د. رامي عطا صديق
يقولون إن «التعليم فى الصغر مثل النقش على الحجر»، و«من شب على شىء شاب عليه»، فى إشارة إلى أهمية التربية والتعليم منذ السنوات والمراحل الأولى، من خلال المناهج الدراسية ومختلف الأنشطة داخل المؤسسات التعليمية وخارجها أيضًا، على منظومة القيم الإيجابية، ومنها الابتكار والإبداع وريادة الأعمال والتعاون والتشبيك والعمل الجماعى، والتدريب على قيمة الإنتاج فى مواجهة الاستهلاك، وغيرها.

فى هذا الإطار أذكر أننى تلقيت دعوة كريمة من اللجنة الثقافية بنقابة الصحفيين، على هامش معرض الكتاب الذى نظمته النقابة مؤخرًا، حيث شاركت فى ندوة حملت عنوان «١٥٠ عامًا على روضة المدارس.. لماذا اختفت الصحافة المدرسية؟»، تناولت تاريخ مجلة «روضة المدارس المصرية» التى كانت قد صدرت عام ١٨٧٠م فى عصر الخديو إسماعيل (١٨٦٣-١٨٧٩م)، مجلة نصف شهرية، صدرت عن ديوان عموم المدارس الملكية (وزارة المعارف/ التربية والتعليم)، بأمر من مديرها على باشا مبارك، وأشرف على تحريرها رفاعة الطهطاوى وابنه على فهمى رفاعة، وكانت مجلة ذات طبيعة ثقافية أدبية استمرت فى الصدور نحو سبع سنوات، إلى عام ١٨٧٧م، تستهدف الجمهور العام إلى جانب طلاب المدارس، بغرض نشر الثقافة والعلم والمعرفة بينهم، شعارها بيتان من الشعر جاء فيهما «تعلم العلم واقرأ. تحز فخار النبوة.. فالله قال ليحيى. خذ الكتاب بقوة».

ظهرت مجلة «روضة المدارس المصرية» فى سياق ملائم وبيئة داعمة، ففى عام ١٨٦٣م تولى إسماعيل حكم مصر، واهتم بعودة التحديث والإصلاح والتطوير، حتى أن المؤرخين يلقبونه بالمؤسس الثانى لمصر الحديثة بعد جده محمد على، وفى ١٨٦٦م تأسس مجلس شورى النواب، الذى يُعتبر أحد أسس الديمقراطية ومبادئها، وفى ١٨٦٩م شهدت مصر افتتاح قناة السويس وتأسيس دار الأوبرا المصرية، وفى ١٨٧٠م تأسست الكتبخانة الخديوية «دار الكتب»، التى تُمثل مكتبتنا القومية، وعلى مستوى الصحف شهدت تلك الفترة نهضة صحفية على المستويين الرسمى والأهلى، حيث أعاد الخديو إسماعيل إصدار صحيفة «الوقائع المصرية» بشكل منتظم، واستعاد مطبعة بولاق التى كان سلفه «سعيد» قد أهداها بكل محتوياتها لصديقه عبد الرحمن رشدى مدير الوابورات الميرية بالبحر الأحمر حتى يتعيش منها وتكون سبيلًا لزيادة رزقه!

وسمح إسماعيل بصدور مجلة «يعسوب الطب» عام ١٨٦٥م، وهى أول مجلة طبية/ صحية متخصصة فى مصر والمنطقة العربية. وفى ١٨٦٧م صدرت أول صحيفة أهلية/ خاصة هى صحيفة «وادى النيل» لصاحبها عبد الله أفندى أبو السعود، أحد تلاميذ رفاعة الطهطاوى، وفى ١٨٧٠م صدرت صحيفة «نزهة الأفكار» لصاحبيها إبراهيم المويلحى ومحمد عثمان جلال، وشهدت فترة السبعينيات من القرن التاسع عشر فيضًا من الصحف استمر منها إلى اليوم جريدة «الأهرام» لصاحبيها سليم وبشارة تقلا، وقد تأسست عام ١٨٧٥م وصدر عددها الأول فى مدينة الإسكندرية يوم السبت ٥ أغسطس ١٨٧٦م، ثم انتقلت فى مرحلة لاحقة إلى القاهرة، وهى تواصل الصدور إلى اليوم.

ومن بعد «روضة المدارس المصرية» ظهرت مجموعة كبيرة من الصحف المدرسية الطلابية عن المدارس الابتدائية والثانوية، الحكومية والخاصة، عن مدارس البنين والبنات والمدارس المشتركة، فى القاهرة وبعض مدن الوجهين القبلى والبحرى، كما ظهرت مجلات الحائط بما تحمله من تدريب للطلاب على إنتاج صحيفة جذابة على مستوى المضمون والشكل.

وبشكل عام فإن أهم ما ميز الصحف المدرسية طيلة هذه السنوات هو أنها كانت سجلًا لأخبار المدرسة ومختلف أنشطتها وفعالياتها، وعلى صفحاتها ظهرت أقلام واعدة لتلاميذ وتلميذات، حيث كانت وسيلة لاكتشاف المواهب الأدبية والصحفية والإبداعات الفنية، حيث احتوت تلك الصحف كتابات نثرية وأخرى أدبية حيث الشعر والزجل والقصة، ورسومات متنوعة، ومن بين هؤلاء الطلاب من صار كاتبًا صحفيًا وأديبًا أو رسامًا وفنانًا تشكيليًا أو مُذيعًا معروفًا، أو أنه صار طبيبًا أو مُهندسًا أو مُحاميًا أو مُحاسبًا.. يجيد الكتابة والإبداع فى ذات الوقت.

فى هذا الإطار أشير هنا إلى نقطتين رئيستين، أولًا: لا غنى عن دور مؤسسات الدولة، الحكومية وغير الحكومية، فى دعم الأنشطة الاجتماعية والثقافية والفنية والإعلامية والرياضية، التى تُسهم بنصيب كبير فى رفع الوعى وتشكيل الهوية وبناء الإنسان وتنمية مواهبه وقدراته. ثانيًا: تنبع أهمية الصحافة المدرسية، وغيرها من أنشطة مثل الإذاعة المدرسية والرسم والموسيقى والألعاب الرياضية والمهارات وحصة المكتبة..، من أنها تُسهم فى اكتشاف المواهب والإبداعات، بالإضافة إلى تنمية مهارات التعبير عن الرأى وممارسة التفكير التحليلى والإبداعى والنقدى.
نقلا عن المصري اليوم