بقلم: رحاب السماحي

لطالما أثار هذا السؤال الجدل: هل هناك علاقة وثيقة بين الإبداع والاكتئاب؟ أرسطو كان من أوائل من تناولوا هذا الموضوع، حيث قال: "لم يوجد أبداً عبقري عظيم بدون خصلة من جنون". بالطبع، لا يقصد الجنون بمعناه الحرفي، بل يشير إلى الاضطرابات النفسية التي يمكن أن تصاحب المبدعين.
 
دراسات تؤكد العلاقة
أول دراسة تناولت هذه العلاقة كانت في عام 1931، حيث أجرى لينغ إيخباوم مقابلات مع أكثر من 800 عبقري. خلصت الدراسة إلى أن قلة قليلة منهم كانت خالية من أي مشاكل عقلية. وعلى مدار العصور، لاحظ الباحثون ارتباطًا بين الاكتئاب ثنائي القطب والإبداع.
 
يتسم المصابون بالاكتئاب ثنائي القطب بنوبات متباينة بين اكتئاب شديد وحالة من الهوس. في هذه الحالة الأخيرة، يشعر الفرد بطاقة غير عادية، وإنتاجية مرتفعة، وتدفق للأفكار، مما يؤدي إلى إبداع استثنائي. دراسة أجريت على سبعة ملايين مراهق سويدي وجدت أن الأشخاص المبدعين بشكل استثنائي كانوا أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب ثنائي القطب بأربعة أضعاف.
 
وفي عام 2013، نُشرت دراسة في مجلة البحوث النفسية أكدت أن الأشخاص المنخرطين في المجالات الإبداعية والعلمية كانوا أكثر عرضة للاضطرابات النفسية، خاصة الاكتئاب ثنائي القطب والفصام. وصرح كاى جاميسون، عالم النفس السريري من جامعة جونز هوبكنز، بأن حالة الهوس المرتبطة بثنائي القطب تُنشّط الفص الجبهي للدماغ بشكل ملحوظ، مما يعزز الإبداع.
 
الإبداع والعوامل الجينية
في دراسة أخرى قادها كارى ستيفانسون عام 2015، تبين أن الأشخاص المبدعين لديهم مستويات مرتفعة من "بولي جينز"، وهي مجموعة من الجينات التي تزيد خطر الإصابة بالاكتئاب ثنائي القطب والفصام.
 
كما أشار آدم بيركنز من جامعة كينجز كوليدج لندن إلى وجود ارتباط بين الخيال الواسع والاضطرابات العصبية التي تؤدي إلى الأمراض النفسية.
 
أمثلة بارزة
بيتهوفن: عانى من الاكتئاب ثنائي القطب وقدم أعظم سيمفونياته في ظل هذه الحالة.
 
فرجينيا وولف: الكاتبة البريطانية الشهيرة التي أنهت حياتها بعد صراع مع الاكتئاب.
 
فان جوخ: رسام هولندي عبقري عانى من الفصام والاكتئاب ثنائي القطب، وازداد إبداعه في آخر خمس سنوات من حياته.
 
صلاح جاهين: الشاعر المصري المعروف، الذي تراوحت كتاباته بين السعادة العارمة في "الدنيا ربيع" والحزن العميق في "أنا شاب لكن عمري ألف عام". انتهى به الأمر منتحرًا بعد صراع مع الاكتئاب.
 
نقاش مستمر
رغم الأدلة التي تربط الإبداع بالاكتئاب، فإن هناك آراء معارضة. ألبرت روثنبرغ من جامعة هارفارد أجرى مقابلات مع 45 من العلماء الحائزين على جائزة نوبل ولم يجد أي علاقة بين الإبداع والاضطرابات النفسية. ووفقًا لرأيه، قد يكون انخراط المرضى النفسيين في مجالات الأدب والفن نابعًا من انجذابهم لهذه الوظائف، لا من قدرتهم الإبداعية.
 
السؤال المفتوح
هل الإبداع نتيجة للاضطرابات النفسية، أم أنهما مجرد صدفة تتقاطع عند البعض؟ وهل يمكن أن يستمر الإبداع في غياب هذه المعاناة؟ ربما يحتاج الأمر إلى مزيد من الدراسات لإجابة هذا السؤال العالق.