هاني لبيب
يعتقد البعض أن إنهاء حكم جماعة الإخوان المسلمين مع ثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣ هو نهاية الإسلام السياسى فى المنطقة. ولكن ما يحدث الآن يؤكد أن منظومة الإسلام السياسى السنى.. تمر بمرحلة إعادة تشكيل.. توحى بأنه سيكون البديل القريب للمحور الشيعى فى المنطقة.
منذ وصول الخمينى إلى طهران قبل ٤٥ سنة، ونظام الملالى يقوم بدور بارز فى دعم جماعات المقاومة عبر أدوات سياسية وعسكرية محددة فى المنطقة، وذلك على غرار: حركة حماس فى فلسطين، وحزب الله فى لبنان، والحوثيين فى اليمن. والملاحظ أن المحور الشيعى الإيرانى استطاع استقطاب وتوظيف فكرة «المقاومة الوطنية» ضد الاحتلال الإسرائيلى والحد من النفوذ الأمريكى لصالح أجندة ولاية الفقيه، وما ترتب على ذلك من التدخل المباشر أو عبر وكلائها الحصريين فى صراعات المنطقة الإقليمية فى فلسطين ولبنان وسوريا والعراق واليمن.
ترتب على ما سبق، تراجع التمدد الشيعى وسيطرته، خاصة فى ظل تصاعد الضغوط الدولية وفرض العقوبات الأمريكية على إيران، وتحجيم قدرتها- وتراجعها- على تمويل حلفائها. ثم ما حدث فى العراق سنة ٢٠١٩ من احتجاجات ضد النفوذ الإيرانى فى العراق وبروز التيار الصدرى.
بالتزامن الدقيق مع كل ما سبق، استطاعت تركيا منذ وصول حزب العدالة والتنمية بقيادة الرئيس رجب طيب أردوغان للحكم سنة ٢٠٠٢، أن تكون لاعبًا محوريًا فى المنطقة، بفضل طموحاتها السياسية والجغرافية، واستراتيجيتها التوسعية التى تعتمد على إحياء الدور الإسلامى العثمانى القديم. ولذا سرعان ما ظهر بوضوح دور تركيا فى استدعاء الإسلام السياسى السنى فى المنطقة بعد ثورات «الربيع العربى الأسود»؛ ليكون البديل الشرعى للمحور الشيعى الذى تهاوى مع رحيل بشار الأسد من سوريا.
وأحد المؤشرات على صدق الافتراض السابق هو التدخل الذى قامت به تركيا عسكريًا بحجة مواجهة «داعش» و«الأكراد»، غير أن تتابع الأحداث يؤكد أن تركيا دعمت فصائل إسلامية مقاتلة، مما أدى إلى تغيير موازين القوى فى شمال سوريا. كما قدمت قبل ذلك دعمًا عسكريًا لحكومة الوفاق الليبية ذات التوجه الإسلامى.
الواضح، أن المحور السنى المتشدد، الذى تدعمه جماعات الإسلام السياسى بأشكالها السلفية والجهادية، كجماعة الإخوان المسلمين ومن خرجوا من عباءتها، وتطوروا حتى الوصول إلى «تنظيم القاعدة» و«جبهة النصرة» و«داعش»، سيعودون مرة أخرى لملء الفراغ بالإحلال والتبديل كأدوات مضادة للمحور الشيعى، مع حفظ مساحة اختلاف فى الاستراتيجيات والأهداف.
إن تراجع نفوذ «تنظيم القاعدة» فى السنوات الأخيرة، ثم هزيمة تنظيم «داعش» فى سوريا والعراق، لا يعنيان نهاية الأيديولوجيا المتطرفة التى ساندت هذه التنظيمات ودعمتها. بل على النقيض تمامًا، وهو ما نتج عنه ظهور نسخ جديدة معدلة ومتطورة من هذه التنظيمات التى استفادت من الفوضى الإقليمية وتفكك الدول، كما هو الحال فى سوريا ولبنان وليبيا واليمن.
ومع ملاحظة هامة، وهى أن «تنظيم القاعدة» تأسس على يد أسامة بن لادن فى سنة ١٩٨٨ بأفغانستان لمحاربة السوفييت. ومع أحداث برجى التجارة العالمى فى ١١ سبتمبر سنة ٢٠٠١، أصبحت القاعدة العدو الأول للولايات المتحدة الأمريكية. وسرعان ما نتج عن هذه الأزمة ظهور «داعش» بين سنة ٢٠١٣ و٢٠١٤ من رحم «تنظيم القاعدة» فى العراق، واستطاع تأسيس «دولة الخلافة» بقيادة أبو بكر البغدادى. وبعد هزيمة «داعش» فى العراق وسوريا سنة ٢٠١٩، اعتقد الكثيرون أنها قد انتهت، لكن واقع الأمر يؤكد أن الفراغ الأمنى فى سوريا والعراق أسهم فى إعادة تشكيل خلاياه من جديد، واعتماد أتباع داعش على العمليات الفردية غير المركزية، والمعروفة باستراتيجية «الذئاب المنفردة»، وأيضًا، اتساع نشاط «داعش» فى إفريقيا.
نقطة ومن أول السطر..
استبدال محور الإسلام السياسى السنى بالمحور الشيعى هو نوع من التفجير الذاتى للمنطقة من داخلها.. دون طلقة رصاص أمريكية أو أوروبية واحدة.
نقلا عن المصرى اليوم