هاني لبيب
مازلتُ مصممًا على أن الأخطر فى تناول قضية المساواة بين المرأة والرجل هو عندما تقوم المرأة بذاتها بالتمييز والتنمر ضد نفسها وغيرها من التاء المربوطة، دون قصد مع افتراض حسن النية، والعكس.
قرأت بوست على الفيسبوك يقول: (أنت غير مسؤول عن انعكاسك فى عيون الآخرين، لأنك ستتفاجأ أن هناك نسخا مختلفة منك فى حياة كل شخص تعرفه.. ولن تجد أى نسخة منهم تجسد حقيقتك الكاملة. كل شخص سيفسر أفعالك وكلامك بناء على وعيه وخبراته وتجاربه.. أنت مسؤول فقط عن حقيقتك ونواياك.. انعكاسك أمام نفسك هو الأهم.) باعتبارها كلمات فى رحلة الحياة تعبر عن موقف المرأة مما يكتب عنها، ومما سيفهم من كلماتها وردود أفعالها، وبالتالى تعليقات العقلية الذكورية عليها سواء فى العام، أو بدرجة أكبر فى الخاص. ومن خلال خبرتى على مدار سنوات طويلة فى البحث فى قضايا الجندر وعلاقتها بالمساواة والعدالة. أذكر هنا بعض الملاحظات، على غرار:
أولًا: فعلًا كل فتاة أو سيدة هى كإنسانة ليست مسؤولة عن انعكاساتها فى عيون الآخرين.. ولكن يظل معيار هذا الكلام فى حالة لو اقتصر نشاطها على الجانب الاجتماعى والعام وعلى السوشيال فى طرحها لأفكارها وآرائها وكتاباتها.. لأنها ستكون فى النهاية اختلافا على فكرة أو رأى، ولكن يجب مراعاة الثقافة العامة للمجتمع المصرى التى هى بالفعل «ثقافة ذكورية متخلفة». ومثال ذلك الفج هو التعامل مع الصور الشخصية للمرأة.. أيًا كان سنها باعتبارها «دليل المدخل الذكورى للتحرش بالمرأة الفيسبوكية».. لذا حرص بعضهن على شكل طلبات الصداقة بحيث تظل خصوصيتها فى إطار الأصدقاء الذين قبلت صداقتهم.
ثانيًا: الاعتماد على فكرة أن (كل شخص سيفسر أفعالك وكلامك بناء على وعيه وخبراته وتجاربه) و(أنت مسؤول فقط عن حقيقتك).. هى كلمات خادعة وغير دقيقة.. تحتاج إلى التفكير والمراجعة. فالأدق هو أن كلا منا (مسؤول عن حقيقته التى يريد أن يراها غيره سواء فى صوره أو كلماته).. فالصور والكلمات من اختيار صاحبها، وليست من اختيارات غيره.. واختبار ذلك ما نجده من تعليقات بالأسلوب الذكورى فى الكلمات والإيحاءات. فما تكتبه المرأة من كلمات حكيمة.. لا يمنع التحرش بالكلمات فى التعليقات.. بداية من وصفها بـ(الملكة والسلطانة والسندريلا والقمر الغالى الذى ليس له شبيه وشمس النهار)، مرورًا بـ(دوام الإطلالة الرقيقة والابتسامة المشرقة ومنورة الدنيا كلها).. وصولًا إلى الدعوات الإيمانية (ربنا يسعد قلبك، ونعمة القبول، وربنا يفرحك، وتدوم ضحكتك وسعادتك، ويدوم التألق والإشراق، وتبارك الرحمن جمال الروح والملامح). وهى جميعها تعليقات لا علاقة لها بالمضمون، ولكن بالشكل.
من المهم توعية المرأة المصرية بمخاطر ما سبق عليها إنسانيًا وأخلاقيًا حتى لا تجد نفسها فى مرمى التحرش بأشكاله المتنوعة. وإن ترْك مثل تلك التعليقات التى ذكرت بعضًا منها ليس نوعا من إثبات الوجود والغرور بأنها أقوى من تلك الكلمات ومن كتبها.. لأن فى عرف العقلية الذكورية ترك مثل تلك الكلمات هو نوع من الباب الموارب الذى سيسمح بتسرب المزيد من أشباه الرجال والمتحرشين سواء على العام وبشكل مكثف على الخاص. كما أن ترك مثل تلك التعليقات هو نوع من منح رخصة انتهاك الخصوصية والتعدى عليها من المتحرشين، خاصة المتحرش الوقور كبير السن، والمتحرش المؤمن، والمتحرش حرباء النمر الذى يتلون فى سبيل قنص المرأة.
نقطة ومن أول السطر..
تحولت السوشيال ميديا إلى أخطر مستنقع فى حياة الإنسان الآن.. خاصة المفكرين والمثقفين والكُتاب.. لأنها بمثابة «فاترينة» لعرض أفكارهم وآرائهم.. كما تحولت السوشيال ميديا أيضًا إلى تحدٍّ للمرأة بشكل خاص، وعليها أن تحدد بدقة: كيف ستقدم نفسها.. كسيدة مجتمع، أم مفكرة ومثقفة وروائية، أم داعية بشكل منمق؟، والأخيرة أصبحت محط الانتشار هذه الأيام.
تسليع الأفكار والمواقف أمر مطلوب ومرغوب.. أما تسليع المرأة لنفسها سواء بصورة أو بشكل دينى فهو أمر مرفوض تمامًا، ويحتاج إلى المراجعة لأنه قرار شخصى. كإنسانة.. أنتِ لستِ حقل تجارب للعقلية الذكورية.
أنتِ غير قابلة للتسليع.
نقلا عن المصري اليوم