هاني لبيب
هناك تعبير غير متداول إعلاميًا بشكل جيد هو «التراث الثقافى غير المادى».. ويقصد به الممارسات والمهارات والمعارف والتقاليد الشفهية وأشكال التعبير الحية التى تمثل جزءًا من ثقافة المجتمع وهويته، ولكنه لا تترتب عليه آثار مادية واضحة. ويشمل هذا التراث العديد من جوانب الحياة اليومية مثل: الفنون التقليدية، والاحتفالات الشعبية، والممارسات الدينية والطقوس، والتقاليد الحرفية، والفولكلور، والأساطير والخرافات، والمعارف المتعلقة بالطبيعة والكون. والملاحظة المهمة هى أن التراث الثقافى غير المادى يختلف عن التراث المادى الذى يتمثل فى المواقع والاكتشافات الأثرية والمبانى واللوحات والملابس، غير أن كلا منهما لا يقل إطلاقًا أهمية عن الآخر فى الحفاظ على الهوية الثقافية لأى مجتمع.
مؤخرًا، أعلنت مصر على لسان د. نهلة إمام، مستشارة وزير الثقافة للتراث الثقافى غير المادى، تسجيل «الحناء» باعتبارها (تمثل طقسًا اجتماعيًا عريقًا فى المجتمعات العربية، حيث تستخدم فى الحياة اليومية والمناسبات المختلفة، كما أنها ترتبط بتقاليد شفوية، مثل الأمثال الشعبية، وممارسات اجتماعية تشمل زراعتها واستخدامها فى الحرف اليدوية والعلاجية)، كما تم تسجيل السمسمية - آلة وترية مصرية تعود جذورها إلى الأسر المصرية القديمة، وتستخدم فى نوع من الموسيقى المصرية يطلق عليه الموسيقى السواحلى - على قوائم التراث الثقافى غير المادى خلال هذا الشهر، وذلك بالاشتراك مع إحدى الدول بشكل غير مفهوم وهو ما سأعود له فى مقال لاحق. وهما بذلك التسجيل رقم ٩ باسم مصر فى تلك القوائم التى ضمت: السيرة الهلالية سنة ٢٠٠٨، والتحطيب (الرقص الفلوكلورى) سنة ٢٠١٦، والأراجوز سنة ٢٠١٨، وصناعة النسيج اليدوى فى صعيد مصر، والخط العربى، ومهارات وتقاليد النخيل والصناعات المرتبطة بها سنة ٢٠٢٠، والفنون والمهارات المرتبطة بالنقش على المعادن (ذهب، فضة، نحاس) سنة ٢٠٢٣، والاحتفالات المرتبطة برحلة العائلة المقدسة سنة ٢٠٢٣.
أقرأ بين الحين والآخر التنافس بين الدول على تسجيل بعض المجالات التى تتداخل فيها حقوق الملكية بين أكثر من ثقافة وأكثر من دولة.. وهو ما يخضع فى النهاية إلى حيثيات منطق الملكية المثبتة بمعلومات تاريخية. وبالمناسبة، مازلنا على سبيل المثال لم نوثق الأكلات المصرية التقليدية على الرغم من شهرتها وانتشارها (الفول والكشرى والملوخية والفتة والفسيخ..) خاصة أن المطبخ المصرى غنىّ بأطباقه المتميزة المثبتة تاريخيًا للمصريين، والتى لم تجد لها تسجيلًا وتوثيقًا رسميًا إلى الآن ضمن قائمة اليونسكو..
نحتاج إلى حماية التراث الثقافى غير المادى، وضمان عدم تهديده بالسرقة أو التلاعب فى مضمونه ومحتواه.. لذا يجب اتخاذ مجموعة من الإجراءات والتدابير المهمة المستقبلية حتى يتسنى لنا التسجيل الرسمى لكل ما يتعلق بتراثنا وهويتنا، على غرار:
التوثيق الشامل: توثيق جميع جوانب التراث الثقافى غير المادى فى مصر بشكل دقيق، سواء عبر النصوص المكتوبة أو من خلال تقنيات رقمية حديثة، لتوثيق كافة العادات والتقاليد والأدوات الفنية.
التعاون الدولى: دعم تعزيز التعاون مع اليونسكو والمنظمات الدولية الأخرى لضمان الاعتراف بالتراث الثقافى المصرى على المستوى العالمى.
التوعية المجتمعية: أهمية التراث الثقافى غير المادى والتوعية بكيفية الحفاظ عليه وتطويره. يمكن ذلك من خلال المناهج التعليمية والفعاليات الثقافية.
المشاركة فى المحافل الدولية: تعزيز المشاركة المؤثرة فى اللقاءات والمؤتمرات والمنتديات والفعاليات الدولية التى تختص بحماية التراث الثقافى، مثل مؤتمر اتفاقية صون التراث الثقافى غير المادى، وذلك للضغط على شرعية الاعتراف بالتراث الثقافى المصرى.
نقطة ومن أول السطر..
التراث الثقافى المصرى غير المادى هو جزءٌ لا يتجزأ من الهوية الوطنية والشخصية الثقافية للدولة المصرية.. وبالتالى، الحفاظ عليه ليس مسؤولية الحكومة وحدها فقط، بل هو أيضًا مسؤولية المجتمع ككل للحفاظ على ميراثه الثقافى للأجيال القادمة.
تأخرنا كثيرًا، ولكن «ما لا يدرك كله.. لا يترك كله».
نقلا عن المصرى اليوم