لواء د. سمير فرج
ظهرت فكرة اليوم التالى The Day After بعد قرار دول حلف الناتو والولايات المتحدة الأمريكية بالقضاء على القذافى، وإزاحته من حكم ليبيا، وبالفعل نجحت هذه الخطة وتم التخلص من القذافى، وبعدها دخلت ليبيا فى فراغ دستورى ورئاسى كامل، واستمر منذ رحيل القذافى حتى الآن.

ومنذ عدة سنوات اكتشفت بريطانيا أن لديها أموالًا بالمليارات لدى ليبيا، وعندما طالبت بإعادة هذه الأموال ولم تستطع أن تحصل عليها، حيث إن هناك حكومتين فى ليبيا واحدة فى الشرق فى بنغازى، والأخرى فى الغرب فى طرابلس، وقامت كل حكومة بتحويل موضوع استرداد بريطانيا إلى أموالها للحكومة الأخرى وبالتالى لم تحصل بريطانيا على أموالها الموجودة لدى ليبيا حتى الآن، لذلك استدعى مجلس العموم البريطانى وزير الخارجية الأسبق الذى كان موجودًا فى هذه الفترة التى أخذت الحكومة البريطانية القرار مع باقى دول الناتو وأمريكا على إزاحة القذافى، وسألوه عندما تم اتخاذ قرار التخلص من القذافى وإزاحته من حكم ليبيا، ألم يفكر أى أحد منكم ماذا سيحدث فى اليوم التالى لرحيل القذافى The Day After؟ واعتبر البرلمان البريطانى أن ذلك كان خطأ كبيرًا من العناصر التى خططت لعملية إزاحة القذافى، حيث كان عليهم ليس التفكير فقط فى أسلوب التخلص من القذافى، بل كان عليهم التفكير فيمن سيخلفه ويتم التركيز على أن تسمح له الفرصة لإدارة البلاد بعد رحيل القذافى.

وعندما حدثت أعمال القتال فى غزة يوم ٧ من أكتوبر، لم يمض شهر واحد على هذا القتال، حتى جاء إلى القاهرة وليام بيرنز مدير المخابرات الأمريكية CIA، حيث أخبر مصر بأن الولايات المتحدة الأمريكية ترى أنه بعد انسحاب إسرائيل من غزة، فإن الولايات المتحدة ترى أن اليوم التالى The Day After فى غزة يجب أن تكون غزة تحت السيطرة المصرية لمدة ستة شهور تقوم فيها مصر بالسيطرة على القطاع من الناحية الإدارية بالكامل وإجراء انتخابات نزيهة حرة لانتخاب حكومة تكنوقراط تتولى إدارة غزة فى الفترة القادمة، بعدها تنسحب مصر من المشهد.

وكان رد مصر واضحًا منذ البداية حيث رفض ذلك تمامًا وكانت إجابته أن اليوم التالى فى غزة سيكون من خلال سيطرة السلطة الفلسطينية فى رام الله، التى هى الممثل الشرعى للشعب الفلسطينى، على قطاع غزة وبعدها ظهرت العديد من الأفكار مثل إنشاء قوة عربية تتولى موضوع اليوم التالى فى غزة، أو قوة دولية، حتى إن إسرائيل اقترحت شكلا آخر أن تكون مجموعة من زعماء العشائر فى غزة التابعين لها للسيطرة على غزة، وبالطبع كل هذه الأفكار رفضتها مصر تمامًا.

وفوجئنا فى الأسبوع الماضى بأن رئيس الوزراء الإسرائيلى نتنياهو قدم اقتراحًا جديدًا بأن تتولى السيطرة على غزة فى الفترة القادمة شركات أمن أمريكية خاصة، وتكون مسؤولة أولًا عن توزيع المساعدات الإنسانية والمواد الغذائية التى تصل إلى غزة كذلك القيام بأعمال التأمين الداخلى فى مدن وقرى غزة. على أن تظل القوات الإسرائيلية تحيط بالمدن الرئيسية، وتحتل وتسيطر على المحاور فى غزة لمنع تحرك أهالى غزة، خاصة عدم عودة أهالى شمال غزة إلى بلادهم وقراهم مرة أخرى.

هذا الأمر، بالطبع قد رفضه الجميع، وإن كان هدف نتنياهو منه أولًا، أن يتم الزج بهذه الشركات الأمريكية الخاصة التى يمكن أن تحتك بالفلسطينيين داخل غزة، وتحدث اشتباكات بينهم، حيث وصل ذكاء نتنياهو إلى أن تصبح الولايات المتحدة طرفًا فى القتال والنزاع، بل يمكن أن يتطور بأن تتدخل القوات الأمريكية لحماية المواطن الأمريكى الذى يعمل فى تلك الشركات الأمنية الخاصة.

ومن هذا المنطلق، أعتقد أن أمريكا أيضًا لن توافق على هذا الحل، رغم أن إسرائيل تحاول تنفيذ هذه الفكرة فى إطار أنه سبق تطبيقها فى بغداد بعد رحيل صدام حسين، حيث اشتركت شركات الأمن الأمريكية الخاصة فى بغداد داخل ما يطلق عليها المنطقة الخضراء، وهى منطقة داخل بغداد، تمركزت فيها السفارات الأجنبية ومناطق سكن كبار رجال الدولة فى العراق، ولذلك كانت مهمة هذه الشركات محصورة داخل إطار محدد وليس فى كل العراق.

أما فى غزة فإن الأمر يختلف تمامًا، حيث جاءت هذه الفكرة من رئيس الوزراء الإسرائيلى نتنياهو. هذه الفكرة كانت ضد إسرائيل بل فضحتها حيث إنها أثبتت للجميع أن إسرائيل فشلت فى السيطرة على غزة، والتى كانت أحد الأهداف الثلاثة الرئيسية لجيش الدفاع الإسرائيلى حيث كان الأول، تحرير الرهائن، وهذا لم يحدث والثانى القضاء على حماس، وهذا أيضًا لم يحدث، بل الذى حدث فقط إضعاف القدرة القتالية العسكرية لحماس، أما الهدف الثالث فهو السيطرة على غزة وتأمينها، ولكن جاء هذا المقترح من نتنياهو لكى يثبت فشل الجيش الإسرائيلى فى السيطرة على غزة، ويريد أن يترك هذه المهمة لشركات أمن أمريكية خاصة.

وكان أحد أهداف هذا المقترح أن إسرائيل تريد أن تقضى على فكرة منظمة الأونروا أيضا والتى كانت فى الأساس مهمتها توزيع المساعدات الإنسانية على الشعب الفلسطينى، علاوة على إدارة منظومة التعليم والصحة لكافة الأفراد فى غزة، كما أن شعب غزة متفهم تمامًا لوضعها، حيث إنها تعمل تحت مظلة الأمم المتحدة منذ عشرات السنين، ولها مبانٍ إدارية ومخازن وأفراد عاملون بها، يعلمون الأوضاع الحقيقية للشعب الفلسطينى فى غزة لذلك، لن يكون هناك أى صعوبة فى تحقيق السيطرة الإدارية على غزة من خلال منظمة الأونروا، ولكن نتنياهو يريد إقصاء منظمة الأونروا من العمل داخل غزة، حتى لا يكون هناك تعليم، ولا صحة، ولا معيشة إنسانية. وهكذا يثبت للعالم كله كل يوم أن رئيس الوزراء الإسرائيلى هدفه إبادة هذا الشعب الذى يعيش فى أكبر مأساة إنسانية، بل تعتبر الأعظم فى التاريخ الحديث للعالم كله.
نقلا عن المصرى اليوم