الجزء الثاني : الآباء الكهنة
إعداد/ ماجد كامل
والآن موعدنا مع الجزء الثاني من عرض الكتاب الشيق " الأسقف والكاهن مفاهيم رعوية " لقداسة البابا تواضروس الثاني ، وهو الجزء الخاص بالآباء الكهنة . وفيها يقدم قداسته بعض النصائح العملية للآباء الكهنة . نذكر منها :
1- في السنة الأولى من الرسامة تخصص بالكامل للافتقاد ، لا تصنع فيها شيئا آخر سوى الافتقاد ،بجوار بالطبع جميع الصلوات والخدمات الطقسية من قداسات وعشيات .... الخ .
2- لا يأخذ الكاهن أي نوع من الاعترافات على الأطلاق ، ولكن تخصص كلها لافتقاد الشعب بالكامل بيت بيت وأسرة أسرة . وإن لم تكفي السنة يمكنك أن تكمل ما بعد السنة بضع شهور إلى أن يكمل الافتقاد .
3- يمكنك بعد ذلك وبمساعدة الآباء الكهنة الذين معك أن تبدأ في تلقي الاعترافات في قطاع صغير ومع الأيام يزداد .
ويجب أن يراجع الكاهن نفسه كل يوم ، ويركز على ثلاثة عناصر هي :
1-المحبة وماذا فعل فيها ؟
2-الوحدانية ماذا فعل فيها ؟ .
3-الأبوة ماذا فعل فيها ؟ .
ويجعل هذه العناصر الثلاثة محور اعترافه الشخصي وحياته الروحية كلها ، فليس شرطا أنه طالما صار كاهنا تكون حياته الروحية تماما !! . أبدا بل هي جهاد مستمر يجب أن ينمو ويزداد .
وعن صفات الكاهن الزارع ، ، يؤكد قداسته أن عمل الكاهن الأول هو الزرع ، والكاهن يستطيع أن يزرع :
1-الصلاة : عمل الكاهن الأول هو الصلاة ، سواء كانت ( صلواته الخاصة ،مزاميره ، الصلوات العامة الطقسية التي يقوم بها في القداسات والعشيات والتسابيح والألحان والمردات وليالي السهر الروحية ...... الخ ) .
2- الكاهن يزرع التوبة : فالكاهن متوب لكل قلب ، وينبغي أن يكون تائبا دائما ، ويجب أن يكون قلبه نقيا دائما ، يحفظ نقاوة قلبه ،حواسه ، سلوكه ،كلامه .... الخ .
ودور الكاهن الأساسي أن يساعد كل إنسان على التوبة ، ويهيا له الظروف من أجل نقاوة القلب .
3-الكاهن يزرع الأبوة الحانية : فالناس لا تختاج من الكاهن أي شيء آخر أكثر من الأبوة ،وهذه الأبوة هي التي حفظت لنا كنيستنا عبر العصور ، ولذلك أحيانا يقولون " بابان لا يغلقان أبدا : باب الطبيب وباب الكاهن " .
والأبوة تتجللى معانيها القوية في الافتقاد ،عندما يزور البيوت ، ويستمع لكل فرد ويعلم بأحواله ، فهو يمارس بالحقيقة هذه الأبوة .
4- الكاهن يزرع الأمانة : والكاهن الحقيقي هو إنسان بالغ الأمانة في كل عمل يعمله ، فأمانته وضميره هي التي تضبط كل شيء في حياته ، والكتاب المقدس يقول " كن أمينا إلى الموت " ( رؤ 2 : 10 ) .
ثم يعطي قداسته بعض النصائح العملية لفترة الأربعين يوما التي يقضيها الكاهن وهي :
1-لا تنشغلوا بأمور كثيرة ، لأن فترة الأربعين يوم فترة خلوة وخدمة ، وتعليم وفترة مراجعة للنفس ، واستلام الألحان والطقس .
2-أعطوا فرصة كافية للكاهن الجديد ان يقضي فترة الخلوة في حياة روحية ، فليس مناسبا تكرار الزيارت الكثيرة .
وتوجد مباديء أساسية في حياة الكاهن هي مقياس نجاح خدمته . وقوة الكاهن تظهر من خلال :
1-الصلاة والعلاقة بالكتاب المقدس .
2- محبة الكاهن تظهر من خلال الأبوة والافتقاد .
3-فرح الكاهن هو "عمل التوبة وقداسة السيرة .
4-سلام الكاهن يأتي من خلال الحكمة والمشورة .
ومفتاح نجاح خدمة الكاهن تأتي من خلال الصلاة ، العلاقة بالكتاب المقدس .
