بقلم- سليمان شفيق
لعب المؤرخون الأقباط دورًا مهما في حفظ تاريخ مصر، سواء في العصور الفرعونية أو القبطية أو الإسلامية، تاركين إرثًا غنيًا من الكتابات التي سجلت الأحداث الدينية والاجتماعية والسياسية، وفي كل حقبة يبرز مؤرخ قبطي يسعى لتوثيق معالم حقبته، ويمثل المؤرخ ماجد كامل فهمي مثالاً معاصراً لذلك، حيث يكمل مسيرة المؤرخين الأقباط التي استمرت لقرون عديدة.
سيرة ومسيرة
يُعد ماجد كامل باحثاً في التراث القبطي وعضو لجنة التاريخ القبطي، سبق له أن صدر عنه الكتب التالية: (كتاب قديسون ومزارات صدر عن المركز الاعلامي الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، كتاب عن عبد الله النديم، كتاب البابا تواضروس الثاني سنوات من العطاء الكنيسة والوطن، مائة شخصية قبطية على أرض مصر، كتاب عن مقالات في الهوية القبطبة صدر عن ايبارشية المعادي) كما أن له كتابات في العديد من المجلات الصحفية، له كتابات منتظمة بشكل شبه يومي على الصفحة الخاصة به على الفيس بوك.
وقدم لنا المؤرخ المعاصر عمل أدبي تاريخي ثري بعنوان «مائة شخصية قبطية على أرض مصر» لوحة فنية زاهية بالألوان والأحداث، حيث يسرد لنا الكاتب قصص مئة شخصية قبطية ساهمت بشكل كبير في بناء الحضارة المصرية، سواء في المجالات الدينية أو العلمية أو الفنية أو الاجتماعية، فكل شخصية تحمل في طياتها قصة فريدة وملهمة.
يعتمد الكاتب في دراسته على مصادر موثوقة، ويُقدم تحليلًا عميقًا لشخصياته، مما يجعل كتابه مرجعًا قيمًا لكل الباحثين المهتمين بتاريخ مصر وحضارتها. حيث يُعد الكتاب إضافة قيمة للمكتبة المصرية، كما يُشكل دعوة للجميع للاطلاع على هذا الجانب المهم من تاريخنا.
كما يُسلط الكتاب الضوء على حياة وإنجازات مائة شخصية قبطية بارزة، عاشت وترعرعت على أرض مصر منذ عصر محمد علي وحتى يومنا هذا، وعبر قداسة البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية، بطريرك الكرازة المرقسية، عن تقديره للكتاب، واصفًا إياه بأنه سجل موسوعي فريد له كل التقدير والامتنان، إذ يحوي بين دفتيه حياة مائة شخصية قبطية نبتت على أرض مصر، وقدمت حياتها من أجل الوطن في جميع المجالات الأدبية والثقافية والعلمية والكنسية، وكانت وما زالت شموعًا على الدرب، وخلال أكثر من قرنين تُلهم الآخرين وتسهم فى بنيان الوطن والإنسان بأرفع القيم الإنسانية والمباديء الحياتية.
ولقى هذا الكتاب اهتمام البابا تواضروس الثاني بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، حيث وجه البابا الشكر إلى الكاتب والباحث ماجد كامل، قائلًا: «جامع هذه السير المباركة والأحباء الذين راجعوا وأعدوا هذا العمل الكبير للنشر، ويسرنا فى بطريركية الأقباط الأرثوذكس بالقاهرة، أن نقوم بالنشر عرفانًا بالجميل لكل هذه الأسماء التى أثرت حياتنا على مدى الأجيال».
وللمرأة نصيب في هذا الكتاب، حيث يحتوي على 8 شخصيات نسائية مثل: إستر فهمي ويصا (1895-1990) إحدى قيادات الحركة النسائية المصرية في العصر الحديث، حيث كان لها دورًا قياديًا ومؤثرًا خلال ثورة 1919 وما بعدها، والمؤرخة الكنسية الكبيرة إيريس حبيب المصري (1910-1994) صاحبة موسوعة «قصة الكنيسة المصرية»، التي يرجع إليها جميع الباحثين ورجال الكنيسة، وتتلمذ على يدها خلال فترة دراسته بقسم اللغة القبطية بمعهد الدراسات القبطية سنة 1987، وتمنى أن تتولى أي جهة جمع مقالتها المجهولة والمتناثرة في العديد من الدوريات، وأيضًا نظيرة نقولا (1902-1992) التي اشتهرت بلقب "أبلة نظيرة" واحدة من أشهر السيدات اللواتي لعبن دورًا كبيرًا في البيت المصري، وصاحبة أول موسوعة باللغة العربية في فنون الطهي، واعتمد عليها معظم ربات البيوت.
