هاني صبري - الخبير القانوني والمحامي بالنقض 
اثار  " لفظ الطلاق الكنسي" الخاص بتعريف المرأة المنفصلة المسيحية " بمشروع قانون الضمان الاجتماعي والدعم النقدي" المقدم من الحكومة في مجلس النواب، حيث شهد البند (20) في المادة (1) الخاصة بتعريف "المنفصلة" المسيحية حالة من الجدل الكبير وتم إرجاءه لوقت لاحق لاستبيان بعض الأمور لتدقيق التعريف.
 
 حيث جاء التعريف وفقا لمشروع القانون كالتالي: البند (20): المسيحية المنفصلة عن زوجها ولم يحدث طلاق كنسى، ويثبت ذلك بشهادة من الرئاسة الدينية التابعة لها، أو بموجب حكم قضائى بات.
 
 بادئ ذي بدء لا يوجد في كل الطوائف المسيحية ما يعرف بالطلاق الكنسي ، والكنيسة غير منوطة بتطليق أحد. 
 
والتطليق في المسيحية يتم وفق القضاء. حيث تصدر الأحكام فى المنازعات المتعلقة بالأحوال الشخصية بين المصريين المسيحيين المتحدى الطائفة والملة طبقا لشريعتهم، بالنسبة للأقباط الارثوذكس يعتبر التطليق لسببين الزنا وتغيير الدين طبقا لنص المادة (50 و 51 )من لائحة الاقباط الأرثوذوكس المعدلة عام 2008، أما عند الأقباط الإنجيلين فالتطليق يكون بوقوع أحد الزوجين بالزنا أو اعتناقه دين أخر وذلك وفقاً لنص المادة 18، الفقرة الأولى والثانية من لائحتهم، اما طائفة الكاثوليك 
 
فهي لا تدين بوقوع الطلاق وذلك وفقاً لنص المادة 99 من لائحتهم.
ونؤكد إن المادة الثالثة من الدستور المصري 2014م تنص على أن: "مبادئ شرائع المصريين من المسيحيين واليهود المصدر الرئيسي للتشريعات المنظِّمة لأحوالهم الشخصية، وشئونهم الدينية، واختيار قياداتهم الروحية"، ومن ثم فإنه وفقاً للدستور تكون مبادئ الشريعة المسيحية واجبة التطبيق على المصريين المسيحيين، ويكون الطلاق لسببين تغيير الدين، وعلة الزنا. 
 
ويتعين على كافة السلطات المعنية إعمال نص الدستور وهو ما استقر عليه قضاء محكمة النقض منذ عام 1980م من مبادئ هامة والتى تضمنت أن النصوص الدستورية تتمتع بالإنقاذ الفورى والمباشر، منذ العمل بأحكام الدستور وما يخالفها من نصوص تشريعية تعبير منسوخة ضمنا بقوة القانون دون حاجة لانتظار قضاء دستوري أو تعديل تشريعي، وأوجبت بذلك إهدار مواد القانون التى تتعارض مع النصوص الدستورية سابقة كانت أم لاحقة على صدوره باعتبار الدستور القانون الأسمى والأعلى صاحب الصدارة على المدرج التشريعى.
 
كما إن الشريعة الإسلامية تقرر الاحتكام إلى الإنجيل فيما يتعلق بالمسيحيين، وذلك وفقاً لما جاء في سورة المائدة (47): "وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ ۚ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ".   
 
في تقديري الشخصي لا توجد طلاق كنسي في المسيحية على الإطلاق،  إذا وجود مثل هذا التعريف سيكون وصمة عار في جبين الأسرة المسيحية  لان الطلاق في المسيحية لعلة الزنا وهذا الوصف سيضر بالزوجين والأولادهم وأسرهم.، وايضاً سيكون باب خلفي للتحايل للحصول على التطليق أو الخلع، وينقل الخلاف بين الزوجين المسيحيين من بيتهم إلى الكنيسة .
 
