الأنبا إرميا
عرضت المقالة السابقة تدخل «مجلس الأمن» وقراره فرض إيقاف إطلاق النار، وعدم التزام «إسرائيل» به فى خرقها الواضح للهدنة لتحتل أثناءها أراضى عربية أخرى. ومع استئناف الحرب بين الطرفين، أصدر «مجلس الأمن» قرارًا يطالب فيه أطراف الحرب بقبول مد الهدنة.

ثم أصدر «مجلس الأمن» قرارًا بإيقاف إطلاق النار والامتناع عن تنفيذ أعمال عسكرية أخرى، وطالب بحماية الأماكن المقدسة والأبنية والمواقع الدينية فى «فلسطين» والوصول إليها، فى هدنة ثانية من الأمم المتحدة بدأت ١٨/٧ واستمرت حتى ١٥/١٠ سنة ١٩٤٨. لٰكن الجيش الصهيونى لم يمتثل للقرار، ونفَّذ عمليات تهديم للقرى الفلسطينية وطرد لسكانها.

وفى ٤/١١/١٩٤٨، صدر القرار ٦١ لمجلس الأمن بالدعوة إلى سحب القوات وإقامة خطوط هدنة دائمة ومناطق منزوعة السلاح؛ جاء فيه أنه «يدعو الحكومات المعنية، دون الإخلال بحقوقها ومطاليبها ومواقفها، بالنسبة إلى تعديل نحو السلام لمستقبل وضع «فلسطين»، أو بالموقف الذى قد يرغب أعضاء الأمم المتحدة فى اتخاذه فى الجمعية العامة بصدد مثل هذا التعديل نحو السلام:

١ـ إلى سحب تلك القوات التابعة لها التى تقدمت عبر المراكز التى كانت تحتلها فى ١٤ أكتوبر، مع تخويل الوسيط بالوكالة إقامة خطوط موقتة لا يجوز تحرك الجنود عبرها،

٢ـ إلى إقامة - بواسطة المفاوضات المباشرة بين الأطراف، أو إذا تعذر ذلك بواسطة وسطاء يعملون فى الأمم المتحدة - خطوط هدنة دائمة، وكذلك مناطق محايدة أو منزوعة من السلاح إذا ما بدا ذلك مفيدًا، من أجل تأمين المراعاة التامة للهدنة فى تلك المنطقة من الآن فصاعدًا. وإذا تعذر الوصول إلى اتفاق، فستقام الخطوط الدائمة والمناطق المحايدة بقرار من الوسيط بالوكالة...».

ثم جاء قرار مجلس الأمن فى ١٦/١١/١٩٤٨ بإقرار إقامة هدنة فى كل أنحاء «فلسطين»؛ أكد فيه قراراته السابقة بشأن الهدنة فيها، وقد نص على أن المجلس:

١- يقرر أنه من أجل إزالة التهديد للسلام فى «فلسطين»، ولتسهيل الانتقال من الهدنة الحاضرة إلى السلام الدائم فى «فلسطين»، ستقام هدنة فى جميع قطاعات «فلسطين».
٢ـ يدعو جميع الأطراف ذات العلاقة المباشرة بالنزاع فى «فلسطين»، كتدبير موَّقت إضافى بموجب المادة ٤٠ من الميثاق، إلى السعى للاتفاق حالًا، عن طريق المفاوضات التى تُجرى إما مباشرة أو بواسطة الوسيط بالوكالة، على إقامة هدنة دائمة فورية تشمل:

أـ رسم خطوط هدنة دائمة لا يجوز لقوات الأطراف المعنية المسلحة تخطيها،

ب- القيام بما يلزم من سحب وتخفيض لقواتها المسلحة لتأمين المحافظة على الهدنة الدائمة فى أثناء الانتقال إلى السلام الدائم فى «فلسطين».

وقد بدأت أول مفاوضات عربية إسرائيلية فى «رودس» بإشراف الأمم المتحدة فى ٦/١/١٩٤٩؛ بهدف إبرام اتفاقات هدنة بين «إسرائيل» والدول العربية المجاورة التى شاركت فى «حرب ١٩٤٨»، وهى: «مِصر» و«الأردن» و«لبنان» و«سوريا».

ومع أن إطلاق النار قد أُوقف، فإن المحادثات لم تتطرق إلى المشكلة الأساسية التى كانت سبب الحرب: وهى الوجود الصهيونى فى «فلسطين»! وفى «رودس» يوم ٢٤/٢/١٩٤٩، وُقع اتفاق هدنة من ١٢ مادة بين «إسرائيل» و«مِصر»؛ من أهم نقاطه: عدم اللجوء إلى القوة العسكرية فى تسوية القضية الفلسطينية، وعدم قيام أى من الفريقين بأعمال عسكرية عداونية على الآخر، ورسم خط هدنة بينهما لا يجوز لأيّ منهما بتخطيه.

كذٰلك السماح لقوات الجيش المصرى بالعودة بأسلحتها من «الفالوجا» إلى «مِصر»، وتسليم المنطقة للقوات الإسرائيلية. وقد اشتملت المادة الثامنة من القرار على تحديد المنطقة المجردة من السلاح التى يحذر فيها الوجود المصرى أو الإسرائيلى المسلح، لتصبح مقرًّا للجنة الهدنة الثنائية.

ثم عُقدت هدنتان مع «لبنان» فى ٢٣/٣/١٩٤٩، ومع «الأردن» فى ٣/٤/١٩٤٩. ويذكر موقع القدس: «وعُقدت الهدنة بين «العرب» و«إسرائيل» فى عام ١٩٤٩، وأقرت واقعًا مأساويًّا، أصبحت معه دولة «إسرائيل» حقيقة قائمة على «فلسطين» كلها ما عدا الضفة الغربية (جنين ونابلس وطولكرم وأريحا) و«القدس» الشرقية و«غزة» و«خان يونس» و«رفح»«. و... وما زال حديث «القدس» يأخذنا، والحديث فى «مصر الحلوة» لا ينتهى!

* الأسقف العام رئيس المركز الثقافى القبطى الأرثوذكسى
نقلا عن المصرى اليوم