بقلم الراهب القمص يسطس الأورشليمى
كتاب وباحث في التاريخ المسيحى والتراث المصرى
وعضو إتحاد كتاب مصر

يقع جبل الفريديس على مسافة 10 كم شرقي بيت لحم ، وحوالى 15كم جنوبى القدس ، ويمكن الوصول إليه عبر بلدة "بيت ساحور على الطريق المودية إلى القرية تقوع .

يرتفع الجبل 758 مترا عن سطح البحر ويشرف من موقعه هذا على غور الأردن والبحر الميت وكذلك على القدس وبيت لحم . يشكل هذا الموقع ذخرا استراتيجيا هاما للجبل ، وربما لهذا السبب وقع اختيار هيرودس عليه ليبنى فيه قصرا يكون ملجا له في وقت الخطر ومقرا صيفيا وضريحا يوارى فيه جثمانه بعد موته .

يمكن بلوغها بسهولة حيث نصعد إلى منتصف الطريق بالسيارة ومن ثم نصعد الجزء الأخير منه سيرا على الأقدام . قمتها توفر لنا مشهدا ولا أروع لليهودية . إلى الشمال الغربي نجد بيت لحم وفي الجانب الآخر نجد الصحراء الممتدة .

تعود معظم الآثار الموجودة على جبل الهيروديون إلى العهد الروماني المبكر . فقد انتهى من بناء الموقعحوالي عام 20 ق. م وهو العمل الوحيد من أعمال هيرود العمرانية الكثيرة الذي يحمل اسمه . ورث هيرود الموقع لانبه أرخيلاوس الذى حكم حتى العام 6 م ، وبعد وفاته عاد الموقع لحكام فلسطين الرومان . أثناء الثورة اليهودية ضد الرومان 66 – 70 م استولي ثوار يهود يعرفون بالزيلوتس ( المكابيين ) على المكان ، واحتفظوا به أربع سنوات إلى أن هزمهم الرومان . ويسهب المؤرخ الروماني جوسيفس (يوسف فلافيوس) في رواية قصة فشل الرومان في اقتحام الهيروديون الذي لم يسقط إلا بعد سقوط القدس ذاتها ، ويقول جوسيفس أن المدافعين عن الموقع اختاروا الانتحار الجماعي على الاستسلام للرومان كما فعلوا في مسعدة ومكاريوس . بقي الموقع مهجوراً بعد ذلك حتى سنة 132 م عندما استولي عليه ثوار آخرون في ثورة أخري تعرف " بثورة باركوخيا " التى قضى عليها الرومان سنة 135 م .

في الفترة من القرن الرابع حتى السابع للميلاد استوطنت مجموعة كبيرة من الرهبان البيزنطيين في الهيروديون ، وظلت فيه حتى الفتح الإسلامي . وفي نهاية الحروب الصليبية استحكم الصليبيون الفرنسيسكان في التل قبل أن يسقط بيد المسلمين . ويبدو أن للاسم العربي الحديث " جبل الفريديس " علاقة بهؤلاء الفرنسيسكان ، فهذا الاسم يشبه الاسم الذي استخدمه بعض الرحالة الأوروبيين للموقع (The Mountain of the Franks) ، ولو أن البعض يرى أن الاسم من أصول عربية ويعني جبل الفردوس ( الجنة ) نسبة إلى الحديقة الرائعة التي شيدها هيرودس في الموقع .

وصف الموقع :
 يتخذ جبل الفريديس شكل القرطوس المخروطى المقصوص من الأعلي وهو يتشكل من تله طبيعية في الأسفل أضيفت فوقها تله اصطناعية ، ويمكن اعتباره أعظم الإنجازات العمرانية الكثيرة لهيرودس . وفقا لرؤية جوزيفس فان المسلك الرئيسي إلى قمة الجبل كان يمر عبر 200 درجة من الرخام الأبيض في الجهة الشمالية من التل ، وما زالت آثار بعضها مائلة حتى اليوم . أما حاليا فان الطريق للقمة هو عبر طريق متعرج يبدأ من الجنوب الغربي للتل حيث موقف السيارات ، يمكن تسلقه خلال عشرة دقائق .

لقد تهدمت العمائر الفخمة التىكانت قائمة يوما فثي الهيروديون ، ولكن الحفريات الأثرية كشفت عن آثار مبان كثيرةتشمل القصور ومبانى أخري من الفترات المختلفة سواءعلى التل أو في اسفله ويمكن تقسيم الموقع الى قمسين رئيسيين هما هيروديون العلوى والسفلى .

