القمص يوحنا نصيف
    ها نحن قد بدأنا بنعمة الله في صوم الميلاد، وهو الصوم الذي رتّبته الكنيسة استعدادًا لاستقبال ميلاد ربّنا يسوع المسيح، ابن الله الكلمة المُتجسِّد.. الذي أتى إلينا بمحبّته الكبيرة للبشر، لكي يُصالحنا مع الله الآب، في جسم بشريّته، ويهبنا نعمة البنوّة لله..

    إذا كان الصوم هو تدريب مهمّ نستعدّ به لاستقبال المولود الإلهي، إذ يساعدنا على التوبة والسموّ الروحي، فإنّنا يمكن أن نعتبره أيضًا فرصة لتنمية الفرح في حياتنا.. لأنّ الحقيقة، وعلى عكس ما يتوقّعه البعض، أنّ أوقات الأصوام هي مواسِم للفرح، ولتنمية السعادة في القلب..!

    الصوم'>الفرح في الصوم هو فرح حقيقي ينبع في قلوب الذين يصومون صومًا روحيًّا جادًّا.. فما هي مصادر هذا الفرح:
   1- الفرح بالانضباط.. ففترة الصوم هي تدريب جميل على الانضباط.. وضبط النفس بمعونة الروح القدُس، يقود إلى التحرُّر من الأهواء والانتصار عليها، وهذا بالتالي يُثمِر حريّة داخليّة، والحرّيّة مُفرِحة للقلب..

   2- الفرح بالشَّبع.. ففترة الصوم هي فُرصة للتغذية الروحيّة، وإشباع الروح بالمزيد من القراءات والصَلَوات والألحان.. وعمل الرحمة.. وكلّها أمور مُفرِحة..!

   3- الفرح بالعطاء.. فنحن عندما نصوم نُوَفِّر بعضًا مِمّا نأكُل لنعطي لمَنْ هُم في حاجة، أو في مستوى مادّي أقلّ مِنّا.. وكلام السيد المسيح يُشَجّعنا قائلاً: "السعادة في العطاء أكثر من الأخذ" (أع35:20).

   4- الفرح بالاستنارة.. فعندما يخفّ حِمل الجسد وتتغذَّى الروح جيّدًا بالقراءة والصلاة والتناول، يتحقّق فينا قول الكتاب: "حينئذ ينفجر مثل الصبح نورك.. يُشرِق في الظُّلمة نورك، ويكون ظلامك الدامس مثل الظهر" (إش8:58-10). فالنور الإلهي يُشرِق في القلب والذِّهن كثمرة للصوم.. والنور بطبيعته مُفرِح للنفس..!

   5- الفرح بالاقتراب إلى الله.. فالصوم يسحب اهتماماتنا من أمور العالم لكي نعطِي وقتًا أكبر لعِشرة المسيح، وعندما نعطي وقتنا وقلوبنا لعمل الله فينا نحسّ أكثر بحضوره الذي يُفرِّح النفس.. ويتحقّق لنا وعده الصادق ".. ويقودك الرب على الدوام، ويُشبع في الجدوب نفسك، ويُنَشِّط عظامك، فتصير كجنّةٍ رَيَّا وكنبع مياهٍ لا تنقطع مياهه" (إش11:58).. ففي حضور الرب يسوع: قيادة وشبع ونشاط.. وكلّها أمور مُفرِحة للقلب..!

   6- الفرح بحَلّ المشاكل ودَحر الشياطين، التي تضلِّل وتُعَكِّر وتُخَرِّب.. ولكنّ السيّد المسيح علّمنا كيف ننتصر على كلّ قوّة العدو، عندما قال: "هذا الجنس لا يمكن أن يخرج بشيءٍ إلا بالصلاة والصوم" (مر29:9).

   7- الفرح بالصلاة وتسبيح الرب.. فعِشرة الله وقضاء وقت طويل مع المزامير والتسابيح الكيهكيّة الجميلة، يجعلنا نسمع صوته يسوع الحلو بوضوح، ونتلذَّذ بالارتفاع والتحليق معه فوق مستوى الأحزان والهموم.. مُختَبِرين وعده الجميل: "..حينئذ تتلذَّذ بالرب، وأُرَكِّبك على مرتفعات الأرض، وأُطعمك ميراث يعقوب أبيك، لأنّ فم الربّ تكلَّم" (إش14:58)..

    إنّ هذا الفرح بتسبيح وتمجيد إلهنا المُحِب هو ما تعيشه الكنيسة في فترة صوم الميلاد وبالأكثر أثناء شهر كيهك، والتي ننطلق فيها مُشَاركين السمائيين في تسابيحهم، فينسكب الفرح داخل قلوبنا انسكابًا..!

القمص يوحنا نصيف
صوم الميلاد – نوفمبر 2024