حمدي رزق
طُرفة مصرية تحمل مغزى، يتفكه قائلها بالقول: «هتوحشنا الشاورما السورية»، والهاء زائدة تحتمها اللهجة المصرية.

الطُرفة اللطيفة استشراف لقرب عودة إخوتنا السوريين إلى وطنهم الحبيب بعد أن تبدلت الأحوال، وسقط نظام الأسد، والطريق باتت مفتوحة للعودة الآمنة كما ينادى عليهم أمراء الحرب بالعودة، مع وعود بالأمن والأمان والعفو عما سلف.

شخصيًا، لم أشعر يومًا أن بين ظهرانينا (غرباء)، السوريون أقرب إلينا، وفى قلوبنا، وإن ما شالتهم الأرض هم فوق الرؤوس، وكما كنا كرماء فى احتضانهم فى بيوتنا، مستوجب الكرم فى وداعهم، لا تتعجلوهم، حتمًا سيرحلون، كونوا كرماء حتى باب البيت.

لا تبخسوا جميل صُنعكم بهذا الحكى البغيض، كل سورى سيعود إلى وطنه فى القريب العاجل، وسيحمل فى قلبه وعقله أجمل الذكريات لمصر وشعبها الكريم المضياف، وستظل ألسنتهم تلهج بالشكر لكل من ابتسم فى وجوههم يوم أظلمت الدنيا فى الوجوه، وسيعودون فى المستقبل القريب ليصلوا الود. مَن شرب من ماء النيل سيعود ليشرب شربة ماء ترويه.

البعض مصريًا يتعجل رحيل السوريين عن مصر، وكأنه شايلهم فوق دماغه وزاعق، وتتعالى أصوات مزعجة إلكترونية بتعجل الرحيل، حتى لا تترك لإخوتنا المأزومين فرصة اليقين بتغير الحال والأحوال، وتدبير أسباب العودة، وتسوية المتعلقات، مدارس وجامعات وأعمالًا، ومحلات شاورما.

دعوة مزعجة، يرحلون، الليلة، ولماذا هم لايزالون قاعدين؟.. دعوات غريبة على الطباع المصرية الأصيلة، تتسم بالفجاجة اللفظية، لا تتسق مع ما عُرف عن المصريين من حسن الضيافة، وإكرام الضيف، وحسن وفادته.

جدُّ غريبة هذه الأصوات على طباع المصريين، وتخلف مرارة فى الحلوق، ولسان الحال، رفقًا بالسوريين، فحسب «هنيهة»، يفكرون ويقررون، العودة إلى سوريا الآن كما العودة إلى المجهول.

أمنية كل سورى يقينًا العودة إلى وطنه معززًا مكرمًا، ليس هناك أقسى من الغربة على النفوس، من لم يُجرِّب شقاء الغربة مكرمًا فى وطنه لا يشعر بمعاناة هؤلاء فى بلاد غير البلاد، الغُربة وما أدراك ما الغُربة!، ثقيلة الوطأة على النفس، صعيبة الغربة، أعوام فى الغربة القسرية تجعلك تتمنى يومًا فى حضن الوطن.

يقينًا كل سورى حزم أمتعته استعدادًا للرحيل والعودة إلى الديار الحبيبة، ويتمنى العودة اليوم قبل الغد، الليلة كما يقولون، لا تتعجلوهم، وكما كنتم كرماء فى احتضانهم، كونوا كرماء فى وداعهم، لا تحملوا عليهم وهم فى حالة عدم اليقين.

السورى الذى اختار مصر ملاذًا، اختار بلد الأمن والأمان، اهبطوا مصر، فإن لكم ما سألتم، ينام السورى ملء جفونه تحت شجرة المصريين وارفة الظلال، متمتعًا بمحبة أهلها، وكرمهم.

السورى فى وطنه الثانى (مصر) يود ألا يغادرها، لم يعرف فيها عذابات اللجوء، ولم ينم فى عراء مخيمات اللاجئين، ولم يسجل نفسه لاجئًا، فى بيته ومطرحه، وبين أهله وأخواله، لهم فينا ذمة ورحمًا وصهرًا.

بالمناسبة، نفر قليل مَن سجّل فى مفوضية اللاجئين، والمسجلون من السوريين فى مصر لدى المفوضية فحسب (١٥٨٤٠٦) سوريين.. وأضعاف أضعاف هذا الرقم فضَّل لقب (ضيف) على وصف (لاجئ)، الحكى بالملايين من السوريين فى مصر، ومصر قلبها كبير، وكرمها عميم، وشعبها مضياف، وعظيمة يا مصر يا أرض النعم، يا مهد الحضارة يا بحر الكرم، نيلك دا سكر جوك معطر، بدرك منور بين الأمم.
نقلا عن المصرى اليوم