Oliver كتبها
كما خلق الله أنواراً فى السماء تنير الأرض'> ظلمة الأرض هكذا أيضاً جعل القديسين أنواراً  فى العالم لتنير القلوب و الأفهام و الإيمان.و كما لا تخلو السماء من الكواكب المنيرة أيضاً لا يخلو جيل على الأرض من سحابة الشهود التى تشدنا للجالس على العرش.
 
مارمينا قديس لنا فيه دروس كثيرة حية باقية.إسمه مينا و هي صيغة لكلمة (آمين) .كانت أمه تطلب أن تنجب و كانت تتشفع بالعذراء قدام أيقونتها فخرج صوت من الأيقونة بعد طلبتها يقول آمين. هذا هو الدرس فى الشفاعة.كل شفاعات القديسين تتلخص فى كلمة آمين التي يقولونها بعد طلباتنا.فالقديسون فى السماء لا يعيدون صياغة طلباتنا.بل يقدمونها كما هى فقط بالإشتراك معنا بقولهم آمين بعد كل طلبة نتشفع بهم عنها.كما أن الخدام أخبروا العذراء فى عرس قانا الجليل أن الخمر فرغت فقد أخذت نفس الطلبة إلى إبنها يسوع قائلة : ليس لهم خمر.إنها نفس (الآمين) .يو2
 
مارمينا إبن رجل مسيحي ذو منصب مات و تركه صغيرا فعينه الوالي برتبة عالية في الجندية تكريماً لوالده رغم صغر سنه (15 سنة) .لكن مارمينا إستخدم رتبته لتكريم المسيح  ثم لما غلبه الشوق للمسيح ترك الجندية و ذهب إلى صحراء الإسكندرية ليتفرغ لمحبة المسيح.إنه درس في نمو الإيمان.المؤمن الأمين لا يتوقف عند مستوى للمحبة بل ينتقل من محبة إلى محبة أعمق.لذلك قضى مارمينا خمس سنوات متوحداً فى الصحراء.قبل تأسيس الرهبنة لأنه سبق أنبا أنطونيوس. ولد مارمينا بعد ميلاد أنبا أنطونيوس بسنوات  سنة 285 م . أستشهد مارمينا فى سن 24 سنة و لم تكن رهبنة أنبا أنطونيوس قد اشتهرت أو توسعت حينها لكن وجود رهبان سابقين كان تمثلاً بيوحنا المعمدان و تشبهاً ببتولية بولس الرسول.
 
لما رأى الرب نموه الروحى نقله إلى درجة أعلى للإيمان.,أراه فى رؤيا أن الملائكة تضع أكاليل فوق رؤوس الشهداء الذين شهدوا للمسيح قدام السيف برغم العذابات.و سمع وعدا من الله بثلاثة تيجان يأخذها.واحد للبتولية و ثاني للنسك و ثالث للشهادة. التيجان ليست مادية لكنها تعني أن المسيح يقول لمارمينا. لك مكافأة على محبتك حين كرست قلبك لي.و لك مكافأة حين عشت متوحدا فى الصحراء و لك مكافأة الشهادة بإسمي.فلا يوجد مع المسيح جهد ضائع أو تعباً منسياً.كل شيء له مكافأة صغيراً كان أو كبيراً.إشتهي القديس مينا المحبة العظمي أن يبذل الإنسان نفسه لأجل حبيبه المسيح.لأجل إيمان الكنيسة.لأجل أبديته. فترك الوحدة إلى أعلى درجات المحبة أى الإستشهاد.
 
إستشهد القديس و وضع جثمانه في كنيسة بالإسكندرية ثم ظهر للبابا أثناسيوس فى رؤيا و طلب دفنه في صحراء مريوط.و بقي هناك مثل كنز مختبئ ليكون للكنيسة مدخرات روحية تنفق منها فى أزمنة ضعف الإيمان.و بقي الكنز مجهولاً حتى يظهر في حينه.
 
بعد حوالي مئة عام إكتشف أحد الرعاة الجسد و تمت معجزة شفاء ابنة الملك زينو ببركة جسد القديس فبني كاتدرائية القديس (ميناس) تكريما له.بفعل  الطغيان تهدمت الكنيسة و اختفى الجسد مرة اخرى لينتظر عملا جديدا فى حينه.
 
