( 330- 396 م تقريبا )
إعداد/ ماجد كامل
تحتفل الكنيسة القبطية يوم 26 هاتور  للشهداء الموافق 5 ديسمبر للميلاد ، بتذكار نياحة القديس  العظيم غريغوريوس أسقف نيصص ( 330 – 396 م تقريبا ) .  وفي البداية لا بد أن نفرق بين القديس غريغوريوس النزينزي ( 329- 390 ) ، والقديس غريغوريوس الأرمني ( 257- 331 م تقريبا )  . والقديس غريغوروس النيصي ، وهو القديس الذي نحن بصدد الكتابة عنه .

أولا :- حياته .
 أما عن القديس غريغورويوس أسقف نيصص   ، فهو وحسب  السنكسار القبطي تحت يوم  26 هاتور " ولد في كبدوكية سنة 330 ميلادية وعين أسقفا  على  يد أخيه القديس باسيليوس سنة  372 ، نفي قي عهد الملك والس ثم عاد  سنة 378 بأمر  الملك ثاؤدوسيوس  الكبير ، وقد وضع كتبا دينية كثيرة . وتنيح بسلام سنة 396 م .صلاته تكون معنا "  .

والقديس غريغوريوس من أسرة  تقية ، فشقيقيه بالجسد : القديس باسيليوس الكبير رئيس أساقفة الكبادوك ، والقدبس بطرس أسقف  سبسطية ، أما شقيقته فهي القديسة ماكرينا التي صارت رئيسة دير أحدي الراهبات . ولقد كان غريغوريوس منذ طفولته ميالا إلي  الأدب والبلاغة  ، ولم يكن  يميل كثيرا إلي حياة الرهبنة ، فتزوج من فتاة تقية تدعى " ثيوسيبا Theosiba  ولكنه تحت تأثير صديقه الحميم القديس غريغوريوس النزينزي  ، الذي كان يحثه علي الخدمة والتكريس أسوة بشقيقيه ، فأتفق مع زوجته  علي  أن يعيشا معا كأخوين ، وذكرت بعض المراجع  أنها ترهبت في الدير الذي ترأسته القديسة ماكرينا شقيقته  بالجسد .

اتجه إلي الرهبنة ، وعاش فترة من الوقت في أحد الجبال ،  وفي عام 370 ، رسم شقيقه القديس باسيليوس أسقفا علي  قيصرية الكبادوك ، واستدعي  شقيقه غريغوروس ، وسامه أسقفا على مدينة نيصص ، وكان ذلك خلال عام 373 م . وفي العام التالي مباشرة ، قام الإمبراطور الاريوسي فالنس( 328- 378 م )  بشن حرب ضد كل الأساقفة الأرثوذكسيين ،  فوجه اتهاما للقديس غريغوريوس بتبديد  أموال الكنيسة ، وأن سيامته باطلة ، فنفاه لمدة 4 سنوات  ، وبعد وفاة فالنس ، عاد القديس . غريغوريوس  إلي كرسيه  ، حيث استقبل استقبالا حافلا  ، وبدأ في ممارسة نشاطه التعليمي والرعوي ، ولقد شارك في مجمع القسطنينية الثاني عام 381 ، ولقد واجه القديس غريغوريوس متاعب كثيرة في إيبارشيته ، حتي تنيح عام 395 م تقريبا ( يوجد اختلاف بين  المؤرخين في تاريخ ميلاد ووفاة القديس ) .

ثانيا  :- كتاباته :-
القديس غريغوريوس النيصي كاتب غزير الأنتاج  ، ويظهر في كتاباته أنه رجل   ذو ثقافة واسعة بالفلسفة والعلوم في عصره ، ويظهر تأثير الفلسفة الأفلاطونية  فى معظم كتاباته . وفى محاولة لتقسيم  كتاباته حسب كيرلس سليم بستروس ، نجد انها تنقسم إلي :-