ناهيك عن ان الكنيسة غير مختصة بهذا الامر، وطلبنا مرارا وتكرارا عدم تدخل رجال الدين في مسائل الأحوال الشخصية للمسيحيين ويكون دورهم قاصر على أداء مراسم الزواج فقط .
 
ويتساءل البعض برأيي بهذا فإنني لا أريد مساعدة المرأة المسيحية وأتسبب  في أضرار لهن وامنع عنهن المساعدة ؟.
 
فهذا غير صحيح ومردو عليه يتم عمل بحث اجتماعي من قبل المرأة المسيحية لوزارة التضامن الاجتماعي بوجود خلافات زوجية وان زوجها لا يعطيها نفقة وليس لها أي دخل ولا معاش وانها تستحق الدعم النقدي في تكافل وكرامة ويحوز إثبات ذلك بكافة طرق الإثبات. وإذا اخذت تلك المبالغ وثبت عدم استحقاقها للدعم يتم اتخاذ كافة الإجراءات القانونية ضدها.  بدون اقحام الكنيسة في هذا الشأن. 
 
وما ينطبق على المرأة المسلمة يطبق على المسيحية توجد نساء مسلمات ومسيحيات منفصلين عن أزواجهم جسديا ، ولَم ينفصلن عنهم بالطلاق  أو الخلع . ويحتاجوا مساعدة، وليس  لهم عائل إذا ثبت ان هناك ضرر جسيم لحقت بهن وهن غير  قادرات مالياً على المعيشة تساعدهن  الدولة بدون إلصاق لفظ مطلقة بهم. 
 
جدير بالذكر أن هذا الموضوع يعيد إلى الأذهان ضرورة إستصدار قانون الأحوال الشخصية كي يحمي حقوق الزوجين ويراعي المصلحة الفضلة للأطفال . 
 
نري إن المشرع لم يوفق في صياغة منظومة تشريعية ناجحة للأحوال الشخصية في مصر.
 
حيث إن كل هذه الأمور تتطلب التعديل العاجل لقوانين الأحوال الشخصية حتى لا يتم المزيد من إهدار حقوق كل من الطرفين، وهذا التعديل سيساهم في الحفاظ على تماسك الأسرة المصرية التي هي نواة هذا المجتمع.
 
حيث يمثل ارتفاع نسب معدلات الطلاق بصورة مستمرة تهديداً لأمن وسلامة واستقرار المجتمع.
 
وفي المنقطة العربية فقد احتلت قضية الطلاق مكانة هامة قبل وبعد ظهور الديانات الثلاث المنحدرة عن سيدنا إبراهيم عليه السلام، الذين أولوا الزواج أهمية كبرى، واعتبروه ميثاقا غليظا يوثق الرابطة الزوجية، ويحرض على عدم انحلالها، إلا في أضيق الحدود، فعلى سبيل المثال لا الحصر، فقد أباح الإسلام الطلاق في حالة ضرر يدفع ضررا أكبر، وبعد استحالة استمرار الحياة الزوجية وفق معايير وقوانين وأنظمة وضمن شروط تحفظ للمرأة والأولاد حقوقهم، وأعتبر الطلاق أبغض الحلال عند الله، ولقد ترافق مع تطور المجتمعات تطوير في نظم الزواج أفرزته التغيرات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية ومنها عوامل أثرت سلبا في البناء الأسرى لتتصادم فيه الأفكار بين الزوجين وتختلف التوجهات وتكثر المشاكل التي تؤثر تأثيرا في المجتمع من حيث البناء والوظيفة.
 
