أحمد الجمال
مع ظهور الكمبيوتر المحمول، وبعد اقتنائى واحدًا منها منذ سنين أصبحت طويلة، شهدت شراء ما هو جديد وأكثر كفاءة، حرصت على أن أصطحب الجهاز ومعه أسطوانات وبعدها فلاشات، منها واحدة تحمل نصوص أكثر من ثلاثمائة كتاب، كلها فى مقارنة الأديان ونقدها وفى الإلحاد والزندقة والفسق، وفى الأساطير التى انتشرت فى حضارات قديمة وفى كتب مقدسة، ثم فى الأدب الذى يسمى مكشوفًا، لأنه لا يهتم إلا بالجنس والعلاقات الجنسية بين البشر، بما فى ذلك ما يسمى المثلية واللواط وغيرهما.
وأزعم أن ما قرأته فى كتب تم تأليفها منذ قرون فى تلك المجالات يفوق كمًا وكيفًا ما يقوله بعض مقدمى البرامج وضيوفهم، حيث يوهمون المشاهد بأنهم محنكون ويملكون شجاعة هدم ما يسمى «المقدسات والثوابت الإيمانية والفكرية والثقافية والسياسية والاجتماعية»، وكذلك فإن تلك النصوص القديمة تفوق فى شمولها وعمقها ما كتبه بعض أولئك الإعلاميين، وفيه تخصص فى القدح تجاه الإسلام والمسلمين بوجه خاص، من خلال رصد وتوصيف مخالفات كبار الصحابة منذ عصر الرسالة وما بعده.
وقد شاهدت ذلك الإعلامى ومعه شخص له إنتاج وفير من كتب نقد الأديان وأساطيرها.. والشىء بالشىء يُذكر فإن هناك بعض الأسماء اشتهرت بهذا الإنتاج مثل فراس السواح وخزعل الماجدى وسيد القمنى، ولم أضع معهم كمال الصليبى، لأنه مختلف عنهم، رغم أنه أحد أهم رواد الكتابة فى فرع نقد روايات وقصص الكتب المقدسة، وكان كتابه الشهير «التوراة جاءت من جزيرة العرب» إحدى العلامات البارزة فى ذلك السياق.
وربما لأن الشاشة التى يقدم فيها ذلك الإعلامى برنامجه شاشة أمريكية معلوم سبب إنشائها ومعلوم رسالتها وهدفها؛ فإنهم لا يقتربون أبدًا من اليهودية ومذهب المسيحية الصهيونية السائد فى غالبية مسيحيى الولايات المتحدة، وكلاهما- أى اليهودية والإنجيلى المشيخانى- حافل بالأساطير.
ولا أدرى هل هو أمر يثير السخرية أم يثير الشفقة عندما تجد ذلك الإعلامى، الذى تصادف أن عرفته منذ كان طالبًا فى كلية الإعلام، وعرفنى بعد منتصف ثمانينيات القرن العشرين، وبيننا- على المستوى الإنسانى- ود واحترام.. تجده محتقنًا صائحًا وهو يحوّل كلماته إلى صفعات ولكمات لوجوه وأدمغة مشاهديه، ليستفيقوا من غفوات غباء تمسكهم بما يعتقدون أنه مقدس أو أنه ثابت وطنى وإنسانى، ويأتى بضيوف ليساعدوه بمزيد من المعاول لهدم ما استقر فى وجدان الناس على أنه مقدسات إسلامية، وأيضًا ثوابت وطنية، فيما الأسطورة التوراتية أنشأت حركة سياسية هى الصهيونية، سعت- استنادًا للأسطورة- إلى احتلال وطن شعب آخر وإنشاء دولة يهودية عليه بالحديد والنار والقتل والدمار، ومازالت الأسطورة الدينية اليهودية تحرك ملايين اليهود والمسيحيين الغربيين والأمريكان، لنجد أن الإدارة الأمريكية مثلًا محتشدة لمساندة الدولة اليهودية، لأنها جزء من إيمانهم المسيحى الخالص.. ورغم ذلك فإن ذلك الإعلامى ومعه ضيوفه يفردون الساعات لنقض القصص القرآنى أو الفكر القومى والتقدمى، ولا يلتفتون إلى أنهم فى اللحظة التى يظنون فيها أنهم الشجعان الجسورون فكريًا وثقافيًا وإعلاميًا فإن ما فعلته الدولة اليهودية الصهيونية، ومن يساندونها معتمدين كلهم على شرعية الأسطورة التوراتية والعهد الإلهى بالأرض من الفرات إلى النيل، بل وأوسع من ذلك، هو أكبر رد وتكذيب لهم، والسؤال الذى لا أتوقع أن يجيبوا عنه هو: هل فى أجندة ذلك الإعلامى وبرنامجه ومحطة الحرة موعد ستناقش فيه أساطير التوراة وأسطورة الملك الألفى المعمدانية الأمريكية؟!
لقد تصادف وشاهدت جزءًا من إحدى الحلقات التى يناقش فيها الإعلامى ضيفه فراس السواح، وكان ذلك الجزء عن قصة النبى سليمان فى القرآن، وبدأت السخرية من أنه استمع لكلام النمل، إذ «قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم».. إلى آخر الآيات، وقال صاحب البرنامج متندرًا: «أنا لو قال لى أحد أنه يعرف كلام النمل وأنه ابتسم وضحك على ذلك الكلام لقلت إنه مجنون»، ويرد الضيف وهو جالس «مجعوص» يعمد إلى أن يبدو عليه سمت العالم المتمكن مؤكدًا أنها أساطير غير معقولة! ويبدو أنهما عمدا إلى تجاهل الحقائق العلمية فى عالم الحيوان، وكيف أنه بالعلم استطاع الباحثون أن يتوصلوا إلى لغة التواصل بين الكائنات، ابتداء من مستوى الأميبا إلى مستوى القردة العليا الأقرب للإنسان، ثم تجاهل أنه بالعلم أيضًا استطاع البشر أن يجعلوا ما كان من قبيل المعجزات والكرامات، مثل خرق المكان وخرق الزمان، حيث نستطيع رؤية الإعلامى وضيوفه والاستماع إليهم من على بعد مئات وآلاف الأميال، وفى اللحظة ذاتها التى يتحدثون فيها، ثم نستطيع أن نريح أدمغتنا ونغض أسماعنا وأبصارنا من غثائهم بضغطه زر الريموت، فيما نحن مجعوصون على الكنبة!
.. تُرى هل نتوقع مناقشة أسفار التوراة وما فيها من أساطير وزنى محارم، وهل نتوقع مناقشة المعتقدات الأسطورية المسيحية الصهيونية على الشاشة التى تأخذ على عاتقها تنظيف وجداننا الإيمانى والوطنى مما علق به من مقدسات وثوابت؟!
نقلا عن المصرى اليوم