كما تناول الكتاب لأشهر الصحفيين الأقباط منهم: تادرس شنودة المنقبادي (1857- 1932) أول من نادى بفكرة مصر للمصريين، حيث كان اقتصاديًا وطنيًا، وأحد رواد الصحافة المصرية، ومن مؤسسي جريدة مصر، ويمثل ميخائيل عبدالسيد (1860-1914) أهمية كبيرة في تاريخ الصحافة المصرية، فهو مؤسس جريدة الوطن، وأيضًا أنطون سيدهم (1915- 1995) أهم مؤسسي الصحافة القبطية، ودوره في تأسيس أحد أشهر الجرائد القبطية جريدة وطني، التي لا تزال تصدر حتى الآن، ومن أشهر الأقلام التي كتبت العديد من المقالات في الملف القبطي، ودخل في صراع مباشر مع الرئيس الراحل محمد أنور السادات.
وأيضًا من بين الصحفيين الأقباط الذين لعبوا دورًا كبيرًا ومؤثرًا في خدمة قضايا الوطن والأقباط، مسعد صادق (1916-2000) وله عدد كبير من المقالات نُشرت في جريدة وطني وجريدة الفداء، والصحفي العجوز توفيق حبيب مليكة (1880-1941)، فهو مؤرخًا صادقًا وموضوعيًا مولعًا بالكتابة في السير والتراجم.
كما كتب «كامل» عن سيرة حياة الدكتورة أنجيل بطرس سمعان «1923-2011»، أستاذة الأدب الإنجليزي بجامعة القاهرة، التي لم تكتفِ بدورها الجامعي الرائد، وإنما شاركت في العمل العام كعضوة بمجلس الشورى، وأيضًا في خدمة معهد الدراسات القبطية.
كما يُبرز المؤلف شخصية إيريس حبيب المصري «1910- 1994»، ابنة السياسي ورجل المجتمع البارز حبيب المصري، ودورها كمؤرخة من خلال موسوعتها الشهيرة «قصة الكنيسة القبطية».
ويُلقى «كامل» أضواءً مهمة على شخصيات لعبت أدوارًا مهمة، لكن ربما لا يعرفها أغلبنا مثل إيزاك فانوس «1919-2007»، رائد إحياء الفن القبطى المعاصر، وأيضًا أنيس عبيد «1909- 1988» ودوره في ريادة الترجمة السينمائية للأفلام الأجنبية بمصر، كما يكتب عن أحد أهم علماء مصر في القرن العشرين الدكتور رشدي سعيد «1920-2013» عالم الجيولوجيا المشهور، والعاشق لمصر ونهرها نهر النيل.
أبرز المؤرخين الأقباط
1- (يوليوس الاقفهصى) فى القرن الثالث الميلادى أول مؤرخ قبطى معروف، والذي اهتم بتسجيل أخبار الاضطهادات وسير الشهداء.
2- (يوسابيوس القيصري) وهو أسقف القيصرية فى القرن الرابع، ويلقبه البعض بأبو التاريخ الكنسي لريادته المبكرة.
3- (الأنبا يوحنا) أسقف نيقيوس بالمنوفية، فى القرن السابع الميلادي، صاحب المؤلف الشهير (تاريخ العالم القديم) الذى دوَّن فيه تاريخ العالم منذ بدء الخليقة حتى أواخر القرن السابع الميلادي
4- (الأنبا ساويرس بن المقفع) أسقف الاشمونين بالمنيا فى القرن العاشر، المؤرخ الضليع الذى سجل التاريخ القبطى باللغة العربية، فى مؤلفه الثمين "تاريخ بطاركة الإسكندرية"
5- (الأنبا يوساب) أسقف فوة فى القرن الثالث عشر، وهو راهب مقارى كتب "سير البطاركة السكندريين"، وغيره من الكتب التي تبحث في تعاليم الكنيسة.
6- اولاد العسال فى القرن الثالث عشر، وهم افراد عائلة قبطية مثقفة لهم الكثير من المؤلفات، من أشهرهم، الأسعد أبو الفرج هبة الله الذي ألف كتاب في الحساب ودون فيه قواعد فلكية وجدول للبطاركة وأحداث تاريخية وكتاب في اللغة القبطية وغيرها
7- القمص (أبو المكارم سعد الله بن جرجس بن مسعود) أيضا فى القرن الثالث عشر، من أشهر مؤلفاته كتاب "تاريخ الكنائس والأديرة" و"تتمة المختصر فى أخبار البشر".
8- (الأنبا يوحنا) أسقف البرلس، فى القرن الثالث عشر، وهو الشهير بـ"جامع السنكسار".
9- (الأنبا ميخائيل) أسقف اتريب ومليج في القرن السابع عشر الميلادى، وقد جمع سنكسار خاص به، كما كتب عدة كتب من بينها "الطب الروحاني مجموع من قوانين الآباء القديسين وأسئلة وأجوبة معلمي الكنيسة".
10- (إيريس حبيب المصري) عاشت في القرن العشرين أحد ابرز المؤرخين الاقباط عبر التاريخ وأبرز أعمالها قصة الكنيسة القبطية.
وفي النهاية، أرسل كامل تقديري واعتزازي إلى المؤرخ ماجد كامل على دوره البناء والبارز في تدوين التاريخ القبطي، متمنياً له المزيد من التألق والأبداع.