1-الأعمال العقائدية :-
+ ضد افنوميوس : وله فيها أربع كتب  .
+ ضد الأبولينارسيون :- و له فيها ثلاث كتب .
+ كتاب التعليم الكبير :- وهو يعد ثاني محاولة لاهوتية شاملة بعد كتاب أوريجانوس  " المباديء وهو يمثل خلاصة العقيدة المسيحية  ، يعتقد انه كتب نحو عام 386م ، فيه يعالج غريغوريوس ( وحدانية الله في ثلاثة أقانيم -، الخطيئة ، التجسد ، الفداء ، المعمودية ، الغفخارستيا ) .
+ الحوار مع ماكرينا ( شقيقته الكبرى ) :- عندما كانت على وشك الموت  ، فكتب على لسانها بعض الأراء في الموت والنفس والخلود والقيامة .
+ بعض رسائل متفرقة يدافع فيها عن عقيدة  ( الثالوث ، العلاقة بين الأقانيم الثلاثة وأن الثلاثة واحد في الجوهر ، ألوهية الروح القدس ، حوار مع فيلسوف وثني يرد فيه على مذهب الجبرية ) .

2- الأعمال التفسيرية والوعظية :-
+ مؤلف هام فى : ( تاريخ الخليقة ، خلق الإنسان ، تفسير الأيام الستة ) .
+ ثمان مواعظ فى سفر الجامعة يدعو فيها غريغوريوس النفس إلي التعالي  فوق الحواس ، الزهد بجمال الدنيا ، العبادة الصامتة ، خمس عشر موعظة في تفسير سفر النشيد ، بعض العظات في تفسير سفر المزامير يوضح فيها هدف المزامير ونظامها وتقسيمه ، ثم يفسرها تفسيرا رمزيا ، خمس مواعظ في تفسير الصلاة الربانية  ، ثماني مواعظ في التطويبات ، موعظتان في تفسير رسالة بولس الرسول الأولى إلي الكورنثيين ) .
+ حياة موسى :- كتب  حوالي عام 392 م ،  فيه يتناول الأحداث التي مرت بموسى ، بهدف استخراج المعاني الأخلاقية التي تفيد وتبني ،  وهو يقدم حياة موسى كنموذج للكمال .

3- الأعمال النسكية والرهبانية :-
+ في التبتل  :- وهو من  أعماله الأولى  .
+ في الكمال المسيحي :- وهو بحث موجه إلي  راهب يدعى " أولمبيوس " ، وهو تعليق على نصوص القديس بولس الرسول ، وخلاصة البحث " الكمال الحقيقى لا يتحقق أبدا ، ولكنه حركة دائمة إلي الى الأصلح ، فالكمال لا يحده الله " .
+ أسم المسيحين ووظيفتهم :- وهو بحث موجه إلى شخص يدعى " هرمونيوس " وخلاصته أن المسيحية اقتداء بالطبيعة الإلهية ، وتجديد الصورة الأولى .
+ حياة ماكرينا :- وكتبه عقب نياحة شقيقته القديسة "ماكرينا " في عام  379 م .
+ المؤسسة المسيحية :- وهو  مؤلف لم يكتشف إلا مؤخرا ، وهدف الكتاب هو الارتقاء بالإنسان الروحاني إلي مرحلة النضج ، وهو عمل مشترك تشترك فيه النعمة والإرادة ، وفى القسم الثاني  والثالث دفاع شديد عن حياة التأمل ، فالصلاة سلم الفضائل ، وحول أهمية الصلاة كتب يقول " من ينكب على الصلاة ، بقيادة الروح وعونه ، يضطرم بحب الرب وبالرغبة فى مناجاته ، ولا يجد ما يروي ظمأه إلي الصلاة ، بل تزداد رغبته في طلب الصلاح الإلهي " ( كيرلس سليم بسترس :- تاريخ الفكر  المسيحي ، صفحتي 538 ، 539 ) .