هيروديون العلوي :
 على قمة التل التى ترتفع 60 م عنسطح التل المستوي في القمة ، يري الزائر بنايةدائريةتمثل القصر الملكي أو القلعة الملكية التىتعود لفترة هيرود .تتكون القلعة من سورين دائريين ، يفصل بينهما ممر عضه 5.3 م .يبلغ قطر السور الخارجي حوالي 62 م ، في الجزء الشرقي منه برج أسطواني ضخم يبلغ قطره 18 م وارتفاعه 16 م . السور مدعم بثلاثة أبراج أخري نص2ف دائرية من الغرب والشمال والجنوب . يقع مدخل القلعة إلى الشمال من البرج الشرقي ، وهو بعرض 3.5 م ، ويقود إلى قبو يفتح على حديقة القصر . التخطيط الدائري لهيروديون العليا المتمثل في بناء دائري مسور لم يكن شائعا في العمارة القديمة ، ولذلك يعد الهيروديون أثر مميزاً . هذا ويمكننا أن نقسم القصر إلى جزأين رئيسيين هما : الجزء الشرقي المكون من حديقة كبيرة أبعادها 33.5 × 12 م ، وهي محاطة بالأعمدة من ثلاث جهات ، وسور من الجهة الرابعة ( الشرقية ) . في جنوبي وشمالي الحديقة يري الزائر حنيتين على مدخل كل منهما عمودان ، وفي جنوب هذه الحنيات غرفتان تقودان إلى القصر الذي له مدخلان آخران شرقي الجنيات . أما الجزء الغربي من القصر فتقسمهقاعةضخمة مصلبة الشكل إلى نصفين ، يشغل الحمام الروماني النصف الشمالي منها . ويعد هذاا لحمام من اجلم مكونات القصر ، فهو مزخرف بطريقة رائعة ويشتمل على: غرفة غيار لها أرضية فسيفسائية لم يبق منها إلا القليل فقط ، وفيه ثلاث غرف أخري : غرفة دافئة Tepidarium ، وساخنة Caldarium ، وباردة Frigidarium . الغرفة الدافئة وهي الأكبر ن لها شكل دائري ويبلغ قطرها 4.15 م وهي مغطاة بقبة ارتفاعها 5 م . أما الجزء الجنوبي من القصر فيتكون من قاعة مستطيلة الشكل 15.15 × 10.6 م ، بها أربعة أعمدة تحمل السقف ، لم يبق منها سوى واحد فقط . وهناك إشارات في بعض غرف القصر وكذلك في الحمام وفي الممر الذي بين الأسوار وفي البرج الشمالي على وجود طابق ثان في القصر يضم غرف للمعيشة ، ولوحظت أيضا دلالات على وجود طابق ثالث .

يحتوي الهيروديون العلوي بالإضافة إلى القصر على نظام مائي معقد يضم مجموعة كبيرة من الآبار التى يصل عمق الواحد منها الى 15 م ، وهي متصلة بالقصر بواسطة درج محفور في الصخر ، وبه كذلك حوض ماء ضخم وقنوات .يبدو أن المياه انت تجلب للآبار التي في التقل من البركة اسفله على ظهور الحيوانات . وكذلك تمالكشف في التل عن أنفاق سرية لأغراض الهرب في حالة الخطر ،ومعابد وقاعات كبرى للاحتفالات وحمامات كاملة من الفترة الرومانية .

هيروديون السفلي :
 بنى هيرودوس عند قاعدة الجبل وعلى سفوحه الغربية مدينة صغيرة تبلغ مساحتها 60 دونما ، لعبت دور العاصمة الإدارية للمنطقة ، وشيد فيها أبنية جميلة لأعوانه وأقاربه وموظفي إدارته ، وحديقة كبيرة وفلخضة بلغت مساحتها ستة عشر الف متراً مربعا ( 145 ×110 م ) . أحاد هيرومد الحديقة بالأعمدة التي ما يزال بعضها قائما حتى اليوم ، وجعل في وسطها بركة ضخمة ( 45 × 70 م ) ، عليها أدراج في زواياها الأربع توصل إلى أرضيتها . وعند نهاية البركة بنى طريقا ضخمة يبلغ طولها 350 متراً يعتقد أنها كانت مخصصة لجنازته ، ولو أن قبره لم يعثر عليه أبدا . كانت المياه تحمل إلى هذه البركة عبر قناةمن برك أرطاس جنوبي بيت لحم ، ويعتقد أنها كانت تستخدم للسباحة وإبحار القوارب الصغيرة وأيضا مخزنا استراتيجيا للمياه . في وسط البركة بناء أسطواني الشكل من الحجر قطره 13.5 م ، وربما كان يستخدم مكاناً للاستجمام والراحة .

كشفت الحفريات الأثرية في الهيروديون السفلي عن العديد من المنشآت العمرانية الأخري ، ومن أبرزها عدد من القصور والأبنية التي تتركز في معظمها حول البركة ، وتعود لعائلة هيرود وأصدقائه ولموظفي إلإدارته المركزية ،وحمامات من أكبر الحمامات الهيرودية المكتشفة حتى اليوم ، ومخازن ضخمة تبلغ أبعادها 55 :130 م . بالقرب من البركة اكتشفت حديثا مسرح للصوت ، وإلى الجنوب منهبناية مربعة الشكل استخدمت مركزاً إدراياً للقصر . على الجهة الغربية من الطريق الحالي بقايا أبنية يعتقد أن لها علاقة بقبر هيرود .

معظم المكتشفات الأثرية في الهيروديون هي من فترة هيرود ، ولم يضف إليها إلا القليل في الفترات اللاحقة : ثلاث أو أربع كنائس وأبنية بيزنطية أخري في الأسفل ، ومعبد يهودي ( سنوجاج ) ومطاهر ( مكفات ) وأيضا بعض الأنفاق التي بناها الثونار اليهود في الفترة الرومانية في التل .

الوضع الحالي في الموقع :
تقوم عند سفح جبل الفريديس قرية عربية صغيرة هي قرية التعامرة التي أقامش الاحتلال الاسرائيلي على اراضيها مقابل الجبل مستوطنة عسكرية . التل الأثرى محمى جيدا ، ويتبع لسلطة حماية طبيعية الاسرائيلية ، ويسمح بزيارته في ساعات محددة ( 8 صباحا – 5 مساء ) ، ويفرض على الزائرين رسوم دخول في حدود الأربع دولارت . أما هيروديون السفلي فمع شان هالدخول إليه متاح دائماومجاني إلا أن وضعه ألأسوأ بكثير .لم تتم حتى اليوم عملية نقل الصلاحيات عن المومقع إلى السلطة الوطنية الفلسطينية لوقوعه في المنطقة ( ج ) من الضفة الغربية الخاضعة لإدارة اسرائيلية كاملة .