بقيت آثار الكنيسة المتهدمة و بقيت بعض القصص بين الحين و الحين عن مارمينا و معجزاته.حتى تم إختيار البابا كيرلس السادس للكرسي المرقسى فوضع في قلبه شوقاً عاماً و هو  إحياء الكاتدرائية المتهدمة و شوقاً خاصاً و هو مصادقة القديس مينا.و ما أجملها  و ما أعجبها صداقة بين قديس على الأرض مع قديس في السماء.و صرنا نرى علاقة روحية مبهرة عجيبة لم تتكرر كثيرا فى تاريخ الكنيسة.حتى يمكن أن نقول مجازاً أن مارمينا كان المرشد الروحى للبابا كيرلس طوال حبريته.و الآن لا يستطع أحد أن يسرد حياة البابا كيرلس دون أن يكون لمارمينا نصيبا كبيرا فيها.جيد أن نشتهي و نتهيأ لصداقة السمائيين.
 
التأثير الحقيقي للقديس لا يأتي من معجزاته.بل من نهاية سيرته أى المكافأة السمائية لعشرته مع المسيح.فى أزمنة ضعف التعليم يختزلون العظات في معجزات.
 
فينبهر الناس و يتمني كل السامعين أن تحدث له معجزة.بينما التعليم النقي هو الذى يأخذ من الشهداء قوة الإيمان و من النساك قوة المحبة و من التائبين حرارة التوبة فيتألق القلب بإستنارة من الروح القدس و تتحقق أعظم معجزة أى يصبح الإنسان الأرضي مِلكاً للإله السماوى.
 
أكثر أيقونات مارمينا تصوره و هو يصلى.لأنه هو بنفسه إبن الصلاة.كانت أمه تطلبه من المسيح فلما وهبها الطفل صار للمسيح.فليكن فينا هذا المثال.أن كل ما نأخذه من المسيح نعيد تقديمه بإرادتنا الحرة للمسيح الرب.سواء أشواق أو أملاك أو نسل أو عمل أو خدمة أو منصب.
 
للشهيد مارمينا أيقونة من القرن الخامس محفوظة الآن في متحف اللوفر فيها يضع السيد المسيح يده برفق على كتف مارمينا.هكذا كان ما يراه المؤمن في القديس.أنه صديق العريس.يستمد من المسيح قيمته و قداسته.هو صورة حية للعشرة مع الله.و لوحة هذا المقال هى نسخة من هذه الأيقونة.
 
مارمينا ككل الشهداء القديسين المشاهير .كلهم في سن الشباب.مارجرجس و الشهيدة دميانة ,مرقوريوس و أبانوب و يوليانة و غيرهم.لأن فترة الشباب هى ذروة المحبة الروحية .يميل فيها الشباب إلى المثالية التي يجدونها في الإنجيل و في سير القديسين .هذه هى مرحلة ولادة القديسين الجدد.يعيدوا للكنيسة شبابها بإيمانهم المتألق و روحهم الملتهبة و أجسادهم النشطة.ضعوا الشباب فى مقدمة الصفوف.
 
إن المخاض الذى يجتازه كل شهيد أثناء أستشهاده هو الذى ينجب للكنيسة أبناءاً على ذات الإيمان,فالشاب مارمينا أنجب بسيرته و إيمانه للكنيسة بطاركة و أساقفة و خدام و رهبان.على نفس إيمانه تأسست أديرة و بنيت كاتدرائيات و تبارك بإسمه كثيرون.لأن الإستشهاد بداية ميلاد للشهيد في السماء و عيد لميلاد قدوة لنا على الأرض.نأخذ من إيمانهم و نمضى خلفهم نتعزى بالذى في القديم عزاهم,نتشدد بالذى سبق فشددهم.نحن لا نتسلي بسير القديسين بل بها نتعلم و يتقوى في المسيح الحى رجاؤنا.لذلك جعلت الكنيسة هؤلاء الشهداء فى المقدمة لكي في كل صلاة نصليها يقولون هناك من أجلنا في السماء آمين. هم قدام عرش الله يتفقون معنا فى الطلبة فتكون لنا كقول الرب.