حمدى رزق

مَن أخرج المشهد الثورى السورى كان حاذقًا، عنى بالتفاصيل الصغيرة التى ترسم الصورة الملونة فى أعين السوريين، من تهذيب لحية الجولانى، إلى تغيير اسمه، وغسل سمعته الإرهابية، وصولًا إلى ألوان العلم السورى المرفوع فى الميادين فى «جمعة النصر».

 

اختفت الأعلام السوداء، رمزية داعش والقاعدة والنصرة ومثيلاتها، من المشهد تمامًا، واستعاد المخرج (الأريب) عَلَمًا من أعماق التاريخ السورى، يداعب فكرة الاستقلال، وكأن سوريا تستقل من جديد!!.

 

استعاد عَلَم الاستقلال السورى القديم، وعمد إلى إحيائه فى إشارة لا تخفى على لبيب، واللبيب من الإشارة يفهم. العَلَم المرفوع فى الميادين ليس غريبًا عن أجيال الأبيض والأسود من الأجداد السوريين، يعرفونه جيدًا، يسكن ذاكرتهم البعيدة، طبق الأصل مع اختلاف فى الطول والعرض من عَلَم الاستقلال. العَلمَ الذى قررته «هيئة تحرير الشام» تراه لِمامًا فى مشاهد مسلسل «باب الحارة» لمَن يتابعون الدراما السورية، يخاطب «نوستالجيا» سياسية بامتياز، مخرج الثورة يؤجج الحنين إلى ماضٍ ولّى، يضفى لمسة وطنية تعلى المشهد.

 

العلم الجديد (القديم) بألوانه الأخضر والأبيض والأسود، وثلاث نجوم حمراء فى المنتصف، عَلَم الجمهورية السورية الأولى أو «عَلَم الاستقلال»، عن الانتداب الفرنسى عام 1946.

 

‏الشبكة الإخبارية البريطانية (BBC) عنيت بقصة العَلَم، وذكّرت السوريين بالعَلَم القديم، تداعب ماضيهم النضالى، وليس العَلَم الجديد بغريب على دارسى التاريخ الحديث، وارد بألوانه فى الدستور السورى الصادر عام 1930 فى مادته الرابعة: «يكون العَلَم السورى على الشكل الآتى: طوله ضعف عرضه، ويُقسم إلى ثلاثة ألوان متساوية، متوازية، أعلاها الأخضر، فالأبيض، فالأسود، على أن يحتوى القسم الأبيض منها، فى خط مستقيم واحد، على ثلاثة كواكب حمراء، ذات خمسة أشعة».

 

العَلَم الذى قررته هيئة تحرير الشام ينسخ أعلامها السوداء والبيضاء على حد سواء، ترتدى ألوانًا سورية قحة، اعتمدت رمزًا ماضويًّا يترجم فخرًا، عَلَمًا رُفع عندما نالت سوريا استقلالها فى 17 إبريل عام 1946.

 

العَلَم ظل مستخدمًا حتى عام 1958، نحو 27 عامًا، حين تم الإعلان عن الوحدة، وإعلان «الجمهورية العربية المتحدة» التى اعتمدت عَلَمًا جديدًا مشتقًّا من عَلَم التحرير العربى للثورة المصرية عام 1952.

 

العَلَم السورى الذى أُسقط من فوق السارى، وكانوا قبلًا يُقبلونه ويرفعونه فوق الرؤوس، مكون من ثلاثة ألوان الأحمر والأبيض والأسود، وتميز عَلَم الاتحاد عن عَلَم التحرير العربى الأصلى بنجمتين باللون الأخضر فى الشريط الأبيض، ترمزان إلى المكونين للاتحاد (مصر وسوريا).

 

بعد حلّ الوحدة عام 1961 أُعيد استخدام العَلَم «الأخضر» حتى عام 1963، إلا أن اعتماد العَلَم بنسخة الأسد الكبير كان فى عام 1980.

 

الألوان الأربعة المعتمدة فى عَلَم هيئة تحرير الشام، الأخضر والأحمر والأسود والأبيض، ترمز إلى الأُسَر الحاكمة الرئيسية فى التاريخ العربى: (العباسيون والفاطميون والأُمويون والهاشميون)، وهناك رواية تقول إن النجوم الحمراء الثلاث كانت فى الأصل تمثل (حلب ودمشق ودير الزور)، فيما يمثل اللون الأخضر الراشدين، والأبيض الأمويين، والأسود العباسيين.

 

ينقسم السوريون تجاه العَلَم المرفوع فى الميادين الآن، فالموالون للأسد يرونه رمزًا للانتداب الفرنسى، والموالون للجولانى يُعدونه رمزًا للاستقلال، والعَلَم الذى سقط من حالق باعتباره «عَلَم البعث أو علم الأسد» سقط بسقوطه!.

نقلا المصرى اليوم