 وهناك إشكالية في غاية الأهمية، تخص ملايين المتضررين والمتضررات، ألا وهي الإجابة على السؤال.. هل الطلاق الحل الوحيد لكل المشاكل الزوجية؟ وهل نحن مع أم ضد التوسع في أسبابه؟ وذلك في ظل التغيرات العالمية المتسارعة، والتي تتعرض لها المجتمعات الحديثة في شتى أنحاء العالم، من ثورات تكنولوجية واتصال وتواصل وانتقال للثقافات، وخروج المرأة للعمل، وتغير الدور الرئيسي للأسرة التقليدية، حيث أصبحت الأسرة المعاصرة تختلف في بنائها وتركيبتها والأدوار المناطة بكل فرد فيها، مما أثر في نظرة المجتمع، واختلاف في المعايير والنظم الخاصة بالزواج والطلاق .. 
 يظن البعض أن الطلاق بمختلف أسبابه.. هو الحل لهذه الأزمة؟
أن ارتفاع معدلات ظاهرة الطلاق أصبح خطر يهدد مجتمعنا، وتشير التقارير الإحصائية الأخيرة أن هناك حالة طلاق كل دقيقتين، وهذا الأمر فيه خطورة علي سلامة واستقرار المجتمع، وتحتل مصر المرتبة الأولى عالمياً في حالات الطلاق، وهذا يعني أننا لابد أن نتصدى للظاهرة من جذورها وليس فقط في نتائجها، ونري أن الأزمة تكمن في وجود طرف يسئ استخدام حقه تجاه الطرف الآخر، وقد يتعسف الرجل مع الزوجة والعكس، فضلاً عن الأوضاع الثقافية والاقتصادية والاجتماعية، وانتشار مواقع التواصل الاجتماعي، مما أنشأ هذا الصراع الذي يجعل كل طرف من الطرفين يبحث عن مصلحته الخاصة بعيداً عن الآخر، فيحدث الانفصال .
 
وفى الحقيقة قد يظن البعض أن الطلاق بمختلف أسبابه.. هو الحل لهذه الأزمة؟ . 
في تقديري هذا غير صحيح، بل على العكس من ذلك فهو يؤدي إلى تفاقم الظاهرة، وانهيار منظومة القيم بأكملها داخل المجتمع، وللأسف الشديد، نجد أن الطلاق غالباً ما يكون هو بداية المشكلة بين طرفي العلاقة وليس نهايتها، ومن الممكن اللجوء لرفع دعاوي كثيرة بينهما منها على سبيل المثال "دعاوي النفقة بأنواعها والحضانة والرؤية وغيرها"، الطلاق ليس حلاً لكل المشاكل الزوجية ولا يوجد بيت يخلو من الخلافات الزوجية إذا كان الطلاق الحل الوحيد لما استمرت زيجة على وجه الأرض.
 
والبعض يستند إلى عبارات مطاطة منها استحالة العشرة وهي عبارة غير قابلة للقياس وتختلف من شخص لآخر، إذا كانت استحالة العشرة كسبب من أسباب الطلاق حسب أهواء كل شخص ومن ثم كل البيوت سيحدث فيها حالات طلاق، وتستقبل محاكم الأسرة ملايين المواطنين في دعاوى الأحوال الشخصية سنوياً.
 
وتجدر الإشارة أن هناك اتجاه في مشروع قانون الأحوال الشخصية للمسيحيين من بعض الطوائف فيه توسع في أسباب الطلاق علي الرغم من إعلانهم مراراً وتكراراً رفضهم التوسع في أسباب الطلاق ربما يكون قد اختلط عليهم الأمر في فهم المصطلحات القانونية أو ربما يحاول البعض تصدير أن طائفته تتمسك بتعاليم الكتاب المقدس، وأن أسباب الطلاق في طائفته سببين فقط، ثم يحاول الالتفاف علي المصلحات ويدعي أنه يتوسع فقط في انحلال وبطلان الزواج وذلك علي خلاف الحقيقة.
 
 نوضح ما الفرق بين الانحلال والبطلان والطلاق في الزواج؟
انحلال الزواج: هو إنهاء الزواج باختيار الزوج، أو بحكم القاضي، والفُرْقة لغة بمعنى الافتراق، وجمعها فرق، واصطلاحاً: هي انحلال رابطة الزواج، وانقطاع العلاقة بين الزوجين بسبب من الأسباب، والفرقة نوعان: فرقة فسخ وفرقة طلاق، والفسخ إما أن يكون بتراضي الزوجين وهو المخالعة، أو بواسطة القاضي.
 