وفرح الكاهن الحقيقى هو تتويب النفوس . وسلام الكاهن يأتي من نجاح الخدمة ، وطالما توجد المشورة وتوجد الحكمة في كل تصرف ، تصير حياة الكاهن في سلام ، وهذه الحكمة نطلبها من الله من خلال الصلاة ، وأيضا من خلال الممارسة ، والحكمة تتضح أيضا من خلال المشورة ، فالكاهن يجب أن يستشير الآخرين ، سواء زملائه من الآباء الكهنة ، أو الأب الأسقف الذي في الإيبارشية . إما أن سلك الإنسان بذاته وفكره وكرامته فغالبا ما تكون خدمته غير ناجحة .
ومن أخص مسئوليات الكاهن هي :
1-تتويب النفوس .
2-تعليم النفوس .
3-تكريس النفوس .
4-تشجيع النفوس .
5-تقدير النفوس .
ويعطي قداسته خمس وصايا للكهنة في خدمتهم ، يمكن تلخيصها في النقاط التالية :
1- أن صرت كاهنا فاتضع : والاتضاع ليس مجرد كلمة تقال ، ولكنه حياة . والمتضع إنسان يستطيع أن يقاوم ذاته ، ويقاوم تسلطه ، لذلك علمنا الآباء ان الاتضاع هو الأرض الحاملة لكل الفضائل .
2- الافتقاد : الافتقاد لكل بيت وكل احد ، ولا يجب أن يكون للكاهن جماعة خاصة، افتقد الفقير والمحتاج والبعيد ، وهذا الافتقاد يجب أن يكون منظما وبجدول .
3- الاحتمال : يقول القديس بولس الرسول لتلميذه تيموثاوس " احتمل المشقات " ( 2 تي 4 : 5 ) . يحتمل خطايا شعبه ، يحتمل متاعبه ومشاكله الخاصة ،
4- الاهتمام بالقراءة والدرس : فالإنسان يجب أن يعكف على القراءة والدرس باستمرار . والكتاب يقول " هلك شعبي من عدم المعرفة " ( هو 4 : 6 ) ، فالإيمانيات والعقائد والطقوس أمور ثابتة في كنيستنا عبر تاريخها الطويل ، ولكن يجب أن تقدم بأساليب مناسبة للعصر باستمرار ، وتكون هذه المعرفة متجددة باستمرار . والقراءة والدرس أمور وثابتة تمتد عبر العمر كله ، ادرس انجيلك وعش به ،
5- الكلمة الأخيرة في حياة الكاهن ، هي أفرح فرحا روحيا حقيقا ، "افرحوا في الرب كل حين وأقول أيضا أفرحوا " ( في 4 : 4 ) . وكن إنسان ناقلا للفرح ، فليس من المناسب أن نخدم ووجوهنا عابسة ، افرح أيها الكاهن في كل المناسبات ، وحياة الفرح هي التي تظهر لنا سلامة الحياة المسيحية
والمعنى الحقيقي للكاهن هو " الأبوة " ، وهي كلمة تتكون من معاني الحروف التالية :
1-الحرف الأول ( أ) : ويعني بها الأمانة المطلقة ، "كن أمينا إلى الموت ،فسأعطيك أكليل الحياة " ( رؤ 2 : 10 ) .
2-الحرف الثاني ( ب) : ويعني بها البذل ، والراعي الصالح يبذل نفسه عن الخراف ( ) .
3- الحرف الثالث ( و) : ويعني بها الوقار ، والمقصود بها أن يكون الإنسان ذو قار كالملائكة والقديسين .
5- الحرف الرباع ( حرف الهاء ) : بمعنى الهيبة ، يرى فيك الآخرون صورة القديسين الأبرار .
وهناك مجموعة من الصفات التي تساعد الأب الكاهن أن يمارس الأبوة بشكل سليم هي :
1-الوقت المنظم : أن يكون وقتك موزعا بطريقة صحيحة ، ولا يضيع وقته في أمور كثيرة ليس لها أهمية . مثل قضاء ساعات طويلة على الأنترنت ، أو أمام التلفزيون .
2-قدم وقتا فيه استماع للآخر : أن تسمع للآخر ، فهذا شيء في غاية الأهمية ، وهذا يرينا أهمية سر الاعتراف ، وهناك حاليا علم وعلاج بالكلام ، مجرد أن تنصت لمن يشكو ، فهو يستريح من أتعابه .
3-وقت للقراءة والمعرفة : لا تأخذ بالعناصر السهلة أو التحضير من شبكة الأنترنت ، ولكن تقضي وقتك في قراءات متعمقة أو تأليف كتب مفيدة وعميقة .
4-وقت للصلاة : وهي من أهم المقومات في حياة الأب الكاهن ، تنفرد فيه بذاتك وترفع قلبك إلى الله .
5-وقت للراحة : والراحة لا تعني الكسل ، الراحة تدخل تحت بند الوصية " قدس يوم الرب " وهي أحدى الوصايا العشر .
