سحر الجعارة
نفس مشاهد سقوط (صدام، مبارك، القذافي)، نفس الفوضى والتشفي و«المصير المجهول» والاحتفاء بصعود «الفاشية الدينية» لسدة الحكم كبديل وحيد للاستبداد السياسي والديكتاتورية: إنّها الفوضى الخلاقة التي نادت إليها «مادلين أولبرايت».
إنه العمى السياسي للشعوب العربية التي غذت هذا الوحش الخرافي بدماء الأطفال والنساء والعجائز من كهوف أفغانستان إلى غزة حتى أصبح قادرا على ابتلاع الأوطان العربية: أتحدث عن الإسلام السياسي.. عن تنظيمات القاعدة وداعش ومختلف أشكال «المقاومة المسماة بالإسلامية»!
كل من يتحدث عن حروب ومجاعات ونازحين بالملايين من الدول العربية الخربة، كل من يتوهم أنّ «الإرهاب» قد تم زرعه في أوطاننا لتنفيذ «خريطة حدود الدم» التي صيغت في «البنتاجون» لتقسيم العالم العربي إلى دويلات «عرقية ودينية»، يهرب من الوصف الدقيق للمأساة: «نحن من صنعنا أعداءنا» وموّلناهم تحت بند الزكاة أو الجهاد أو «المعارضة».
نحن من قلنا إن «الإسلام السياسي» فصيل وطني وإن انتخابهم «قمة الديمقراطية» وإنهم أصحاب الأيادي المتوضئة بينما هم حملة الأباتشي والكلاشينكوف، و«الحكم الديني» الذي يُقصي كل من عاداه من فئات الشعب ويذبح أعداءه على طريقة «داعش» وينفي النساء من الحياة خلف جدران البيوت لأنهم مجرد سبايا أو جواري في أفضل الأحوال ويُطعم الشباب لنيران الحرب ويهدم التراث الوطني بزعم أنه «أوثان» أو يبيعه في المزادات العالمية لدعم ماكينة الحرب بالأموال الساخنة.. فلا تنتظروا مصيرا غير هذا لسوريا.
تيار الإسلام السياسي، ليس البديل الجاهز للحكم كما يروّجون، بل لأنه «الحليف الجاهز للخيانة»!.
لقد كانت سوريا ممزقة بين الاحتلال الإسرائيلي لهضبة الجولان، والاحتلال التركي لشمالها، وأمريكا تريد أن تُنهي النزاع «العربي - الإسرائيلي» بطريقتها: أن تُخلي المنطقة من الجيوش العربية، أجهزت على جيش العراق، وأخيرا تم لها تفكيك جيش «الدولة السورية» وانسحب من مواقعه بعدما خذله حزب الله وتفرغت روسيا لحربها مع أوكرانيا.. فلم يتبقَّ في المنطقة العربية إلا الجيش المصري، فهو «الرقم الصعب» في المعادلة، ويكفي حاليا محاصرة حدوده بالدم والنار!
إنه يوم تاريخي لإسرائيل تماما كما وصف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو سقوط الأسد، وقال إنّه وقع كنتيجة مباشرة للضربات التي وجهتها إسرائيل لحزب الله وإيران.. وأضاف: «لن نسمح لأي قوة معادية بالتمركز على حدودنا».
تثق إسرائيل تماما في قادة «الفاشية الدينية».. إنها لعبة مساومات وصفقات يجيدها الطرفان!
هيئة تحرير الشام أو جبهة النصرة سابقا هي النسخة الجديدة من تنظيم ما يُسمى بالدولة الإسلامية والمعروفة بداعش؛ صحيح أنّها فكت ارتباطها بالتنظيم من قبل ولكن لا يوجد ما يؤكد أنها تخلت عن أفكارها.. فالمرجعية الفكرية واحدة.
وبالتالي أصبحت «سوريا على خُطى أفغانستان».. وليس سرا أن زعيم «هيئة تحرير الشام» الإرهابية أبو محمد الجولاني «أحمد الشرع»، أدرجته الولايات المتحدة على قائمة الإرهاب في عام 2013.
لقد بدأ الجولاني مسيرته في صفوف تنظيم القاعدة، وبعد عودته إلى سوريا، قاد فرع التنظيم عندما كان تحت اسم «جبهة النصرة»، واستمر في قطع العلاقات مع تنظيم القاعدة وتطورت منظمته إلى «هيئة تحرير الشام»، في أوائل عام 2017.
لقد أصبح اسمه الأكثر ترددا في وسائل الإعلام العالمية الآن، منذ سقوط حلب خلال الأسابيع الماضية، ثم حماة وحمص في يد قواته.. لكن المهزلة أن «أحمد حسين الشرع» تزامن وصوله إلى العاصمة السورية دمشق مع استيلاء جيش الاحتلال الإسرائيلي على الجانب السوري من جبل الشيخ بهضبة الجولان، في مشهدين متناقضين خلال اليوم الذي بدأ بإعلان الفصائل المسلحة السيطرة عليها وإسقاط نظام الرئيس بشار الأسد (!!).
ما أشبه اليوم بالبارحة، وكأن التاريخ يعيد نفسه ووحش الإسلام السياسي يغير من جلده وهيئته واسمه ويبدأ مشروع «دولة الخلافة» الداعشية في عاصمة عربية أخرى!
نقلا عن الوطن