4- الخطب والمواعظ والرسائل :-
وهى تعتبر من الأعمال الأقل قيمة في تراث غريغوريوس النيصي ،  نذكر  منها عظة عن الحج إلي القدس ، وفيها يشجب الغلو في تعظيم  أهمية ذلك الحج  فيقول " الانتقال من مكان إلي مكان لا يفيد في التوجه إلي الله ، ولكن حيثما تكون يأتي الله إليك ،إذا كانت غرف نفسك مهيأة لأن يسكن الله فيك ، ولكن إذا كان إنسانك الداخلي حافلا بالأفكار الشريرة ، حتي ولو كنت على الجلجثة ، أو على صخرة القيامة ، فأنك ستكون  بعيدا عن تقبل المسيح بقدر ما يكونه الإنسان الذي لم يعترف بعد بالمسيح " ( كيرلس سليم بسترس :- تاريخ الفكر المسيحي ، نفس المرجع السابق ، صفحة 539 ) .
( لمزيد من الشرح والتفسير :- كيرلس سليم بسترس ، تاريخ الفكر المسيحي  ، الصفحات من  531- 539 ) .

موقف القديس غريغوريوس النيصي من الفلسفة والآداب الوثنية :-
بصفة عامة ، معظم الآباء الكبادوكيين كانو يكنون احتراما كبيرا للفلسفة والآداب الوثنية ، ولقد ظهرت اكثر وضوحا فى كتاب القديس باسيليوس الكبير Basil of Caesarea ( 329- 379 م ) ، " حديث إلى الشباب " .  ولم يشذ غريغوريوس النيصي عن هذه القاعدة ، فهو يحرض على تعلمها واستخدامها في أثبات الدين المسيحي ، غير أنه يحذر من  أخطارها . وهو شخصيا أنكب على دراستها والتعمق فيها ، ولقد تأثر كثيرا بالفيلسوف اليوناني أفلاطون  Plato  (   427 ق .م – 347 ق .م تقريبا ) وظهر هذا التأثر فى كتابه عن " حياة موسى" ، فلقد تأثر به فى النظر إلي  ضألة العالم المادي ، والشوق إلى  تحليق النفوس إلى الأعالي ، ومن الأفكار الأفلاطونية التي تأثر بها ، تقسيم النفس إلى عقلية وشهوانية وغضبية ،وتشبيهها بعربة يجرها حصانان ويقودها العقل ، كره الشر ، التجرد من الأمور الحسية ، ولقد أختلف العلماء في تصنيف المدرسة الفلسفية التي تأثر بها ق . غريغورويوس النيصي ، ولكن أرجح الأراء ترجعه إلي الفلسفة الأفلاطونية ، مع الجمع ما بين عناصر أرسطية ورواقية مع الأفلاطونية ( لمزيد من الشرح والتوضيح :- كيرلس سليم بسترس :- تاريخ الفكر المسيحي ن مرجع سبق ذكره ، صفحة 537  ، وأيضا رأفت عبد الحميد : الفكر المصري في العصر المسيحي ، دار قباء للنشر ، 2000 ، صفحة 76 ) .

القديس غريغوريوس النيصي في  الترجمات العربية :-
فى محاضرة هامة للدكتور جوزيف موريس فلتس بعنوان " غريغوريوس أسقف نيصا فى التراث العربى المسيحى ،  نشرت على موقع اللاهوت الدفاعي بتاريخ 14 يوليو 2016 ، ذكر  فيه أن التراث العربى المسيحي عرف القديس غريغوريوس  ، ومن الأدلة الدالة  على ذلك :-
1-وجود ترجمات لمؤلفاته باللغة العربية وانتشارها فى مخطوطات ترجع إلي عصور مختلفة .
2-الاستشهاد ببعض مؤلفاته فى كتب التراث العربى المسيحي إ .

