الأب جون جبرائيل
المشهد:
حديقة يسودها الهدوء، لا يقطعه سوى صوت ضحكات الأطفال ولعبهم، وحفيف أجنحة الطيور وأغانيها يمنح المكان شعورًا وكأنه الجنّة. يتمشّى يسوع في هدوء وبطء، فيلمح رجلًا ذا لحية طويلة غير مهذبة وشعر منفوش وكأنه يخاصم الحلاق!

يلفت الرجل انتباه يسوع وفضولَه، فيتقدم نحو المقعد الخشبي، وما أن اقترب حتى عرف من الجالس. الرجل يكتب بحماس في دفتره، مما دفع يسوع للتردد للحظة، لكنه واصل خطاه نحوه، مبتسمًا بود.

يسوع: مشيرًا بإصبعه إلى الدفتر. "بتكتب إيه يا كارل؟ مذكرات دي ولا خطة ثورة جديدة؟"
ماركس: ناظرًا إليه بشك. "انت مين؟ إيه، واحد من الرأسماليين جاي يسرق أفكاري؟"

يسوع: ضاحكًا. "متخافش، أنا مبدورش عالفلوس. أنا يسوع."
ماركس: بدهشة. "أوه، يسوع؟! متوقعتش أشوفك هنا... أو في أي مكان تاني، بصراحة. لكن بما أنك هنا، عندي سؤال مهم: ليه أتباعك بيطلبوا من الفقراء الصبر والرضا بدل ما يعملوا ثورة؟"

يسوع: رافعًا حاجبه. "وانت ليه عايز تقلب الدنيا على دماغ الأغنياء؟ عشان التوزيع العادل للثروات، ولا عشان شوية أكشن؟"
ماركس: بحماس. "لأ، عشان الفقر عبودية، والعبيد لازم يتحرروا! مش كفاية على فكرة إنك تقولهم طوبى للفقراء... في جعان شبع من الطوبى بتاعتك دي؟"

يسوع: بابتسامة هادئة. "كلامك صح. الطوبى مش كفاية لو الناس ما عيشتهاش. لما قلت طوبى للفقراء ما قصدتش أقول للناس يرضوا بالفقر أو يقعدوا مستسلمين. لما دخلت الهيكل، قلبت موائد الصيارفة لأنهم كانوا بيسرقوا الناس باسم العبادة.

حتى لما شفيت المرضى وباركت المحتاجين، كنت بقول إن الإيمان الحقيقي لازم يغير حياتنا ويخلّينا نقوم ونواجه الظلم. الإنسان الفقير مش أقل قيمة عشان فلوسه قليلة. أنا قلت: أعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله، يعني ما ينفعش نظام أو سلطة تستغل البشر لحسابها."

ماركس: ساخرًا. "بس الكلام ده جميل على الورق، يا يسوع. أنا بتكلم على حلول عملية. الثورة هي الحل الوحيد للسيطرة على الجشع."

يسوع: متأملًا. "بس الثورة اللي مش بيحركها محبة، هتخلق جشع جديد. انت قلت قبل كده إن الدين أفيون الشعوب، بس الأفيون الحقيقي هو الغضب اللي بيعمينا عن بعض.

أنا مش بقول نسيب الظلم، لكن لو السلطة بقت في إيد ناس مش شايفين في الغني والفقير أخوات، هيعيدوا نفس المأساة. أنا في وقتي كنت بواجه رجال دين بيستغلوا الناس عشان مصالحهم، وقلت: ويل لكم أيها المراؤون!. لكن كمان كنت بقول الغني يقدر يخلّص نفسه لو قرر يحب أخوه الفقير، زي ما حصل مع زكا العشّار لما قرر يردّ المسلوب أربع أضعاف."

ماركس: بتردد. "بس مين يضمن إن الأغنياء هيعملوا كده لوحدهم؟"
يسوع: بحزم. "ما قلتش لوحدهم. الكنيسة اللي أسستها مش مجرد مكان صلاة، دي مكان خدمة. أوصيت أتباعي يساعدوا المريض، والفقير، ويواجهوا الاستغلال.

لما الناس تعيش المحبة والرحمة، الجشع ما يقدرش يكون له مكان. لكن برضه ما ينفعش نسكت على الظلم. لما قلبت الهيكل ما كنتش بدعو للعنف، لكن كنت بدعو للحق. السوط كان رمز لصرامة الحق، مش إعلان لحرب."

ماركس: يبتسم ساخرًا. "وأنا بقول لك: لازم القوة! ديكتاتورية البروليتاريا هي اللي هتحل الموضوع ده من جذوره."

يسوع: ضاحكًا برفق. "وديكتاتورية برضه؟ أنا قلت: من أراد أن يكون أولكم، فليكن خادمًا لكم، مش ليكن ديكتاتورًا. الثورة اللي مش بتحرّر القلب قبل ما تغيّر النظام، بتفضل ناقصة."

ماركس: يفكر للحظة. "طيب، ما تقول لأتباعك يبطلوا يوزعوا أفيون في كنايسهم؟ ما تحركهم بجدية ضد الفقر بدل ما يدوهم مواعظ."

يسوع: بهدوء. "اللي بيستغلوا الكنيسة عشان مصالحهم ماشيين عكس رسالتي، وعكس اللي علمته. لكن في كنايسي، هتلاقي ناس بيقدموا خدمة، وبيشتغلوا في مستشفيات ومدارس عشان يواجهوا الفقر.

الغضب المقدس اللي بتطلبه موجود، بس بدون ما يقتل السلام. أنا مش عايز حرب بين الناس، أنا عايز حب يغير قلوبهم وحياتهم."

ماركس: مبتسمًا رغمًا عنه. "عارف؟ لو كنت انت شيوعي، كنت أقنعت الناس أكتر مني. عندك أسلوب مسالم."

يسوع: ضاحكًا. "وانت عندك شغف جميل، بس محتاج تضيف عليه شوية رحمة. التغيير الحقيقي يبدأ من قلب الإنسان، ويستمر بالعدالة."

ماركس: مبتسمًا. "طيب ما تيجي نعمل صفقة؟ انت تحط شوية غضب مقدس على محبتك، وأنا أفكر شوية في السلام."
يسوع: يمد يده بابتسامة. "اتفقنا."

(يتصافح الاثنان...)

يسوع يمضي في طريقه بسلام، بينما يعود ماركس إلى دفتره ليكتب مجددًا، لكن هذه المرة بابتسامة صغيرة وتأمل في الصمت.

الخاتمة:
"العدالة إن لم ترافقها المحبة صارت عنفًا،

والمحبة إن لم يصاحبها إعلان الحق بقوة وصرامة مثل سوط تقليب الموائد، تصبح أفيونًا."