حمدى رزق
مع وصول الفصائل المسلحة (المصنفة إرهابية) إلى مدينة «حلب»، نشرت منصاتها الإلكترونية صورة لرجل ملتحٍ يشبه «أسامة بن لادن»، مؤسس تنظيم القاعدة، وهو يرتدى ملابس عسكرية يقود الزحف نحو العاصمة دمشق لإسقاط الأسد.
بين عشية وضحاها، ما لبثت الصورة أن تغيرت، صورة الإرهابى الدولى «أبومحمد الجولانى»، زعيم هيئة تحرير الشام، تبدلت تمامًا مع توالى الزحف.
ظهر الإرهابى مؤخرًا خلال مقابلة حصرية مع CNN حاورته فيها مذيعة الشبكة «جمانة كرادشة»، (لاحظ مذيعة) فى لوك جديد، طلّة مختلفة، مرسومة بعناية، وكأن الشبكة الأمريكية تقدم وجهًا جديدًا لـ«هوليوود»، وجهًا مغسولًا من سوابقه الإرهابية.
اللوك الجديد، الطلّة المنمقة باللحية المشذبة التى ظهر بها الجولانى لن تغير من وصفه إرهابيًّا، ولا تخليه عن كنيته «الجولانى» سيغفر له خطاياه، الاسم أحمد، وليس له من اسمه نصيب.
برز الجولانى فى ثياب الواعظين، ظهر على CNN باسمه الحقيقى أحمد الشراع، ولكنة وعظية ترشحه داعية، وبلغة مفرداتها من كتاب الديمقراطية، الإرهابيون الجدد عادة يظهرون فى ثياب الواعظين إلى حين التمكين فى الأرض، وينقلبون تاليًا وحوشًا متحورة ضارية، بالسوابق يُعرفون.
عنيت CNN أيّما عناية برسم صورة مغايرة للجولانى، فى محاولة أمريكية مفضوحة لغسل يديه من دماء الأبرياء، وإدماجه مرحليًّا فى خريطة الشرق الأوسط الجديد.
تفكيك سوريا ليس بعيدًا عن مخطط «سايكس بيكو» فى عام 1916، النسخة المنقحة، ما يُعرف بتفكيك الدول الوطنية، ومن وصف طيب الذكر الأستاذ هيكل «تفتيت المفتت، وتجزئة المجزأ»، وإعادة الدول العربية التى كانت قد استقلت وطنيًّا إلى مرحلة ما قبل الدولة، وتعميق النعرات الانفصالية، والقبلية، والجهوية، والإثنية، والعرقية، شِيَعًا وأحزابًا متقاتلة.
لن يخيل الأمر على مراقب الصورة التى ترسمها CNN على شاشتها للجولانى. عملية التجميل فى المعامل الأمريكية مفضوحة، ولا تنطلى على أريب، وأخشى لاحقًا رفع اسم الجولانى- بعد تغيير اسمه إلى «أحمد الشرع»- من قوائم الإرهاب الدولية، واستقباله فى العواصم المعنية بعقد الصفقات التحتية، ودعمه ليعلن إمارته الإسلامية.
درس طالبان ودرس القاعدة ومنتوجاتها الإرهابية لا تزال تؤرق ضمير العالم، دول كانت حاضرة من التحضر، وأصبحت فى جاهلية مقيتة تحت مزاعم دينية أسطورية فى الخلافة، ولا تزال دماء الأبرياء، واسترقاق المسيحيين، ووأد النساء فى الجب الشرعى، ولكن الغرب لا يتعلم الدرس، والعرب لا يتعلمون، ولايزال بعضهم يوالس جماعات إرهابية عقورة، بحسب تبتعد عن الحياض، يصح فيهم قولًا أكلنا يوم أكل الثور الأبيض، أقصد الأسد!.
الجولانى يتكلم برقة غريبة على إرهابى عتيد، وينظر سياسيًّا كثورى نورى، ويخاتل الغرب بديمقراطية مزعومة، ويوالس داعميه بقواعد معلومة، ويُمنِّى الرهائن بالمَنّ والسلوى، ويزعم عدلًا، ويتحدث كأمير المؤمنين.
هكذا ظهر الجولانى فى نسخته الثالثة، راجع صورته عندما كان قاعديًّا، وصورته عندما كان داعشيًّا، وصورته الجديدة عندما صار معارضًا ثوريًّا.
اللوك الجديد عنى بطول اللحية، وتقصير اللحية كما تقصير الجلباب، لا يترجم تغييرًا فى الأفكار المؤسسة لجماعات الإرهاب الدينى، التى ابتُليت بها المنطقة العربية منذ تحالف الشيطان الأمريكى مع هذه الجماعات فى أفغانستان واستحضارها لقتل الدب الروسى. تقهقر الدب، وتوحشت الجماعات الضالّة. نظرية العدو القريب. بالمناسبة، الجولانى لم يمسّ إسرائيل بحرف، فضلًا عن أنه لم يطلق رصاصة واحدة خلال تاريخه باتجاه الجولان المحتل.
نقلا عن المصرى اليوم