د. رامي عطا صديق
بدعوة كريمة من المركز الإعلامى للكنيسة القبطية الأرثوذكسية، شاركت مؤخرًا فى حضور قداس افتتاح كنيسة القديسين مار مرقس الرسول والبابا كيرلس السادس، بمنطقة مثلث الأمل- التجمع السادس فى القاهرة الجديدة، بحضور قداسة البابا تواضروس الثانى وعدد من الآباء المطارنة والأساقفة والكهنة والشمامسة وبعض الشخصيات العامة، حيث حرص البابا تواضروس على تواجد ممثلين من مختلف الفئات والأعمار، من الأطفال والشباب والشيوخ، والرهبان والراهبات والمكرسات والنواب وأساتذة الجامعات والصحفيين والإعلاميين، بالإضافة إلى عدد من رجال وسيدات الأعمال.

ومن المنتظر عند اكتمال المبانى بهذه المنطقة أن تستقبل المقر الإدارى الجديد للكنيسة القبطية، حيث الكلية الإكليريكية ومعهد الدراسات القبطية ومعهد الكتاب المقدس، والأسقفيات العامة: أسقفية الطفولة والتربية وأسقفية الشباب وأسقفية المهجر، بالإضافة إلى الديوان البابوى، وبعض القطاعات الإدارية والخدمية الأخرى، ما يعكس رؤية ثاقبة تتجه صوب المستقبل، بخطى سريعة.

فى كلمته تحدث البابا تواضروس عن هذا الحدث باعتباره حدثًا تاريخيًا مُهمًا على المستوى الوطنى والكنسى، مُشيرًا إلى أنه مثلما هناك أعمدة كثيرة يقوم عليها معبد الكرنك الشهير بمدينة الأقصر، فإن الدولة المصرية تقوم أيضًا على مجموعة من الأعمدة، منها الجيش والشرطة والقضاء والثقافة والصحافة وغيرها.

وقد ذكرتنى كلمة البابا بما كتبه عميد الأدب العربى الدكتور طه حسين (١٨٨٩-١٩٧٣م) منذ نحو ستة وثمانين عامًا فى كتابه الشهير، بل ربما كتابه الأبرز، «مستقبل الثقافة فى مصر»، الذى صدر بالقاهرة فى صيف سنة ١٩٣٨م، عن أحوال التعليم والثقافة آنذاك، وأهمية التخطيط للمستقبل، ويقع الكتاب فى ستين فصلًا، وقد خصص فصلًا كاملًا عن الأزهر الشريف وفصلًا آخر عن الكنيسة القبطية، حيث أشاد بمكانة الأزهر والكنيسة مُطالبًا بتطويرهما وترقيتهما، فهو يقول فى الفصل الخمسين من كتابه إن الأزهر الشريف مظهر من مظاهر المجد المصرى القديم، وإنه «حمل لواء المعرفة فى مصر وفى الشرق الإسلامى قرونًا متصلة فيجب أن يكون حاضره ومستقبله ملائمين لماضيه المجيد ويجب أن يكون عنوانًا للمجد المصرى الحديث كما كان عنوانًا للمجد المصرى القديم، وسبيل ذلك أن تكون الثقافة التى تصدر عنه والمعرفة التى تُطلب ملائمتين أشد الملاءمة لحاجات الناس وآمالهم فى هذا العصر الحديث».

وفى الفصل الحادى والخمسين يقول الدكتور طه حسين إن «الكنيسة القبطية مجد مصرى قديم، ومقوم من مقومات الوطن المصرى. فلا بد من أن يكون مجدها الحديث ملائمًا لمجدها القديم ولا ينبغى أن نخلى بين رجالها وبين هذه المحافظة الخاطئة التى قد تغض من هذا المجد وتضع من قدره. وما ينبغى أن نقارن بين رجال الكنيسة القبطية ورجال الكنائس الأخرى فنرى هذه الفروق التى أقل ما توصف به أنها لا تلائم الكرامة المصرية ولا ينبغى أن يرضى عنها المصريون».

لعل هذه هى مصر بأزهرها وكنيستها، حيث المنارة والمئذنة، جرس الكنيسة وأذان المسجد، ما يعكس غنى وثراء الشخصية المصرية، الأمر الذى يمكن التعبير عنه بالتعددية الحاضنة للتنوع، أو بعبارة أخرى التنوع فى إطار الوحدة، إذ تقوم الدولة المصرية على مجموعة من الأعمدة، التى يجب أن تعمل معًا فى إطار من التنسيق والتناغم والتشبيك والتكامل، من أجل بناء الجمهورية الجديدة التى نتطلع إليها، دولة مواطنة وقانون ومؤسسات، تؤمن بالديمقراطية والعدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان وغيرها من منظومة القيم الإيجابية.

نعم تقوم الجمهورية الجديدة على مجموعة من الأعمدة، تتواصل وتتفاعل فيما بينها، وهذه الأعمدة تتمثل فى المؤسسة العسكرية «الجيش»، والمؤسسة الشرطية، ومؤسسة القضاء، والمؤسسة التشريعية المُتمثلة فى مجلس النواب ومجلس الشيوخ.

ومن أعمدة الدولة أيضًا التعليم فى مختلف مراحله، فى المدارس والجامعات، والبحث العلمى فى الجامعات والمعاهد والمراكز البحثية، والثقافة بمختلف مؤسساتها وأنشطتها، والفن بضروبه وأنواعه، حيث الفنون الدرامية والتشكيلية والبصرية وغيرها، والرياضات المتنوعة فى الأندية والمراكز الشبابية، كذلك الصحافة وغيرها من وسائل الإعلام، بالإضافة إلى جمعيات ومؤسسات المجتمع المدنى، التى تعكس العمل الخيرى فى المجال العام، وما تقوم به من خدمات، والقطاع الخاص، والعاملين فى مختلف المهن من أساتذة الجامعة والتربويين والأطباء والصيادلة والمهندسين والمحاسبين والمحامين والمبرمجين، والفنيين والعمال والفلاحين، وغيرهم من أصحاب الحرف والمهن.

وهكذا يشارك كل عمود بنصيبه فى خدمة المجتمع، من حيث تنميته وترقيته والنهوض به، من زاوية مساهمة الجميع فى تحمل المسؤولية نحو الوطن ومواطنيه، من أجل الحاضر والمستقبل أيضًا.
نقلا عن المصرى اليوم