3-وجود بعض ترجمات عربية قديمة و حديثة لحياته وكتاباته باللغة العربية نذكر منها :-
+ يذكر شمس الرياسة أبو البركات بن كبر  فى موسوعته الخالدة " مصباح الظلمة في إيضاح الخدمة " في الباب السابع من الموسوعة فيقول " عرفت الكنيسة القبطية في اللغة العرلابية سبعة مؤلفات للقديس غريغوريوس هي :-
أ‌- قداس السرائر للابن .
ب‌-  تتمة الاكسيمارس ( شرح وتفسير ستة أيام الخليقة ) للقديس باسيليوس الكبير شقيقه الأكبر .
ت‌- رسالة إلى شقيقه القديس بطرس أسقف سبسطية  .
ث‌- شرح سفر نشيد الأناشيد شرحا روحيا وافيا .
ج‌- كتاب الأبواب في طبيعة الإنسان ، ويذكر بن كبر ان الذي ترجمه من اليونانية إلي العربية هو حنين بن اسحق المتطبب وأن عدد الأبواب 23 بابا .
ح‌- كتاب إيساغوجي لارسطو طاليس ، ويعلق بن كبر على هذا الكتب فيقول " وهو وإن كان كتابا علميا ، فأنه يفيد في تقسيم المعنى وتفهم أصول العقيدة " .
خ‌- يذكر أبو البركات تحت أسم ماكرينا أنه اخت القديس غريغوريوس ،

كما يذكر العالم الإلماني جورج جراف Georg Graf (   1875- 1955 )  بعض الأعمال التي أقتبس الكتاب العرب بعض الكتابات من القديس غريغوريوس  ذكر منها ( ساويرس بن المقفع في كتاب الدر الثمين – مؤلف كتاب اعترافات الآباء  حيث أقتبس  أربع نصوص  ) .

الترجمات العربية الحديثة لكتابات  للقديس غريغوريوس :-
1-حياة موسى :- تعريب القمص إشعياء ميخائيل ، القاهرة ، 1988 م .
2-نشيد الأنشاد :- تعريب القمص تادرس يعقو ملطي ، الإسكندرية ، 1993 م .
3-السلوك المسيحى :- تعريب القمص إشعياء ميخائيل ، القاهرة ، 1993 .
4-من مجد إلي مجد :- تعريب القمص إشعياء ميخائيل ، القاهرة ، 1994 ( طبعة ثانية ) .
5-الكمال المسيحي :- تعريب القمص إشعياء ميخائيل  ، القاهرة ، 1994 .
(جوزيف موريس فلتس :- غريغوريوس أسقف نيصا فى التراث العربي المسيحي  ، موقع اللاهوت الدفاعي ، 14 يوليو 2016 ) .

بعض مصادر ومراجع المقالة :-
1-السنكسار القبطي تحت يوم 26 هاتور .
2-القديس إيرونيموس :- مشاهير الرجال ،  ترجمة الأب جوزيف كميل جبارة ، دار المشرق ، بيروت ،  الطبعة الأولى ، 2010 ،  صقحة 128 ، الشخصية رقم 128 .

3  -القمص تادرس يعقوب ملطي :- القديس غريغوريوس أسقف نيصص ، كنيسة مارجرجس سبورتنج .
4-القمص أثناسيوس فهمي جورج :- القديس غريغوريوس النيصي – مشروع  الكنوز القبطية .

5-أحد آباء برية القديس مقاريوس :- دراسات 0فى آباء الكنيسة ، دار مجلة مرقس ،  الصفحات من 380 – 401 .
6-جوزيف موريس فلتس :- غريغوريوس أسقف نيصص فى التراث العربى المسيحى  ، فريق اللاهوت الدفاعي ، 17 يوليو 2023 .
7- كيرلس سليم بسترس وآخرون :- تاريخ الفكر المسيحي عند آباء الكنيسة ،      الصفحات من 529- 545 .

8-جوهانس كواستن :- علم الآبائيات ،العصر الذهبي للأدب الآبائي المدون باللغة اليونانية ، ترجمة الراهب غريغوريوس البراموسي  ونادر مدحت لبيب ، مركز باناريون للتراث الآبائي ،  سلسلة دراسات عن آباء الكنيسة في العصور الأولى ، الطبعة الأولى ،أكتوبر 2021 ، الصفحات من  328- 392 .
9-الخور أسقف بولس الفغالي :- غريغوريوس ( غريغوار ) النيصي ابن كبادوك والمدافع عن تعليم مجمع نيقية ، منشورات المكتبة البولسية ، الطبعة الأولى 2017 .

10-  رأفت عبد الحميد :- الفكر المصري في العصر المسيحي ، دار قباء للنشر والطباعة والتوزيع ، 2000 ، صفحة 76 .