّوس، والكاملة ولدت الكامل، والتي تفوق الوصف ولد منها الذي يفوق الوصف، والعليّة ولد منها العليّ".
 
يقول القدّيس يوستينوس: "رضي ابن الله أن يصير إنسانًا وأن يولد من عذراء من نسل داود، لكي يقتل الحيّة وينتصر على الموت"، ويقارن بين حوّاء ومريم، فيوضح أنّه كما أخطأت حوّاء المرأة الأولى وعصت الله بملء حرّيتها، كذلك أصغت مريم العذراء إلى قول الله وأطاعته بملء حرّيتها، وكما أنّه بعذراء دخلت المعصية ودخل الموت إلى العالم، كذلك بعذراء حصل العالم على البرّ وعلى الحياة.
 
من أجل ذلك تسبح لها الكنيسة السلام لك يا مريم تهليل حواء لأنه عندما أخطأت حواء وأطاعت الحية وأكلت من الشجرة المنهى عنها، ورفضت الاعتراف بخطيتها وغوايتها جاء إليها العقاب الإلهي قائلاً: " تكثيرًا أكثر أتعاب حبلك بالوجع تلدين أولادًا (تك 3: 16) " هذا إلى جانب طردها مع زوجها من الفردوس وذهابها بعد الموت إلى الجحيم مما أثار أشجانها وحرك حزنها. 
 
في قطعة "تناف"، وهي مديح القيامة في التسبحة تقول:" كل الأفراح تليق بك يا والدة الإله لأن من قبلك أرجع آدم إلى الفردوس ونالت حواء الزينة عوض حزنها وأخذت الحرية دفعة أخرى من قبلك والخلاص الدهري".