وهناك أدوار مهمة في موضوع الأبوة يجب أن نضعها في الاعتبار هي :
أ- اعمل دائما مع الناس : أبوتك تظهر في العمل مع الآخرين وليس العمل المنفرد . الأبوة طاقة عمل مثل المايسترو ، والمايسترو لا يعزف على آلة لكنه بيده يحرك كل الفرقة .
ب- ضع خططا لاشباع الاحتياجات الحقيقة للرعية : ابحث عن كل شخص واشبع احتياجاته الحقيقية .
ج-الأبوة طاقة عمل في خدمة احتياجات الكل : فعندما تساعد بنتا في استكمال تعليمها ، أو توجد فرصة عمل لشخص ليس لديه عمل ، أو عمل مشروع صغير لشخص لكي يتعايش منه .
د- الأب لا بد أن يكون له ذاكرة نشطة : يحفظ بها أسماء أولاده ومن هم حوله ويناديهم بأسمائهم ، يحفظ أعياد ميلادهم والزواج .... الخ .
ه- المتابعة المستمرة : في حالات المرض ، السفر ، الامتحانات ، النجاح .... الخ .
و- الأب يجب عليه أن يدبر احتياجات أولاده : إن كان هناك نوع من التدريب أو المنح الدراسية .
ز- الأب دائما يحفظ المواعيد : إن أعطيت ميعاد الساعة السادسة ، لا تذهب الساعة الثامنة ،فالأب لا بد أن يحترم المواعيد .
ويضع لنا قداسته مفاتيح مهمة في حياة الكاهن هي :
1-مفتاح المعرفة : معرفة بالكتاب المقدس " في ناموسه يلهج نهارا وليلا " ( مز 1 : 2 ) . لذا يجب أن يكون إنجيلك مفتوحا أمامك كل يوم ، أدرس الكتاب وعيش في معاني الأسفار . تعلم منها لكي تشبع بها مخدومك بعد ذلك .
وإذا نجحت أن توصل إنجيلك لكل إنسان ، سوف تكون النتيجة نمو شعبك في الفضيلة والمعرفة .
2-مفتاح النعمة : مفتاح النعمة هو الاتضاع ، ولقد قال السيد المسيح "تعلموا مني فأني وديع ومتواضع القلب " ( مت 11 : 29 ) كما وضعت لنا السيدة العذراء هذا المبدأ "أنزل الأعزاء عن الكراسي ورفع المتضعين "( لو 1 : 52 ) .الكاهن يجب أن يكون وديعا ،متواضع القلب ، مفتاح النعمة هو اتضاع الإنسان وتخليه عن ذاته .
3-مفتاح الأبوة : وهو أن تصير أبا للكل ، والأبوة تعني أن يتعب الإنسان ويحتمل ، ونحن نقول في صلاة باكر " محتملين بعضكم بعضا بالمحبة ، مسرعين إلى حفظ الروح برباط الصلح الكامل " أف 4 : 2-3 ) .
4-المفتاح الرابع قانونك الروحي : فالأب الكاهن يجب أن يكون له قانونه الروحي الخاص به ، صلواتك وانجيلك وأصوامك وأب اعترافك ، كقول معلمنا القديس بولس الرسول " حتى بعد ما كرزت للآخرين ، لا أكون أنا نفسي مرفوضا "( 1كو 9 : 27 ) .
5-المفتاح الخامس: مفتاح الملكوت :هو أمانتك ونقاوتك يقول السيد المسيح له المجد " من أجلهم أقدس أنا ذاتي " ( يو 17 :19 ) . ومفتاح الملكوت هو أمانتك ، امانتك على إيمان الكنيسة المستقيم ، أمانتك في الشئون المالية ، أمانتك في علاقتك مع كل أحد ، والكتاب يقول " كن أمينا إلى الموت فسأعطيك إكليل الحياة " ( رؤ 2 : 10 ) .
وعن المسئوليات التي يحملها الأب الكاهن ، يذكر قداسته :
1-الكاهن مسئول أمام الله : سواء عن النفوس ، أو الإدارة ، أو التدبير .
2-مسئول أمام الكنيسة : وهذه المسئولية أنت ملتزم بها أمام المذبح ، وعند ظهور أي خطأ تتعرض للمساءلة والتحقيق والعقاب ، والذي يحبه الرب يؤدبه ( عب 12 : 6 ) .
3-مسئول أمام شعبك : وهذه المسئولية أنت ملتزم بها أمام الكنيسة وأمام الشعب .
4-مسئول أمام نفسك : يجب أن يكون ضميرك حيا ، وتأنب نفسك وتحاسب نفسك على كل خطأ أخطاته ،
ويضع قداسته سبع نقاط مرفوضة من الأب الكاهن ، وتشمل :
1-مرفوض أن تهمل زوجتك وأبنائك وبناتك خاصة إذا كانوا أطفالا صغارا .
