القمص يوحنا نصيف

 بدايةً، التسبيح هو حياة سماوية مُفرِحة.. فما أحلى التسبيح لأبينا السماوي، وما أجمل أن يقضي الإنسان أوقاتًا مُكَرَّسة في حياته لتسبيح وتمجيد الله.
    التسبيح هو عمل وغذاء الملائكة، وهو لُغَتُهم في السماء. هو في الحقيقة لُغة الحُبّ، فهو مُتعتهم وتسليتهم وطعامهم. لذلك فاشتراكنا معهم في التسبيح هو شركة لذيذة مع السمائيّين، واختبار حقيقي للحياة السماويّة!
 
أيضًا لا ننسى أنّ ذبيحة التسبيح هي تعبير عن عرفاننا بفضل الله علينا.. فنحن مَدِينون لله بكلّ شيء في حياتنا؛ وجودنا، صحّتنا، إمكانياتنا، مواهِبنا، ممتلكاتنا، خلاصنا، وحياتنا.. لذلك فليس لدينا ما نقدّمه أهمّ مِن أن نُسَبِّحه ونشكره على الدوام. ولو ظَلَلْنا طوال العُمر نسبِّح ونشكر المسيح على أعماله العظيمة معنا، فالحقيقة أنّنا لن نوفيه حقّه، وكثرة إحساناته!
 
  لنسمع داود النبي وهو يقول: "قطعتَ قيودي، فلك أذبح ذبيحة التسبيح" (مز115 صلاة الساعة التاسعة). فهو هنا يَرَى عمل الله معه، وكيف أنّه حرّره وأنقذه ورفعه، وبالتالي فهو يُقَدِّم له ذبيحة شكر وتسبيح على محبّته..
 
كلّ هذا بالرغم مِن أنّ ما ناله داود، لا يمكن أن يقارَن بالنِعَم العظيمة التي نلناها في العهد الجديد، بعد تجسُّد المسيح؛  فقد نلنا في المسيح نعمة البنوّة لله وبالتالي ميراث ملكوت السموات؛
 
ونلنا نعمة الغفران والحرّيّة من الموت والفساد بالفداء الذي نلناه بالصليب والقيامة؛
 ونلنا نعمة الجلوس عن يمين الآب بالصعود؛
 
 ونلنا نِعمة سُكنَى الروح القدس فينا، فصِرنا هيكلاً مقدّسًا للربّ!
 
  لذلك فإنّه قد صار من باب الوفاء والأمانة علينا أن نُقَدِّم باستمرار ذبائح تسبيح وشكر للمسيح فادينا، مُتَغَنّين بمحبّته العظيمة، كما يوصينا معلّمنا القدّيس بولس: "فلنقدِّم به (بالمسيح) في كلّ حين لله ذبيحة التسبيح، أي ثمرة شفاه معترفة باسمه" (عب15:13).
 
 ونحن الآن نعيش في أجواء التسبيح طوال شهر كيهك المبارك، فليكُن هدفنا واضحًا باستمرار، أنّنا نمجِّد الله ونحبّه لأنّه هو أحبّنا أولاً، ونسبحه بكلّ كياننا لّأنّه اشترانا بدمه الغالي، فصرنا مَدِينين لهذا الحبّ الهائل.. قائلين مع ترنيمة الكنيسة الجميلة:
 
 "رتّلوا للذي صُلِب عنا، وقُبِرَ وقام، وأبطلَ الموتَ وأهانه. سبّحوه وزيدوه علوًّا.
 
 اخلعوا الإنسان العتيق، والبسوا الجديد الفاخر، واقتربوا إلى عِظَم الرحمة. سبحوه وزيدوه علوًّا.
 
أمّا أعجب ما يمكن أن نراه فهو رؤية أنّ الخلائق السمائيّة تشترك معنا في التسبيح لنفس السبب، وأقصد الفداء والخلاص المُقَدَّم لنا، وكأنّنا كعائلة واحدة نمجّد الثالوث القدّوس الذي جمعنا لكي نكون حول عرشه متهلِّلين بتسبيحه!
 
 ففي سفر الرؤيا، رأى القدّيس يوحنّا الطغمات السمائيّة متهلّلة، بعد ظهور الحمل القائم كأنّه مذبوح، ليفتح سِفر تاريخ البشريّة ويفكّ ختومه، فخرّوا ساجدين له ومعهم قيثارات ومجامر مملوءة بالبخور، ثم بدأوا في تقديم التسبيح قائلين: "مستحقٌ هو الخروف المذبوح أن يأخذ القدرة والغنى والحكمة والقوة والكرامة والبركة... لأنك ذُبِحتَ واشتريتنا لله بدمك" (رؤ5).. ونلاحظ أنّ السمائيّين وَضَعوا أنفسهم معنا -نحن البشر- قائلين "لأنّك ذبحتَ واشتريتنا"، مُعَبِّرين عن وِحدتنا كعائلة الله، التي جمعها معًا لتتمتّع بملكوته!
 
 من أجل ذلك، إذا كانت ذبيحة التسبيح تجعلنا ندخل بقوّة في هذا المجال الإلهي، وسط الملائكة الأطهار الذين يمجّدون الله من أجل أعماله العظيمة معنا، فكم يكون من المهمّ ألاّ نقف صامتين أو متفرّجين، أثناء حضور القدّاس الإلهي والتسابيح، بل نُشارِك بكلّ كياننا قائلين: "قلبي ولساني، للثالوث يُسَبّحانِ"!
  وعندما تُتَوَّج سهرة التسابيح بالقُدّاس الإلهي، ذبيحة الإفخارستيا (الشكر)، نجد أنّ قد دخلنا في أمتَع لحظات العمر.. فالمسيح يُقَدِّم نفسه مذبوحًا على المذبح من أجل محبّته لنا، بينما نحن نقدّم له ذبيحة الشكر والتسبيح من كلّ قلوبنا!
 
  كلّ كيهك وأنتم في ملء النعمة،،