 أما بطلان الزواج: يعنى قانوناً أن عقد الزواج نشأ معدوم الوجود والأثر فيكون باطلا منذ نشأته لأنه ولد ميتا، فلا يكون له أي آثار في الماضي أو الحاضر أو المستقبل أي يصبح هذا الزواج كأن لم يكن أصلا.
 
 أما الطلاق: يعني قانونا أن عقد الزواج قد نشأ صحيحا بين طرفيه ومطابقا للقانون ثم نشأ بعد انعقاده من الأسباب ما أدى إلى حل الرابطة الزوجية.
 البطلان يختلف عن أسباب انحلال الزواج من فسخ وتطليق، ويعتبر الأخير إنهاء للزواج بالنسبة للمستقبل فقط مع الاعتراف بكافة آثاره في الماضي.
 نري أنه يجب عدم التوسع في أسباب الطلاق بالنسبة للمسيحيين ويكون التطليق لسببين علة الزنا وتغيير الدين فقط، وأن تكون أسباب البطلان واردة علي سبيل الحصر وهي عدم توافر الشروط الشكلية والموضوعية من حيث الأهلية والرضا وانتفاء الموانع والغش، وإقرار مبدأ حظر تعدد الزوجات في المسيحية مؤدي ذلك بطلان الزواج الثاني المعقود حال قيام الزوجية الأولي.
 
1- " فلا طلاق إلا لعلة الزنى"، يقول السيد المسيح "وأما أنا فأقول لكم أن مَنْ طَلَّق امرأته إلا لعلة الزنى يجعلها تزني" (متى 32:5).. وأيضًا "وأقول لكم أن مَنْ طلق امرأته إلا بسبب الزنى وتزوَّج بأخرى يزني" (متى 19: 9).
 
2- استحالة الطلاق في المسيحية إلا لعلة الزنا وتغيير الدين، تعاليم الكتاب المقدس واضحة في هذا الشأن، لا يجوز زواج المرأة التي طلَّقت من زوجها بغير علة الزنا" ومَنْ يتزوج مطلقة فإنه يزني" (متى 32:5).
 
"والذي يتزوج بمطلقة يزني" (متى 19: 9) "وان طلقت امرأة زوجها، وتزوجت بآخر، تزني" (مرقس 10: 12)، "لكل مَنْ يتزوج بمطلقة من رجل يزني" (لوقا 16: 18).
 
3- لا يجوز زواج الرجل الذي طلَّق امرأته بغير علة الزنا، وهذا واضح من قول السيد المسيح "كل مَنْ يطلق امرأته، ويتزوج بأخرى، يزني" (لوقا 16: 18).
 
في تقديري الشخصي أن بداية حل المشكلة، وأحد أهم الحلول يبدأ بأن يعرف كل من الزوجين دوره الحقيقي الذي خلقه الله عليه، وأن يفهم الاثنان سيكولوجية بعضهما البعض وأن يكون هناك لغة حوار وصداقة حقيقية بينهما، والبحث عن مساحات مشتركة للتفاهم وتقريب وجهات النظر بينهما بالحب والبعد عن الأنانية، لأن الحياة الزوجية هي المباراة الوحيدة التي يكسب فيها الأثنان معاً أو يخسران معاً.
 
 يجب أن نضع الأسرة المصرية على رأس أولوياتنا، وأن تتضافر كافة الجهود لحمايتها والمحافظة عليها، فهناك حاجة ماسة لنظام تربوي اجتماعي وقانوني وتأهيلي لحياة زوجية سعيدة، وإنشاء مراكز تأهيل للشباب والفتيات المقبلين على الزواج؛ وذلك بعمل "كورسات" لتأهيلهم للزواج من أجل مواجهة حالات الانفصال، ومن أجل نظم حضارية وإنسانية تضع حلولاً لمشاكلهم وللتخفيف من معاناتهم، مع مراعاة مصلحة كل فرد في الأسرة وخاصة الأطفال.