كتبها Oliver
عشرة الله ليست مجرد أفكار أو مشاعر أو نظريات.إنها عمل دؤوب و تفاعل بكل ما للكيان الإنساني من وسائل.بالجسد و النفس و الروح.
الأرثوذكسية ليست فقط صفة للإيمان المستقيم لكنها و هذا هو الأهم هى حياة نأخذها من الله في الكنيسة ثم نعود فنقدمها لله في الكنيسة. الكنيسة في الأرثوذكسية هى الحلقة الذهبية التى بين المسيحي و المسيح.هى مكان التعارف و الحياة و باب الخروج للقاء الأبدي.
نولد في الكنيسة و نحيا مع الله الذى نتعلمه في الكنيسة و حتى حين يأتى الأجل نموت في الكنيسة.و ما بين الولادة و الرحيل نأخذ من الكنيسة الغذاء و الدواء و تهذيب القلب و الرجاء.نأخذ الإيمان و التعليم و الإرشاد .نعيش جماعية السماء و وحدتها من خلال الكنيسة.فلا وسيلة أخري تتوفر فيها عبادة الله كجماعة مؤمنين بنفس واحدة إلا فى الكنيسة. فالحقيقة أنه لا يمكن لأحد أن يكون أرثوذكسياً إذا كانت الكنيسة غريبة عنه و هو غريب عنها.
الكنيسة هى المعمل الذى فيه تتحد قلوب المؤمنين,صلواتهم ,أصوامهم ,أحزانهم ,أفراحهم,أعيادهم. بدون الكنيسة ننفصل عن طبيعة السماء.
الأرثوذكسية حياة روحية نمارسها فى شركة مع الذين نعرفهم و الذين لا نعرفهم.كالسماء تجمع القريبين و البعيدين.
الأرثوذكسية ليست عقيدة نصارع عليها بل عقيدة نحياها لأننا نؤمن أننا من خلالها تتوفر لنا عشرة صادقة مع الثالوث. الكنيسة من كثرة مخاطبتها للثالوث الأقدس بأقانيمه الثلاثة سكن فى أعماقها هذا الفكر أى مخاطبة أقنوم بعينه ثم مخاطبة الثالوث المقدس.فصارت الكنيسة تري الإنسان بنفس الطريقة. كأن له أقانيم متنوعة في الكيان الواحد.أقانيم الإنسان في صلواتها واضحة. مرة تخاطب الله بالروح و مرة تخاطبه بأصوام الجسد و لا تنسي أن تقدم النفس بمشاعرها العميقة من أفراح و أحزان من خلال ألحانها حسب الموسم الروحى.الكنيسة تستخدم ما في الإنسان لتعبد الثالوث و أقانيمه.
من أجل أن يتعلم الإنسان أقانيمه تسألهم فى القداسات (أين هى قلوبكم؟ و أحياناً أين هى عقولكم؟) و ترد على الكاهن عقب كل بركة قائلة ( و مع روحك أيضاً) و تطلب الصلاة بالذهن و باللسان معاً.هكذا تكون الأرثوذكسية أن يفهم الأرثوذكسي كيانه الروحي قدام الله الكيان الأعظم
إنها كنيسة من صميم جوهرها أن تخاطب الثالوث في صميم جوهره.و كما تتوزع الصلوات فى الليتورجيا على جميع اعضاء الكنيسة فإن كل الكنيسة توجه الصلوات لكل أقنوم بمعرفة إنجيلية و هى فى ذات الوقت تخاطب الثالوث القدوس الواحد.
المسيحي الأرثوذكسي يتعلم الكتاب المقدس من الكنيسة.ليس له تفسيرا شخصياً بل تفسيراً جامعاً.كل تفسير لابد أن يولد من التعاليم المسلمة لنا منذ القرون الأولى.الأرثوذكسي الفرد له نفس التعليم العام.بهذا التعليم يصير داخله أساسيات الإيمان بغير تشكك و لا تبديل.لكنه داخل إطار هذا الأساس الإيماني يمكن أن يضع تأملاته و أفكاره الروحية و خبراته و إشتياقاته.فالأرثوذكسية ليست سجن للفكر و لا يجب أن تكون هكذا بل هى إنطلاق مستند على أساس ما تسلمناه لكي نسلمه بكل جرأة أكثر وضوحاً و أرسخ تأثيراً من جيل إلى جيل.الكنيسة إذن هى الإطار الذذى يحكم تعليم المعلمين.و الساحة التى يلتقي فيها القديم مع الجديد ,الآباء القديسين مع إبناءهم و تلاميذهم.لعل الكنيسة الأرثوذكسية و معها الكنيسة السريانية الأرثوذكسية هما أغزر الكنائس فى التعليم و في التأملات.مما يدلل أن الأرثوذكسية ليست منغلقة الفكر لكنها ثابتة الإيمان.
