صلاح الغزالي حرب
من المؤسف وغير المنطقى أن نرى خلال السنوات الأخيرة إنجازات ضخمة لا يمكن إنكارها، وفى مجالات كثيرة وشديدة الأهمية، منها القضاء على مأساة العشوائيات وإنشاء مدن جديدة مع ثورة تصحيح كبرى للطرق والكبارى وقطاع المواصلات فى كل محافظات مصر، والبدء فى إنقاذ الريف المصرى من عناء سنوات طويلة من الإهمال (مبادرة حياة كريمة)، والمبادرات الرئاسية الأخرى فى عدة مجالات من أهمها قطاع الصحة، وغيرها من الإنجازات التى شجع عليها وساندها الرئيس السيسى. وعلى الجانب الآخر من الصورة نلاحظ قلقا متزايدا فى الشارع المصرى، والذى يرجع فى رأيى إلى تصرفات وقرارات نابعة من الجهاز الحكومى والإدارى فى مصر. وأتعجب من عدم تسليط الضوء على الرأى والرأى الآخر من أجل التخفيف عن المواطن بشفافية وصراحة كما طالب الرئيس السيسى. وسوف أسرد بعض أسباب هذا القلق:

أولا.. الوضع الاقتصادى
أتفق تماما مع الإعلامى القدير إبراهيم عيسى فى تفسيره لفوز رونالد ترمب للمرة الثانية برئاسة أمريكا، رغم كل المشاكل المحيطة بهذا الرجل، نتيجة تركيز اهتماماته بمطالب المواطن الأمريكى الحياتية بعيدا عن كل المشاكل الدولية. وفى مصر نلاحظ ارتفاعا كبيرا فى نسبة التضخم التى وصلت فى شهر أغسطس إلى ٢٦.٢٪ وذلك بعد خفض دعم الوقود وزادت بعدها أسعار الخضروات بنسبة ١٤.٣٪ وأسعار النقل بنسبة ١٤.٩٪، وهناك بالطبع أسباب كثيرة لهذا التضخم منها ارتفاع تكاليف الإنتاج وسعر الصرف للعملات وغيرها، ولكن الأهم من كل هذا والذى لا تفسير له هو جشع الكثير من التجار وضعف رقابة الحكومة، فالتجار عادة ومع أى ارتفاع للأسعار عالميا نجدهم يقومون برفع أسعار السلع مباشرة حتى لو كانت مستودعاتهم ممتلئة بسلع تم شراؤها بأسعار ما قبل التضخم، ولكنهم لا يفعلون نفس الشىء عند انخفاض هذه الأسعار عالميا!، فى غيبة تامة للحكومة التى تتشدق دائما بعبارة الاقتصاد الحر وقانون العرض والطلب، فى حين أن ذلك يخضع لقواعد صارمة تحمى المواطن من الجشع فى كل الدول المتقدمة. ولا أدرى لماذا لا يتحرك السيد وزير التموين؟، وما دور جهاز حماية المستهلك من أجل كبح جماح هذه الارتفاعات فى أسعار كل شىء؟. وعلى سبيل المثال فقد أصدر مجلس الوزراء قرارا يلزم كل أصحاب المحال والسلاسل التجارية بوضع الأسعار على كل السلع أو مكان عرضها، وللأسف لم يلتزم به غالبية التجار!. ومن ناحية أخرى فقد أعلن السيد رئيس الوزراء مؤخرا عن استيراد البيض التركى كحل مؤقت لأزمة البيض فى مصر فكان رد نائب رئيس اتحاد منتجى الدواجن بكل ثقة (الاستيراد لا يبنى أوطانا ولكنه الإنتاج!)، وقال السيد رئيس الشعبة إن البيض التركى كى يستورد ويصل سليما إلى مصر يخضع لعملية تبريد ويمكن أن يفسد خلال ٢٤ ساعة!، كما أن وزن الطبق التركى أقل من نظيره المصرى!، وحيث إن المواطن المصرى ليس عنده المعلومات الصحيحة حول هذا الأمر لم أجد للأسف الشديد ردا علميا من الوزير المسؤول. كما أن البيض المصرى لا يكتب عليه تاريخ الصلاحية!. وأخيرا أسدلت المحكمة الاقتصادية الستار عن إحدى قضايا احتكار سماسرة بيض المائدة المرفوعة من جهاز حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية، حيث قضت المحكمة بتغريم أربعة من سماسرة البيض مبلغ ٢٠ مليون جنيه (بواقع ٥ ملايين لكل منهم)؛ لاتفاقهم فيما بينهم على تحديد سعر البيع اليومى. وكان الجهاز قد حرك الدعوى الجنائية ضد ٢١ من كبار منتجى بيض المائدة العاملين فى السوق بعد أن ارتفع السعر بأرقام لا تعبر عن الثمن الحقيقى وبشكل مبالغ فيه لتحقيق نسب أرباح على حساب المواطن المصرى كما قالت المحكمة. وعن الدواجن يقول رئيس غرفة الدواجن باتحاد الغرف التجارية إن الحكومة فشلت فى السيطرة على بعض محتكرى السوق وكبار المنتجين الذين يحاولون السيطرة على قطاع الدواجن من خلال التحكم فى أسعار الكتكوت إذ ارتفع سعره من ١٠ جنيهات إلى ٥٠ جنيها مؤخرا!. وقال «الشغلانة مسيطر عليها ٣ أو ٤ من كبار المنتجين وما باليد حيلة».

