ياسر أيوب
كان التحطيب أحد الفنون القتالية فى مصر القديمة وتحول إلى لعبة احتفالية لايزال يمارسها الرجال فى صعيد مصر ويمزجون بين العصا والموسيقى الشعبية مع المحافظة على المعانى والقيم المرتبطة بها منذ البداية.. هذا بعض ما قالته منظمة اليونسكو فى ديسمبر 2016 ضمن أسباب اختيارها للعبة أو رقصة التحطيب كتراث عالمى لابد من الاحتفاظ به والمحافظة عليه.
وبعيدا عما قالته منظمة اليونسكو.. هناك كلام كثير يمكن أن يقال الآن بمناسبة إقامة المهرجان القومى للتحطيب حاليا فى ساحة أبوالحجاج بمدينة الأقصر الذى سيختتم عروضه غدا.. فالتحطيب كان أحد أشكال المصارعة وأحد الألعاب الكثيرة التى ابتكرها المصريون القدماء لكنه بقى لعبة وحيدة احتفظت بها مصر ولم يتم تصديرها خارج حدودها.
وكان التحطيب والهوكى لعبتين مارسهما المصريون القدماء باستخدام العصا وأثبتت اللجنة الأوليمبية الدولية مؤخرا أن الهوكى لعبة اخترعها المصريون منذ 4000 سنة.. ولم يكن التحطيب فى مصر القديمة مجرد لعبة إنما كان أحد الألعاب الذى كان دافع ابتكارها واستمرارها هو تدريب الجنود قبل الحروب.. ولم يبق التحطيب للجنود وحدهم إنما أصبح لعبة لمختلف الرجال يمارسونها يوميا لاستعراض القدرة ومهارة المناورة بالعصا.. واحتفظت جدران المعابد بكل تفاصيل وأشكال هذه اللعبة التى توارثها رجال الصعيد وحافظوا على أهم وأنبل قواعدها
قواعد تختصر الكثير من الطبيعة الحقيقية للمصريين.. ففى هذه اللعبة لا كراهية أو انتقام ورغبة فى إيذاء الآخر.. والخسارة فيها لا تعنى خسارة شرف أو كرامة أو كبرياء لتنتهى اللعبة بمصافحة الود والاحترام.. وهى أيضا ليست مجرد عصا أمام عصا إنما كيف يستخدم الرجل هذه العصا بالتزامن مع حركات ومرونة ذراعيه وقدميه كأنها لوحة فنية لرشاقة الجسد وصلابته أيضا.
ومنذ القرن التاسع عشر أدخل رجال الصعيد على اللعبة مزمارهم وطبولهم لتصبح أحد أجمل وأشهر أشكال احتفالات الناس بأعيادهم وأفراحهم ومختلف مناسباتهم الاجتماعية.. وفى الأقصر حاليا الدورة الرابعة عشرة للمهرجان القومى للتحطيب الذى تنظمه سنويا وزارة الثقافة بقصد المحافظة على لعبة ورقصة مصرية قديمة وجميلة.. ومثل كل سنة.. يحتفى المهرجان الحالى بشيوخ التحطيب ويشارك فيه فرق قصور الثقافة التى جاءت أيضا من بنى سويف والمنيا وأسيوط وسوهاج.
وبدأ كثيرون مؤخرا، منهم أو أهمهم عادل بولاد، ينشرون التحطيب المصرى فى مختلف بلدان العالم ولديهم طموح مصرى جميل ومشروع بأن يصبح التحطيب فى يوم ما لعبة أوليمبية.. وقد يسخر البعض من هذا الطموح ويرونه مستحيلا، لكن من يرى ويتأمل قائمة الألعاب التى نالت شهادة الميلاد الأوليمبى فى السنين القليلة الماضية سيدرك أن التحطيب الأوليمبى الذى يريده ويحلم به المصريون ليس مستحيلا.
نقلا عن المصرى اليوم