محرر الأقباط متحدون
"إن التأمل بالمسيح الحي يسمح لنا بأن نتحلى بالشجاعة لننطلق إلى المستقبل، واثقين بكلمة الرب التي تتحدانا: لنعبر إلى الشاطئ المقابل" هذا ما قاله قداسة البابا فرنسيس في كلمته إلى المشاركين في الجمعية العامة الأولى لدائرة الثقافة والتربية
استقبل قداسة البابا فرنسيس صباح اليوم الخميس في القصر الرسولي في الفاتيكان المشاركين في الجمعية العامة الأولى لدائرة الثقافة والتربية وللمناسبة وجّه الأب الأقدس كلمة رحّب بها بضيوفه وقال إنَّ العالم لا يحتاج إلى مكرِّرين ومردّدين لما هو موجود، بل يحتاج إلى مصممي رقصات جدد، إلى مترجمين جدد للموارد التي يحملها الإنسان في داخله، إلى شعراء اجتماعيين جدد. في الواقع، ليست هناك حاجة إلى نماذج تعليمية تكون مجرد "مصانع نتائج"، بدون مشروع ثقافي يسمح بتنشئة أشخاص قادرين على مساعدة العالم على فتح صفحة جديدة والقضاء على عدم المساواة والفقر المستشري والإقصاء. إن أمراض العالم الحالي ليست قدراً علينا أن نقبله بشكل سلبي. ينبغي على المدارس والجامعات والمراكز الثقافية أن تعلمنا أن نرغب وأن نبقى متعطشين وأن تكون لنا أحلام، لأننا، وكما تذكرنا رسالة القديس بطرس الثانية، "سماوات جديدة وأرض جديدة يقيم فيها البر".
تابع البابا فرنسيس يقول لذلك أحثكم: افهموا رسالتكم في المجال التربوي والثقافي كدعوة لكي توسِّعوا آفاقكم، لتفيضوا بالحيوية الداخلية، ولكي تفسحوا المجال لإمكانيات جديدة، ولكي توزعوا أساليب العطية التي تتسع فقط عندما يتم تقاسمها. من واجبنا أن نقول للمربي والفنان: "كن زاخرًا ودفّاقًا!". ليس هناك داعٍ لكي نسمح للخوف بأن يغمرنا. أولاً، لأن المسيح هو مرشدنا ورفيق سفرنا. ثانيًا، لأننا حراس إرث ثقافي وتربوي أعظم منا. نحن ورثة عمق فكر القديس أوغسطينوس. نحن ورثة شعر أفرام السرياني. نحن ورثة مدارس الكاتدرائيات والذين اخترعوا الجامعات. نحن ورثة توما الأكويني وإديث شتاين. نحن ورثة شعب أُكلت إليه أعمال الطوباوي أنجيليكو وموزارت، أو في الآونة الأخيرة لمارك روثكو وأوليفييه ميسيان. نحن ورثة فنانين سمحوا لأسرار المسيح أن تلهمهم. نحن ورثة علماء حكماء مثل بليز باسكال. باختصار، نحن ورثة الشغف التربوي والثقافي للعديد من القديسين والقديسات.
أضاف الأب الأقدس يقول وإذ تحيط بنا هذه المجموعة من الشهود، لنتخلص من كل عبء تشاؤم. ولنلتقي، بكل ما أوتينا من قوة، لكي نخرج الإنسان من ظلال العدمية التي ربما تكون أخطر آفات ثقافة اليوم، لأنها هي التي تدَّعي محو الرجاء. وإذا كان لي أن أبوح بسر، أنا أشعر أحيانًا بالرغبة في أن أصرخ في آذان هذا العصر: "لا تنسى الرجاء!". أنا أعتمد عليكم لكي تمتدَّ هذه الصرخة في سنة اليوبيل الذي أصبح قريبًا. هناك الكثير الذي ينبغي القيام به: لقد حان الوقت لكي نشمر عن سواعدنا!
تابع الحبر الأعظم يقول يوجد اليوم في العالم أكبر عدد من الطلاب في التاريخ. هناك أرقام مشجعة: حوالي ١١٠ مليون طفل يكملون التعليم الابتدائي. ومع ذلك، لا تزال هناك تفاوتات محزنة. في الواقع، هناك حوالي ٢٥٠ مليون طفل ومراهق لا يذهبون إلى المدرسة. ومن الواجب الأخلاقي أن نغيِّر هذا الوضع. لأن الإبادة الجماعية الثقافية لا تحدث فقط من خلال تدمير إرث ما؛ وإنما الإبادة الثقافية تكون أيضًا عندما نسلب الأطفال مستقبلهم، وعندما لا نوفر لهم الظروف التي تجعلهم يصبحون ما يمكنهم أن يكونوا عليه.
أضاف الأب الأقدس يقول في كتابه "أرض البشر"، يتنقّل أنطوان دو سانت إكزوبيري في عربات الدرجة الثالثة في قطار مليء بعائلات من اللاجئين. ويتوقف لينظر إليهم. ويكتب: "هناك جرح يعذبني [...] يعذبني أن في كل واحد من هؤلاء الأشخاص هناك موزارت صغير، قد تمَّ قتله". إن مسؤوليتنا هائلة. أكرر: هائلة! أن نربي يعني أن نتحلّى بالجرأة لكي نثبِّت الآخر ونشجّعه بتعبير القديس أوغسطينوس: " Volo ut sis": "أريدك أن تكون". من أحد المجالات المهمّة التي تحدد التغيير التاريخي هي القفزات الهائلة التي تحدث في التطور العلمي والابتكارات التكنولوجية. لا يمكننا اليوم أن نتجاهل ظهور التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي، بكل تبعاته. هذه الظاهرة تضعنا أمام أسئلة حاسمة. وبالتالي أدعو مراكز الأبحاث في جامعاتنا لكي تلتزم في دراسة الثورة الحالية، وتسلِّط الضوء على فوائدها ومخاطرها. وأكرر: لا يجب علينا أن نسمح لشعور الخوف بأن ينتصر. تذكروا أن التحولات الثقافية المعقدة غالبًا ما تثبت أنها الأكثر خصبًا وإبداعًا لتطور الفكر البشري. إن التأمل بالمسيح الحي يسمح لنا بأن نتحلى بالشجاعة لننطلق إلى المستقبل، واثقين بكلمة الرب التي تتحدانا: "لنعبر إلى الشاطئ المقابل".
وخلص البابا فرنسيس إلى القول أشكركم على التزامكم وأصلّي لكي ينيركم الروح القدس في عملكم. ولترافقكم العذراء مريم، كرسي الحكمة، في هذه المسيرة. أبارككم وأسألكم من فضلكم أن تصلوا من أجلي.