ويبقى التساؤل موجها لرئيس الوزراء ووزير الزراعة.. لماذا لم يعلن عن أسماء الذين اقترفوا هذا الجرم؟، وهل سوف يسمح لهم بالاستمرار فى جشعهم؟، ولماذا لا يطبق هذا على تجار اللحم والدواجن وغيرهم؟، وأين قانون من أين لك هذا؟، وما حقيقة فشل الحكومة فى توفير الأعلاف كما يقول التجار؟، وهل كان استيراد البيض لمصلحة المستوردين كما يشاع؟. وبالقطع هناك الكثيرون الذين اقتنصوا الفرصة للمكسب الحرام على حساب المواطن. نحن فى انتظار رد واضح من المسؤول حفاظا على السلم الاجتماعى فأطفالنا يحتاجون جرعة تصل إلى ٢ جرام لكل كيلو جرام من وزن الجسم للمساعدة فى عملية النمو وبناء العضلات بشكل صحى، كما أن احتياجات السيدات الحوامل والمرضعات ترتفع احتياجاتهم إلى ١.٥ جرام لكل كيلو جرام من وزن الجسم لمد الجنين بالبروتين المطلوب.. وكذلك الحال مع الألبان التى زادت مؤخرا حيث تراوح سعر الكيلو بين ٣٥ و٤٠ جنيها بزيادة تصل إلى ٢٥ جنيها!.

ثانيا.. الطبقية المقيتة
يصنف الناس إلى مجموعة من الفئات الاجتماعية الهرمية وأكثر الطبقات شيوعا هى الطبقة الغنية والطبقة المتوسطة والطبقة العاملة. وإذا عدنا إلى الوراء وفى عهد الزعيم الراحل جمال عبد الناصر سوف نرى أن من أهداف ثورة يوليو ١٩٥٢ المساواة بين المواطنين وإلغاء الطبقية التى كانت تسود المجتمع ما بين مجتمع من الأعيان يتسيده أفراد العائلة المالكة وبعض العائلات النبيلة الأخرى، ثم أخرى من عامة الشعب المصرى، حتى جاء قرار إلغاء جميع الألقاب واستبدل لقب الباشا بلقب السيد وبذلك نشأت الطبقة الوسطى التى لعبت دورا خطيرا فى إعادة توزيع الدخل القومى. وقد وصف أ.د. جودة عبد الخالق أستاذ الاقتصاد القدير أبناء هذه الطبقة بأنهم «رمانة الميزان» للمجتمع المصرى وعمود خيمته. وقال إن هذه الطبقة عاشت عصرها الذهبى فى فترة ناصر قبل أن تسحق فى عهدى السادات ومبارك، وحذر من الاستمرار فى تجاهلها الذى وصفه بأنه بمثابة قنبلة موقوتة داخل المجتمع المصرى. وتقول الصحفية المتميزة أمينة خيرى إن الأحمال والضغوط على الطبقة المتوسطة فى مصر أدت إلى زيادة الأعباء الملقاة على كاهلها وهى الطبقة المعروفة دائما بالتمسك بحبال الأمل والعمل مهما كانت قسوتها حتى الرمق الأخير وبالطبع فإن للصبر حدودا.. والأمثلة كثيرة فى هذا المجال.

