ياسر أيوب
خسارة السعودية المفاجئة، أمس الأول، بهدفين أمام إندونيسيا فى تصفيات آسيا للمونديال المقبل.. حكاية يفيض بمثلها تاريخ كرة القدم فى العالم كله والنتائج التى تخاصم المنطق والتاريخ وأى حسابات كروية.. واعتاد كثيرون مع هذه المفاجآت التوقف أمام الذين خسروا وليس الذين انتصروا.. لكننى سأتوقف أمام إندونيسيا ليس كدولة فازت فى مباراة ضد كل التوقعات والحسابات.
إنما كدولة خاصمتها وعاندتها كرة القدم كثيرا، ومؤخرا تحاول بدء علاقة جديدة مع اللعبة التى يعشقها أهلها.. محاولة اختلط فيها التاريخ بالجغرافيا والانتماء باللعب والاغتراب بالحب، وكل ذلك داخل ملعب كرة.. فحتى 1949 كانت إندونيسيا مستعمرة هولندية اسمها جزر الهند الشرقية وبهذا الاسم تأهلت فى 1938 لأول وآخر مرة لنهائيات المونديال، حيث خسرت أمام المجر بستة أهداف.
ونتيجة للاحتلال الهولندى الطويل رحل إندونيسيون كثيرون واستقروا فى هولندا، لكنهم ظلوا يورثون أبناءهم وأحفادهم الحب والانتماء للوطن الأم الذى يسكن قارة أخرى بعيدة عن أوروبا.. والذين بقوا فى إندونيسيا تعلموا من الهولنديين حب ولعب كرة القدم وأسسوا اتحادهم 1930 بعد صراع طويل ومطاردات بوليسية.. وبعد الاستقلال عن هولندا.. أدرك أحمد سوكارنو، أول رئيس لإندونيسيا، الدور الذى يمكن أن تلعبه كرة القدم فى دولة تضم مختلف الأعراق واللغات.
فبدأ الاهتمام الرسمى باللعبة الذى لم يسفر عن أى إنجاز كروى حقيقى.. فلم تتأهل إندونيسيا لنهائيات كأس آسيا سوى ست مرات بداية من 1996 وأفضل نتائجها كان الوصول لدور لـ 16 فى 2023.. وفازت ببرونزية كرة القدم فى دورة الألعاب الآسيوية 1958.. وفازت مرتين ببطولة جنوب شرق آسيا فى 1987 و1991.. ولم يبدأ دورى حقيقى فى إندونيسيا إلا 1994.
وحين تولى إريك توهير رئاسة الاتحاد الكروى الإندونيسى العام قبل الماضى.. أدرك، بخبرته الكروية كمالك سابق لنادى إنتر ميلان الإيطالى وأندية أخرى أوروبية وأمريكية، أن إحياء كرة القدم من جديد فى بلد هى الرابع فى العالم من حيث عدد السكان يعشق معظمهم هذه اللعبة يحتاج للاستعانة بلاعبين هولنديين لاتزال تربطهم بإندونيسيا روابط التاريخ وجذور عائلاتهم.. وبدأ توهير يجمع هؤلاء ويعود بهم إلى إندونيسيا.
وبأربعة عشر لاعبا منهم تأسس منتخب جديد لإندونيسيا.. كان منهم مارتين بايس، حارس مرمى منتخبات هولندا للناشئين والشباب، وأكثر من ناد هولندى قبل أن ينتقل منذ عامين لنادى دالاس فى الدورى الأمريكى.. لكنه انتقل إلى إندونيسيا هذا العام ونال جنسيتها ولعب لها تنفيذا لوصية جدته التى عاشت معظم سنين عمرها فى هولندا دون أن تنسى إندونيسيا.. ولا يعنى الفوز على السعودية نجاح التجربة، فالطريق لايزال شاقا وطويلا أيضا.
نقلا عن المصرى اليوم