لا توجد أرثوذكسية بغير الكنيسة.من رأسها ( الكهنوت) إلى جميع أعضاء الجسد.لذلك إسمها الكنيسة الأرثوذكسية و ليست المذهب الأرثوذكسي.و أى محاولة للتمرد من عضو فى الجسد (مهما علت رتبته) على بقية الجسد تعد خروجاً عن أرثوذكسية الكنيسة.لذلك فلينتبه كل من يتسبب فى عثرات أنه ينشق عن الجسد مهما تشدق بالحفاظ على أرثوذكسية الكنيسة.لأن أساس الأرثوذكسية هى الحياة الجامعة الرسولية.كل توبيخ أو تصحيح أو توضيح لابد أن يكون من خلال الجماعة بأسرها و ليس فرضاً من واحد أو أفراداً على الكنيسة.ليس فى الأرثوذكسية أبطالاً بمعزل عن الكنيسة.
الإيمان الأرثوذكسي راسخ .هو من جواهر الإنجيل.و كل عضو فى الكنيسة يستفيد من هذا الإيمان.فالأرثوذكسية ليست أشخاصاً يخضعون للإيمان بل يعيشون بالإيمان.الإيمان من أجل الكنيسة و ليس العكس.من أجل بناء كل عضو فيها للمسيح.و تعليم شركة الطبيعة الإلهية.كل إيمان مستقيم يخدم الكنيسة.أما النداءات التى ينادى بها البعض أننا سنموت من أجل الأرثوذكسية فهى ليست سوي شعارات.لأننا إن عشنا الإيمان المسلم لنا من القديسين فلن نموت و لن يموت الإيمان أبداً.أى نداء يستنفر المشاعر بالزود عن الإيمان هو إستدراج للمجد الشخصي و بطولة زائفة تخدم ذوات مريضة.
و لمزيد من التوضيح أقول. الكنيسة صاحبة الإيمان المستقيم هى وحدها بجميع قادتها المسئولة عن إعلان أن الإيمان في خطر .وقتها يتحد الجميع ضد الخطر العقيدي بالأصوام و بجميع الوسائل الروحية.أما أن يخرج كل يوم واحد يعتقد في ذاته أنه المدافع عن الإيمان فهذا خلل تحركه دوافع ذاتية و شبهات كثيرة تحوم حوله.لا يوجد حماة إيمان للكنيسة.لا يوجد في تاريخ الكنيسة فئة خاصة إعتبرت نفسها حامية الإيمان.بل الكنيسة بكل أعضاءها تحمي إيمانها.حين كانت الكنيسة واحدة في العالم كانت المجامع المسكونية هي التي تدق ناقوس الخطر إن تعرض الإيمان لهرطقة.الآن صار المجمع المقدس محلياً و هو المسئول عن هذا الأمر لذلك كل فرد ينتحل صفة حامى الإيمان هو كاذب.إنه يختزل الكنيسة في رأيه مهما تستر وراء أقوال آباء أو أيات من الإنجيل. الكنيسة بأكملها تحمي الإيمان.
لأن الأرثوذكسي كائن كنسي فهو يجد نفسه وسط الجماعة.يحب العبادة الجماعية لانها مثال السماء.تلقائيا لا يتفق مع إيمان الذين بلا كنيسة.لأنه إيمان بلا مصدر بلا معلم بلا ضوابط.الكائن الكنسي لا يحتاج لمن يدعوه ليصوم و يصلي الليتورجيات المتنوعة.صلوات الأجبية تجعل لغة الصلاة بين المؤمنين مشتركة.و سر التناول يحقق شركة الجسد الروحى الواحد.حتى الشفاعة تجعل الإيمان على الأرض مستند على إيمان الذين في الفردوس.كل شيء فى الكنيسة يوجه المؤمن نحو المسيح و يجهز المؤمن للسماء فمن له العروس ( الكنيسة) له العريس (المسيح).