2-مرفوض أن يكون لك خاصة من الناس ، فالكاهن أب للجميع وليس لمجموعة محددة .
3-مرفوض أن تتشبه بالعالم وبأحاديث العالم ، فأنت تحمل عمل الروح ، وعمل الروح هو أن تشبع كل إنسان .
4-مرفوض أي استهانة أو استهتار أو لا مبالاة أو عدم احترام لوضعك الكهنوتي .
5-مرفوض العناد والسلبية وغياب الطاعة ومحبة السلطة ومحبة الذات
6-مرفوض عمل الشعبيات : فالسيد المسيح كان يهرب من الجموع ، وهناك فرق كبير بين الشعبية والأبوة .
7-مرفوض الاستفادة بأي صورة مالية أو معنوية من كهنوتك . هذه نقطة شديدة الخطورة يجب ان ترفض تماما أي استفادة من كهنوتك بأي شكل .
والعمل الناجح الذي يجب أن يلتزم به كل أب كاهن هو أن يكون :
1- مفتقد لشعبه : يزور كل بيت ويجلس مع كل أسرة .
2- معلم يعظ : الفرق بين المحاضر والمعلم أن المحاضر يقدم مادة علمية ، بينما الواعظ فهو يقدم لك السيد المسيح بطريقة عملية ، ويقودك إلى التوبة . والكاهن يجب أن يهتم بالصفتين : التعليم والموعظة .
3- يجب أن يكون صالح لتلقي الإعترافات : فالأصل في الكهنة أنهم لا يتلقون أي اعترافات إلا بعد مرور فترة زمنية معينة يكتسب فيها بعض الخبرات العملية ، ولكن إزاء زيادة عدد المعترفين ، أصبح الكاهن يتلقى الاعترافات بعد سنة من الرسامة .
4- أن يكون معمر : يهتم بتبني مشاريع يفيد بها الكنيسة ويخدم بها المجتمع ، مثل ( المدارس – العيادات - مراكز تدريب مهني ... الخ ) . فالكنيسة لها دورين :
أ- الدور الروحي : وهو خلاص النفوس ووصول كل نفس إلى السماء .
ب- دور اجتماعي : وهو خدمة المجتمع .
5-يجب أن يكون رجل صلاة :. والصلاة تصدر من القلب ، ويحرص ان يشرك الشعب معه في الصلاة ،ويشرح لهم المعاني الغامضة في الصلوات ، بحيث تكون الصلوات بفهم ووعي .
6-مجامل : سواء في الأفراح أو الأحزان ، فرحا مع الفرحين وبكاءا مع الباكين " ( رو 12 : 15 ) .
6- مثال ونموذج وقدوة : بحيث لا تصدر منه أي عثرة ، لا بالكلام ولا بالتصرف ولا من خلال أسرتك .
وعلاقات الأب الكاهن يجب أن تكون جيدة ، وهذه العلاقات الجيدة تشمل ( العلاقة مع نفسك ، العلاقة مع أسرتك ، العلاقة مع أسقفك ، العلاقة مع أخوتك الكهنة ، العلاقة مع شعبك ، العلاقة مع عقيدة كنيستك ، وأخيرا العلاقة مع مسيحك ) .
فالعلاقة مع نفسك :صراحة .
العلاقة مع أسرتك : رعاية .
العلاقة مع أخوتك الكهنة : لياقة :
العلاقة مع الأب الأسقف : أمانة .
العلقاقة مع شعبك : أبوة .
العلاقة مع كنيستك : شهادة .
العلاقة مع مسيحك : معرفة شخصية بالمسيح وعبادة بالروح .
أمامك يارب خاضعين ( صفحة 221 ) .
وبعد ، هىذه هي الحلقة الثانية من سلسلة منهج الرعاية عند قداسة البابا ، الحلقة الأولى خاصة بتوجيهات للآباء الأساقفة ، والحلقة الثانية توجيهات خاصة للآباء الكهنة ، وتبقى لنا حلقة ثالثة وأخيرة ، وهي الخبرات الشخصية التي عشتها مع قداسته وتشهد له بعمق معاني الأبوة ، الرعاية ، الاحتضان ، التشجيع والتحفيز ، تذليل كل العقبات أمامي ، الحرص على إطهار عملك وجهدك للآخرين . وهي كلها خبرات خاصة جدا أختبرتها أنا بنفسي شخصيا أرجو أن يتاح لها فرصة الظهور للنور في التوقيت المناسب إن شاء الرب وعشنا .
وإلى منتهى الأعوام يا سيدنا قداسة البابا الحبيب والحبيب جدا .