١- فى مجال التعليم
بكل وضوح نحن نعيش منذ سنوات فى أكذوبة كبيرة تسمى مجانية التعليم فى حين أن وزارة التعليم تصدر سنويا قرارا بقيمة مصروفات كل مرحلة دراسية ويقتطع الإنفاق على التعليم نحو ٣٨.٦٪ من متوسط إجمالى إنفاق الأسرة المصرية، وتذهب منه ٢٨.٣ ٪ إلى الدروس الخصوصية!!، مع انخفاض مخصصات التعليم فى الموازنة العامة للدولة والتى حددها الدستور، وللأسف أصبح على من يريد أن يتمتع أولاده بالتعليم الجيد أن يدفع الكثير لينأى بهم عن نحو ٢٢.٥ مليون طالب فى التعليم الحكومى من أصل ٢٥ مليونا فى المدارس المختلفة. وبالطبع ينتج عن ذلك أن تكون فرصة خريجى التعليم غالى الثمن أكبر فى سوق العمل. وللأسف انتقلت هذه الطبقية إلى التعليم الجامعى حيث زادت فى السنوات الأخيرة الجامعات الخاصة والأهلية (وهى غالبا بالشراكة مع الحكومة) وزادت معدلات البطالة خاصة بين طلاب القسم الأدبى، كما انتقل إلى كليات طب الأسنان والصيدلة حيث زادت أعداد المقبولين فيها عن المطلوب فى سوق العمل، كما انتقلت الطبقية إلى كليات الطب البشرى حيث يوجد التعليم المتعارف عليه والآخر الحديث لمن يدفع أموالا أكثر وهى سقطة خطيرة يجب أن تتوقف وخاصة فى مجال الطب.

٢ - فى مجال الإسكان

هناك تزايد متسارع لإنشاء ما تسمى (كومباوندات)، وزادت بشدة الإعلانات المستفزة عن هذه التجمعات التى تتجاوز أسعارها عشرات الملايين، فى الوقت الذى يعانى فيه الملايين من الشباب من أجل الحصول على مسكن لائق، وعلى الرغم من المبادرة الرئاسية (سكن لكل المصريين) مع مجهودات الحكومة فى توفير هذه المساكن فإن هناك صعوبة واضحة نتيجة الوضع الاقتصادى الصعب. وفى مقال للدكتور محمد علاء عبد المنعم بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية قال إن الجانب المظلم فى تنامى هذه الظاهرة وغيرها هو تراجع أو غياب دور الحكومة، فالمفترض أن المواطنين جميعا ليسوا فى حاجة للحياة خلف أسوار للتمتع بحقوقهم فى الأمن والنظافة والمساحات الخضراء فهذه خدمات عامة أساسية وهى المبرر الأساسى لدفع الضرائب.

٣- (الزفة الكذابة للأثرياء الجدد) تحت هذا العنوان كتب الصحفى والإعلامى المتميز سيد على عن السلوكيات المستفزة من البذخ الفاحش للبعض والتى لا تراعى أحوال الأغلبية فى السكن والتعليم والمطاعم والأفراح، وفاتورة المطعم التى بلغت ١٤ ألف جنيه لوجبة واحدة بمطعم فى التجمع الخامس تعكس الهوة الطبقية التى يعيشها المجتمع. وقال إن من يتابع فقرات المطبخ على بعض الفضائيات ربما تكون مستفزة أكثر بدءا من اسمها وانتهاء بتكلفتها، أضف إلى ذلك تلك اللقطات الغريبة من حفلات الزفاف على مواقع التواصل الاجتماعى لتصنع الزفة الكذابة.

خلاصة القول.. صفيح ساخن'>الشارع المصرى فوق صفيح ساخن.. أرجو الانتباه.
نقلا عن المصرى اليوم